قد لا يعرف جمهور الدراما أنَّ الممثلين ينتظرون موعد عرض الحلقة الأولى من مسلسل شاركوا فيه بشغف يفوق شغفه أحياناً، ليطلعوا على الصورة النهائيَّة التي خرج فيها العمل بعد المونتاج وإضافة الموسيقى التصويريَّة، فتأخذ مَشاهدهم مكانها إلى جانب بقيَّة المَشاهد وتكتمل الحكاية التي خطها الكاتب واستلزم تقديمها بصرياً جهوداً كبيرة منهم استمرّت على مدار أشهر. بهذا المعنى تكون الحسرة كبيرة حين تشهد الفترة القصيرة الفاصلة بين انتهاء التصوير وبدء العرض ارتحالَ فنانٍ في عزّ عطائه، ما يحول دون مشاهدته أعظم أدواره على الإطلاق.
«كيف شايفلي أبو تيسير؟» سأل الفنان الراحل شادي زيدان (1974 – 2023) المخرج تامر إسحاق المنهمك في أعمال المونتاج لمسلسله «زقاق الجن» (كتابة محمد العاص، وإنتاج MB Production)، «السنة سنتك» أجابه الأخير. لم يبالغ إسحاق، فكل من شاهد «زقاق الجن» جزم أنَّ شخصية «أبو تيسير» هي أعظم ما قدّمه زيدان في مسيرته الحافلة، وكثيرون رأوا أنَّ الموسم كان يمكن أن يكون موسمه و«السنة سنته» ولو لم يطبعهما برحيله المفاجئ.
المسلسل الذي كتبه محمد العاص تربوي بامتياز وحافل بالرسائل (ولا ينتقص هذا من كونه بوليسياً ممتعاً ومتخماً بالتشويق)، وشخصيَّة «نذير» أو «أبو تيسير» التي يؤدّيها شادي مكتوبة ليرفض المشاهد من خلالها النموذج الذي تقدّمه بما فيه من ضعف وعجز واستسلام، ولكن المشاهد أحبّ «أبو تيسير» وتعاطف مع ضعفه خلافاً لإرادة الكاتب ربّما، لا لأنَّ شادي قصَّر في إعطاء الشخصيَّة حقها أدائياً، بل لأنَّه وضع فيها شيئاً من روحه الجميلة.
هكذا نتابع «أبو تيسير» مواكباً مأساة عائلته بالصمت والدموع والمناشدات الخجولة، عاجزاً عن إنقاذ أفرادها من ظلم الأب القاسي «أبو نذير» (أيمن زيدان): فشقيقه «أنور» (وائل زيدان) مطرود من «جنة» العائلة الميسورة ومحكوم عليه بالعوز والجوع مع زوجته وبناته الثلاث لاختياره أن يكون «مشخصاتيّاً»، وهو ممنوعٌ من مدّ يد العون له تنفيذاً لقسم على «القرآن الكريم» أدّاه مجبراً أمام والده المتسلط، وابنه «تيسير» (رامي أحمر) محكوم عليه بسلوك طريق جدّه في البطش والقسوة ليكون الحفيد الأكبر وريثاً لأبي نذير بعد عجز الابن الأكبر عن القيام بذلك، والابن الآخر «مجدي» (سليمان رزق) يعاني من التبوّل اللاإرادي في فراشه يومياً متأثراً بـ«غرفة الفئران» التي احتجزه فيها «أبو نذير» في طفولته، والابنة «ملَك» (دوجانا عيسى) هائمة على وجهها هرباً من شقيقَيها «تيسير» و«مأمون» (علاء زهر الدين) اللذين يريدان قتلها بأمر من أبي نذير محواً للعار فقط لأنَّ حبيبها وابن عمتها «عربي» (وليد حصوة) حاول الوصول إليها عبر الحفر في حائط غرفتها بعدما بارك كبير العائلة «أبو نذير» زواجهما المفترض ثمَّ عدل عن رأيه لخلاف شخصيّ مع والد «عربي»، والزوجة «خولة» (شكران مرتجى) تحاول جاهدةً الوقوف في وجه الأب القاسي وحماية أولادها، فلا تحصد سوى الإهانات والتهديد. كل هذا و«نذير» يكظم غيظه، معتقداً أنَّه ينفذ تعاليم الدين الذي يشدّد على طاعة الأب وتوقيره واحترام رغبته وعدم الخروج عن مشورته. يتقمَّص شادي «نذير» باحتراف بالغ ويتفاعل مع حالة القهر التي تعيشها الشخصيَّة بحساسيَّة عالية تذيب الحواجز بين شادي ونذير، وتجعل المشاهد خائفاً على نذير من جلطة يعرف مسبقاً أنَّها أصابت شادي.
أحبّ المشاهد «أبو تيسير» وتعاطف مع ضعفه خلافاً لإرادة الكاتب ربما
المخرج تامر إسحاق رأى في حديث مع «الأخبار» أنَّ شادي هو غصَّة العمل والعاملين فيه، مؤكداً أنَّه لا يزال في حالة من عدم التصديق لغيابه المفاجئ، وأنَّ حزنه عليه تجدَّد مع مشاهدة المسلسل ومتابعة أدائه الاستثنائي في شخصيَّة «أبو تيسير».
الممثلة روبين عيسى التي تؤدّي دور «نورية» ابنة «أبو نذير» رأت بدورها في حديث مع «الأخبار» أنَّ شادي خسارة كبيرة لكل محبّيه وعارفيه، وأنَّه كان أحد أعمدة «زقاق الجنّ» ومن أهمّ أسباب نجاحه بأدائه الاستثنائي لشخصيَّة «أبو تيسير». وكانت بادرة لطيفة قد لفتت الأنظار قامت بها شركة MB المنتجة للعمل (ماهر وجود البرغلي) تمثلت في استهلال الحلقة الأولى بصورة الفنان الراحل مذيلةً بعبارة «هذا العمل إهداء إلى روح الفنان الحاضر الغائب شادي زيدان – أسرة مسلسل «زقاق الجن»» وهو ما كان محط شكر وتقدير من شقيقه الفنان أيمن زيدان في منشور له على فايسبوك، حيث رأى فيها بادرة «نبل ووفاء».
يُذكَر أنَّ المسلسل يضمّ على قائمة أبطاله كلاً من: إمارات رزق، صفاء سلطان، سعد مينه، أمانة والي، عبد المنعم عمايري، نجاح سفكوني، جيانا عيد، مديحة كنيفاتي، أيمن بهنسي، أمية ملص، حسن خليل، زينة بارافي، لوريس قزق، إليانا سعد، فادي الشامي، همام رضا، إيمان عبد العزيز، حسام الشاه، رشا رستم، باسل حيدر، حسين عباس، محمد قنوع، فاتح سلمان، رامز عطالله، غسان عزب، عادل علي، أسامة السيد يوسف، صفوح ميماس، علاء قاسم، أحمد رافع، أحمد خليفة، ليث مفتي، أوجا أبو الذهب، رغداء هاشم، وآخرين.