كتب غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
ليست المرة الأولى التي يخرج فيها رئيس «التيار الوطني الحر» جبران باسيل بخطاب مكاشفة ومصارحة لا ينجو منه الحليف أو الخصم. لكأنّه اعتاد أن يصوّب باتجاه الجميع فيخرج بخطاب يتماهى مع الشعور بالغبن اللاحق بالمسيحيين في ما يتعلق بانتخاب رئيس للجمهورية. بكلامه تقصّد باسيل التوجّه إلى الجمهور المسيحي أولاً والزعماء المسيحيين ثم إلى جمهور «التيار» مطمئناً الى أنّ البوصلة نحو المستقبل واضحة.
منذ فترة يتردد في أوساط مسيحية لا تنضوي تحت لواء «التيار الحر» الحديث عن استياء من «حزب الله» الذي يحاول فرض رئيس للجمهورية بمعزل عن رأي المسيحيين. في ذهنهم أن «حزب الله» لم يعد يولي التفاهم مع «التيار» فائق أهمية، وكأنّه أخذ ما يريده من هذا التفاهم، فلا ضير من البقاء فيه ولكن بشروطنا وإذا أراد «التيار» الخروج عليه فلم يعد الأمر بالغ الأهمية بالنسبة له، وكأنّ «حزب الله» يكتفي مجدداً بعلاقته مع السنة ويريد انتخاب سليمان فرنجية أياً تكن النتائج. تتحدث أوساط مسيحية عن توسع رقعة الناصحين بتفاهم الفريقين المسيحيين الأساسيين. كان ينقص المسيحيين التلويح بانتخاب فرنجية بغالبية 65 صوتاً ليرتفع منسوب القلق. هذا ما نبّه منه رئيس الإشتراكي وليد جنبلاط «حزب الله» وحذره «من رمي باسيل في أحضان جعجع». التساؤل الأساسي للأوساط عينها هو هل في نيّة «حزب الله» التمسك بترشيح فرنجية في مواجهة مكونين مسيحيين أساسيين، وإلى أي مدى بات «حزب الله» على استعداد للمغامرة بعلاقته مع «التيار الوطني الحر» أو أن يتحول نحو فتح الحوار معه على مرشح آخر؟ وتنبه من العودة مجدداً إلى مرحلة إنتخاب الرئيس الياس الهرواي ووجود المسيحيين على هامش الحياة السياسية لتقول إن الزمن الماضي يجب أن لا يتكرر.
بهذا المنطق تحدث باسيل بالأمس، في كلمة مسهبة قارب من خلالها كل عناوين الساعة تحت هاشتاغ «لوحدنا» مرفقة مع شعار «التيار». أبرز ما قاله تمحور حول علاقته مع «حزب الله»، خاطبه كحليف ونبّه من وجود كثر ينتظرون نهاية التفاهم. لم يكن خطابه فك تحالف بل أعطى فرصة جديدة للتفاهم على قاعدة إحترام الشراكة والمقصود منها عملية إختيار الرئيس، والإلتزام بالإصلاح «الشراكة سلاحنا وما منتخلّى عنها». التفاهم هو لخدمة الشراكة «وهيك بتكون الشراكة ضمانة التفاهم، بس ما بتكون ضحيّة للحفاظ عليه» مبدياً الإستعداد لعقد «تفاهم جديد مع «حزب الله» ومع أي مكوّن سياسي حول بناء الدولة بالشراكة شرط تنفيذه. فهل يعني ذلك نهاية التفاهم القديم خاصة مع تلويحه «نحنا ضحّينا عن قناعة لنحافظ على التفاهم. ولمّا الحكي بالغرف المغلقة ما بيوصّل لنتيجة منضطر نحكي للإعلام من حرصنا عليه، ولأن جمهورنا حقّه علينا أن يعرف»، ليكمل متوجهاً لحليفه المتمسك بمرشح يحمي ظهر المقاومة… «للأسف، يبدو ما اقتنعت معنا المقاومة انّو يلّي بيحميها من الغدر هو التفاف كل الناس حولها مش بس بيئتها، هو المشروع مش بس الشخص، هو الدولة مش بس رئيسها».
في الموضوع المسيحي دعا كل القوى المسيحية إلى الإتفاق على مرشح وتحمل المسؤولية وقطع الطريق على محاولة فرض اسم المرشح، مقدماً مواصفات الرئيس المقبل والتي لا تنطبق حكماً على سليمان فرنجية أو قائد الجيش العماد جوزف عون. صوب على ترشيح فرنجية بينما قطع الطريق نهائياً على العماد عون واتهمه بمصادرة صلاحيات وزير الدفاع وصولاً إلى الحديث بقضايا مالية وشبهات داخل المؤسسة العسكرية.
أعلن الإستعداد لاحقاً لدرس «الموافقة على أي مرشّح بيوصل شرط، انّو قبل انتخابه، الكتل المؤيّدة له تنفّذ مطالب اصلاحية ما بتتعلّق بالتيار ولا بمحاصصة، بل فيها خير لكل اللبنانيين، وأبرزها قانون اللامركزية وقانون استعادة الأموال المحوّلة وغيرها»، وإلا «رح فكّر جدياً بالترشّح لرئاسة الجمهورية بغض النظر عن الخسارة والربح» وفي حال «رُفضت كل مساعينا وتأكّدت نوايا الإقصاء، منروح على الممانعة السياسية الشرسة ضد كل المنظومة والنظام».
بدا واضحاً من كل الخطاب أن المقصود الأول هو «حزب الله» في محاولة لوضع النقاط على الحروف في العلاقة من دون أن ينسى تذكيره بتغليب علاقته مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي على غيرها، وإطلاق يده لعقد جلسات للحكومة بينما هو لم يتوقف عن محاولات كسر باسيل وضمن هذا الإطار يندرج التوقيع مع الشركة القطرية للتنقيب عن النفط في السراي الحكومي علماً أن الحفل كان يجب أن يتم في وزارة الطاقة.
وجّه باسيل الدعوة للتلاقي، من دون أن يفوته التذكير بمسؤولية بكركي في جمع الكلمة ليؤكد أنّه «ضرب جنون، وطني وسياسي، التفكير بانتخاب رئيس جمهورية من دون المسيحيين» قاصداً الثنائي الشيعي على وجه التحديد. في تفسيرها تعتبر مصادر «التيار» أنّ ما قاله باسيل رسالة موجهة إلى «حزب الله» ليعيد حساباته في العلاقة مع «التيار» إن من ناحية التفاهم أو التمسك بمرشح يعاكس رغبة المسيحيين، وللمسيحيين ومن بينهم «القوات اللبنانية» للإتفاق في استحقاق مسيحي قبل أي إعتبار آخر.