غسان ريفي – سفير الشمال
دعوةٌ رئاسية علنية وجهها الرئيس ميشال عون الى الرئيس المكلف سعد الحريري للتباحث في أمر تشكيل الحكومة، فلبى الأخير الدعوة، وأمضى ساعة من الزمن في لقاء أعقبه تصريح له بكلمات مقتضبة، أدى الى هبوط سعر صرف الدولار الأميركي نحو أربعة آلاف ليرة لبنانية.. فماذا حصل؟..
هل خطورة الوضع في لبنان إستدعت حصول اللقاء بين عون والحريري؟، وهل أيقن كلاهما أن عدم تأليف الحكومة سيؤدي الى كارثة إجتماعية، إقتصادية، سياسية وأمنية لا يستطيع أي كان تحمل تداعياتها أو مسؤوليتها؟، وهل خشي الرجلان مما سمعاه من مسؤول أمني كبير بأن المحتجين قد يصلون الى منازل الرؤساء والقيادات السياسية في ظل تحركات تصاعدية بدأ الحديث عن إمكانية إنتقالها الى طريق قصر بعبدا؟، أم أن أجواء حزب الله التي عكسها السيد حسن نصرالله في كلمته أمس وتأكيده بأن هناك محاولات جدية لدفع البلد نحو حرب أهلية تحت شعار الفقر والجوع وأن جهات خارجية وداخلية تعمل عليها فرضت حالة طوارئ في الملف الحكومي؟.
في حال كانت المقاربة في هذا الاتجاه، فمن المفترض أن يكون اللبنانيون أمام حكومة في القريب العاجل لأن أحدا لا يريد أن يتحمل مسؤولية إنهيار البلد، خصوصا أن المواطنين سواء الذين يستوطنون الشارع أو أولئك الذين يلتزمون منازلهم ويستعدون لاجتياح الساحات مع وصول الأزمة الى نقطة اللاعودة يحمّلون المسؤولية الكاملة الى من يعرقل ولادة الحكومة، هذه العرقلة التي يتقاذفها الرئيسان وفريقاهما.
ربما من عجائب السياسة اللبنانية، أن ينتج الخطاب الصدامي لرئيس الجمهورية والرد عالي السقف للرئيس المكلف، وإرتفاع منسوب التحدي السياسي بينهما هذه الايجابية، ما يؤكد أن الساعات الأخيرة شهدت إتصالات من مختلف الاتجاهات ساهمت في تحديد الموعد وإنعقاد اللقاء والبحث في مضمون الحكومة وشكلها، ومن ثم التحدث بلغة عقلانية ودفع كرة الأزمة الحكومية لأربعة أيام مقبلة.
في هذا الاطار، تدعو مصادر سياسية مواكبة الى عدم الافراط في التفاؤل، وتشير الى أن كل ما حصل هو مجرد رفع عتب، وتخفيف من حدة الاحتقان وتخفيض من سقف التصعيد، وبالتالي فإن يوم الاثنين المقبل قد لا ينتج شيئا وربما نذهب من تأجيل الى تأجيل، بانتظار الانعطافة التي ستشهدها المنطقة في ظل الحيوية التفاوضية التي من المفترض أن تنتج تسوية يكون من أبرز بنودها وقف آلة الحرب اليمن وقبول السعودية بعودة سوريا الى جامعة الدول العربية وإعادة فتح سفارتها مع بعض دول الخليج في دمشق، والمساعدة على عودة النازحين، على أن يؤدي ذلك الى إنضاج الحل في لبنان، وهذه الملفات بحثها وفد حزب الله في موسكو مع وزير الخارجية سيرغي لافروف ومساعدة ميخائيل بوغدانوف، حيث كان تأكيد بأن روسيا لا تضغط على أي طرف لبناني لتسهيل ولادة الحكومة، لكنها ملتزمة بما قرره مجلس النواب بتكليف سعد الحريري لرئاستها مع التأكيد بأن تأليفها يساعد على حل الأزمات التي تتنامى يوما بعد يوم.
أمام هذا الواقع يبدو أن ثمة قرارا دوليا يقضي بعدم دفع لبنان الى الانهيار الكامل، وبأن يصار الى عملية “ترقيع” مؤقتة الى حين بدء عملية الانقاذ مع تشكيل حكومة يتم من خلالها ضبط سعر صرف الدولار عبر تدخل صندوق النقد الدولي الذي كان لافتا تأكيد الحريري بعد لقائه عون على التعاون معه لمواجهة الأزمة المالية، حيث تكشف مصادر أن القرض البالغ 268 مليون دولار سيتم صرفه وفق سعر السوق الموازية أو يتم إعطاءه بالدولار للعائلات المحتاجة ما يساعد نوعا ما على إراحة الأسواق المالية، يضاف الى ذلك الاجتماع الذي عقده حاكم مصرف لبنان رياض سلامة مع وزير المال غازي وزني ومن ثم إجتماع مجلس الحاكمية، حيث أكد سلامة العائد بمعنويات عالية من فرنسا وبتكليف ودعم دوليين قيامه بالمعالجات المطلوبة والتدخل في السوق لمواجهة إرتفاع سعر صرف الدولار.
في غضون ذلك، رفع السيد نصرالله في كلمته ليل أمس البطاقة الصفراء في أكثر من إتجاه، ورسم خارطة طريق باتجاهين، الأول قرأه البعض بأن السيّد رفع السقف السياسي عاليا وصولا الى التهديد المبطن في خطوة تهدف الى الضغط على الرئيسين عون والحريري للتوافق على تشكيل حكومة إختصاصيين أو حكومة سياسية أو تكنوسياسية، حيث حذر نصرالله من إمكانية عدم صمود حكومة الاختصاصيين ونصح الحريري بأن لا يحمل كرة النار بمفرده وأن يتجه الى حكومة تكنوسياسية لأن الوضع لم يعد يحتمل في ظل المخاطر التي تحيط بالبلاد من كل حدب وصوب، وبالتالي فإن نصرالله طرح أيضا إمكانية إعادة تعويم حكومة تصريف الأعمال في حال فشلت كل هذه المساعي.
والاتجاه الثاني قرأه البعض الآخر بأن كلام نصرالله ترجم إنسداد الأفق السياسي الذي قد يدفع حزب الله الى إتخاذ خطوات وصفها نصرالله بأنها قد تكون من خارج إطار الدولة، ما يعني أن البلاد بعد لقاء الاثنين إما أن تتجه نحو الانفراج أو نحو الانفجار الكبير الذي سيكون له تداعيات كارثية على الجميع.
لكن الكلام الحاسم للسيد نصرالله كان بثلاث رسائل، الأولى الى حاكم مصرف لبنان بضرورة أن “يتحمل مسؤوليته في ضبط الوضع المالي”، والثانية الى من أسماهم قطاع الطرق بأن يتوقفوا عن هذا السلوك لأن الأمر لم يعد يُحتمل، والثالثة الى الجيش والقوى الأمنية بتحمل مسؤوليتهم في فتح الطرقات، مع الاشارة الى ضغوط تمارسها سفارات على الجيش!..