ليلى دندشي
نظمت الجامعة اللبنانية – كلية العلوم وجمعية تاريخ العلوم العربية والمجلس الثقافي للبنان الشمالي والحزب الشيوعي اللبناني ندوة لتكريم الكاتب الراحل الدكتور نقولا فارس بمناسبة صدور كتابه “فصل من دراسة القطوع المخروطية وتطبيقاتها في التقليد الرياضي” عن مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية بطرابلس.
وحضر الندوة التي أقيمت في مسرح بيت الفن في الميناء حشد من الكتاب والأدباء وأساتذة الكليات التطبيقية في الجامعة اللبنانية شمالا وأعضاء في الحزب الشيوعي اللبناني وأصدقائهم ومهتمين، والأستاذة نادين جبور ممثلة مؤسسة زريق الثقافية، وعائلة الفقيد الراحل.
الشيخ
في الإفتتاح النشيد الوطني اللبناني وكلمة تقديم من الدكتور جان الشيخ قال فيها: عندما تابعت أعمال وإنجازات الدكتور الراحل نقولا فارس فإني كأكاديمي وأستاذ جامعي وخصوصا في أيام الحرب وإنعدام وجود وسائل الإتصال السريع، دُهشت لهذه الإنجازات الكبيرة والعديدة والتي اصبحت تُدرّس في جامعات أوروبا وفرنسا بشكل خاص، وهذا فخر لنا جميعا كلبنانيين وعرب وأبناء الشمال وعكار، ولكني أود أن الفت النظر إلى أصل كلمة “الجبر” وهي من العربية أكيد وفي العام 830 اطلق العرب هذا الإسم على علم الجبر لأول مرة وبالأخص في بغداد حيث أسس الخوارزمي علم الجبر في العصور الوسطى تقريبا في القرن التاسع الميلادي.
وتابع: والأعمال العديدة للخوارزمي كانت نتيجة تجميع وتطوير المعلومات التي كانت موجودة مسبقا عند علماء الإغريق وعلم الحساب في الهند.
وبعد ان تحدث عن بعض الإصطلاحات في هذا المجال قال الدكتور الشيخ: يحق لنا وبكل فخر أن نطلق على الدكتور الراحل نقولا فارس بأنه “خوارزمي القرن الواحد والعشرين”.
عيسى
ثم تحدث الأستاذ علي عيسى ممثلا عن جمعية تاريخ العلوم العربية فأشار إلى مشاريع فريق الدراسة والبحث في التراث العلمي العربي لاسيما لجهة إفتتاح مكتبة البحث في تاريخ العلوم وتنظيم ندوات علمية وإنشاء المجلة الإلكترونية وترجمة وتأليف العديد من الكتب ومنها موسوعات وكتب في الجبر والهندسة وعلم المناظر إضافة إلى كتاب أعمال “الكندي” العملية والرياضيات “الخيام”.
وقال: لقد شارك نقولا فارس في ترجمة L’ Encyclopédie de l’ histoire des Sciences Arabes التي تضمنت 3 أجزاء، الأول: علم الفلك النظري والتطبيقي، الثاني: الرياضيات والعلوم الفيزيائية، الثالث: التقانة الكيمياء علوم الحياة. إلى جانب مؤلفات عديدة ومقالات علمية، وقراءات في عدد من أعمال رشدي راشد حول بعض مظاهر عالمية العلم العربية كمكون أساسي من مكونات العلم العالمي، وله مقال ضمن كتاب “تاريخ العلوم العربية – التفاعل العلمي بين الثقافات، اللجنة الوطنية اللبنانية للتربية والعلوم والثقافة (اليونيسكو).
الرافعي
ثم ألقى كلمة كلية العلوم مديرها السابق الدكتور أحمد الرافعي، فقال: منذ صغره لفت ذكاء نقولا إعجاب المفتش التربوي ومدير مدرسة حلبا الرسمية وهو لم يزل في الصف الثاني الإبتدائي فقرروا ترفيعه إلى الصف الأعلى وإحتاج بغية قبوله في الشهادة الرسمية إلى موافقة المسؤولين في وزارة التربية بسبب صغر سنه، ليسجّل لاحقا في ثانوية الحدادين بإدارة المربي حسن الحجة.
ثم تناول إنجازاته وأعماله بعد حصوله على شهادة الدكتوراه من فرنسا ومن ثم عودته إلى لبنان ليلتحق بالعمل في كلية العلوم في بيروت.
وقال:شارك الدكتور نقولا مع زملائه في إنشاء رابطة للأساتذة تحت قيادة الدكاترة جيلبير عاقل، نزار الزين، صادر يونس، وتُوّج هذا العمل بتأسيس رابطة الأساتذة المتفرغين في الجامعة اللبنانية عام 1975.
وتابع: كنت من بين العديد من الطلاب المسجلين في السنة الأولى رياضيات وتعرفنا حينها على دكتور نقولا أستاذ مادة الجبر المميز بطباعه والممتلىء نشاطا وحيوية، وكنا كلما تعرفنا عليه إكتشفنا فيه الإنسان اللطيف المحب المندفع الملتزم بالدفاع عن حقوق العامة والمنفتح عن الجميع.
منجد
وتحدث رئيس المجلس الثقافي للبنان الشمالي صفوح منجّد فقال: عندما عُرض علي المشاركة والتحدث بمناسبة صدور كتاب الدكتور الراحل نقولا فارس “تحت عنوان فصل من دراسة القطوع المخروطية وتطبيقاتها، لم أتردد بإعتبار أني كنت صاحب فكرة إصدار هذا الكتاب يوم تحدثت بشأنه مع الراحل الأستاذ حبيب فارس شقيق الدكتور الراحل الحاج نقولا وأطلعته على إمكانية إصدار هذا المؤَلف العلمي من قِبل مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية.
ثم إنتقل للحديث عن محطات مضيئة في سيرة الراحل ودوره العلمي والجامعي وإنخراطه في الشأن العام الذي لم يفصله في أي يوم عن طبيعة عمله وسلوكه وتعاطيه مع القضايا الوطنية والتربوية والتعليمية.
وتابع: يحضرني في هذا المقام ذلك الدور الذي قام به الراحل الكبير الحاج نقولا عندما أثيرت قضية تفريع الجامعة اللبنانية بُعيد حرب السنتين ومنها كلية العلوم بشكل خاص وعن تصدي الراحل لما وُصِف آنذاك بأنه جريمة يجري الإعداد لها لتقسيم وإضعاف الجامعة اللبنانية الأم ولاسيما الكليات التطبيقية.
غريب
وتحدث الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني حنا غريب فتساءل أين كنا ؟ وأين اصبحنا؟ ويخيّل لي أن الرفيق نقولا يقدم لنا حياته جوابا على هذا السؤال مذ كان طفلا وتلميذا طالبا أستاذا باحثا عالما ومناضلا شيوعيا جريئا مخلصا شجاعا متواضعا وكريما، يقول لنا في هذه الندوة خذوا… تلك هي قصتي من ألفها الى يائها، هي كل ما لدي وقد رحلت خلافا لأرادتي.
وتابع: فلطالما كنت أحبكم، انا ابن عائلة فقيرة من بلدة الشيخ محمد العكارية، قاسيت بؤس الطفولة والحرمان، دخلت المدرسة وانا في السادسة من عمري في مرحلة يسمونها مرحلة ” الزرابة “. لم يكن يحق لي، لا بدفتر ولا بكتاب ولا بريشة. لم يكن مسموحا للأطفال دخول المدرسة قبل سن السابعة. تابعت دراستي بنشاط ورغبة لا يتناسبان مع عمري.
وتابع على لسان المحتفى به: انتقلت الى بيروت عام 1961 دخلت معهد المعلمين العالي والتخصص في فرع الرياضيات في الجامعة اللبنانية ونلت منحة دراسية قدرها 125 ليرة . وفرت مرحلة الشهابية لي ولآلاف الطلاب فرص الترقي الاجتماعي فكان التعليم بابا من أبوابها. كنت واحدا من الذين شاركوا في نهوض الحركة النقابية والشعبية واليسار عموما والحزب الشيوعي .لذين فرضوا بنضالاتهم تعزيز التعليم الرسمي وبناء الجامعة اللبنانية.
ثم تناول غريب مرحلة نضالات الدكتور فارس في صفوف الحزب الشيوعي بعد حصوله على إجازة جامعة في مادة الرياضيات عام 1964. و درّس كأستاذ ثانوي متعاقد في ثانوية حلبا الرسمية. لينتقل بعدها إلى فرنسا وحصوله على منحة تخصص جامعية.
ونقل غريب ما جاء في كتاب شقيقه المرحوم حبيب فارس بعنوان” آخر العنقود” وبلسان الدكتور نقولا: انني بطحت الاستعمار في عقر داره فكنت الأول في المرحلة التحضيرية للدكتوراه من بين 50 طالبا فرنسيا وبدرجة امتياز.وفي فرنسا حملت قضية التضامن مع القضية الفلسطينية والقضايا العربية وفي حرب ال67 كنت ناشطا في الهيئات الطلابية لادانة إسرائيل واعتقلني البوليس الفرنسي مع رفيقي إبراهيم الحاج ونحن نقوم بلصق الاعلانات وتوزيع المناشير وشاركنا معا حينها في الثورة الطلابية في فرنسا عام 1968 وتعرضنا للاعتقال يومها.وفي صيف عام 1968 عدت الى لبنان لألتحق بكلية العلوم في الجامعة اللبنانية أستاذا جامعيا…
برهون
ثم تحدثت السيدة وفاء برهون فارس زوجة شقيق المرحوم الحاج نقولا بسبب وجود عائلة الفقيد في الخارج وعدم تمكنها من الحضور فتناولت إرتباط حياة نقولا منذ ولادته بحياة شقيقه حبيب الذي يكبره بخمس سنوات، ولطالما كان الأخير يردد “إذا نقولا بموت أنا بحب موت معو كمان”، وهذا ما حصل.
وقالت: في العام 2009 بدأ نقولا يعرف نضالا جديدا ضد المرض الفتاك الذي لم يمنعه من متابعة مسيرته الكتابية والعلمية حتى الرمق الأخير وبتاريخ 15 تشرين الأول 2019 أسلم الروح، والذي يعرف حبيب ونقولا والعلاقة التي تربطهما يوقن بأن جزءا من حبيب قد إنتقل مع نقولا إلى العالم الآخر وجزءا من نقولا بقي حيا مع حبيب، وقد توّج حبيب إنتاجه الأدبي والتاريخي بكتابه “آخر العنقود” حيث جسد مراحل حياة شقيقه وإختار له هذا العنوان لإحساسه بأنه آخر كتاب سيؤلفه محققا بذلك وصية أخيه.
ثم شكرت الحضور وقالت: عسانا نجتمع لنكرّم الرجال الشرفاء أدباء مفكرين وعلماء في هذا الوطن الحبيب، وأتمنى أن تظل دور النشر بهمتها المعهودة كما “مؤسسة شاعر الفيحاء سابا زريق الثقافية” التي نشكرها كل الشكر، لتنشر وتوزع الأعمال الأدبية والعالمية برغم الظروف العصيبة التي يمر بها الوطن.