شعار ناشطون

فقدنا لغتنا يوم ألغينا من مناهجنا تعليم الخط العربي  – أحد أبرز خطّاطي طرابلس أحمد الذهب:هذا الجيل يحتاج لمن يطلعه على أمجاد أمته وسمو حضارتها

10/01/23 10:23 am

<span dir="ltr">10/01/23 10:23 am</span>

بقلم ليلى دندشي

مايزال الطرابلسيون واللبنانيون عامة سواء تتلمذوا في المدارس الرسمية أو الخاصة، حتى أواخر خمسينات القرن المنصرم يستذكرون تلك الحصص التي كانوا يمضونها في تعلّم كيفية كتابة الخط العربي وكذلك الخط الأجنبي، وأنّ العلامة التي كانوا يحصلون عليها هي “أساسية” كأيّ مادة أخرى في المناهج التعليمية آنذاك.
وبالرغم من أنّ معلم اللغة سواء العربية أو الأجنبية لم يكن “ضليعا” بما فيه الكفاية ومعظم هؤلاء المدرسين كانوا يعتبرون تلك الحصص مجرّد “تعبئة” لساعات الفراغ غير أنّ العديد من التلامذة قد “تفتقت” براعتهم بمجهود شخصي وإشتهروا بحسن الكتابة بإحدى اللغتين وربما بكليهما معا.
وهؤلاء المعمّرون يتذكرون ايضا تلك المطبوعات الخاصة التي كانت ترشدهم إلى حسن الكتابة وهي عبارة عن دفاتر تحمل كل صفحة في أعلاها نموذجا عن جملة أو بيت شعر كُتب وفق نوع معين من الخطوط وعلى الطلاب تقليده بأن يخطوا مثيلا له ويتم تحديد “العلامة” وفق إلتزام الطالب بالنموذج الأصلي.
وهذه الذكريات ترتبط أيضا بتلك المقاعد الدراسية الخشبية التي كان مقعد كل منها يتسع لثلاثة تلاميذ، كما يمتاز كل مقعد ب لوح خشبي أيضا يمتد أمام الطلاب ليتمكنوا من وضع الكتب او الدفاتر الخاصة بكل حصة دراسية، والذي لا يمكن نسيانه في شكل هذا المقعد وأقسامه أن اللوح الخشبي الممتد أمامهم عند جلوسهم يحتوي على ثلاثة ثقوب مخصصة للطلاب بحيث يضع الطالب في الثقب المتواجد امامه محبرة يستخدمها في ساعة الخط ويضاف إليها “الريشة” الخاصة وكان هناك ريشتان واحدة للخط العربي والثاني للخط الأجنبي والفرق بينهما أن الريشة الأولى هي أعرض قليلا عند الرأس الذي يلامس الورقة عند الكتابة.

طبعا تعليم مادة الخط سواء العربي أو الأجنبي قد زال من المناهج ومن الوجود وخسر التلامذة حصة جميلة ومفيدة لتعليم كيفية الكتابة الصحيحة حيث بات خط التلامذة في كافة اللغات أشبه بما نصفه ب “الخط الكرشوني” للدلالة على صعوبة قراءته.
ولا بد من الإشارة في هذا المقام إلى تلك “الإنتفاضة” الطرابلسية التي شهدتها المدينة في أعقاب العدوان الثلاثي البريطاني، الفرنسي، الإسرائيلي، على قناة السويس في مصر العام 1956 حيث عمد المتظاهرون يوم ذاك إلى تحطيم الواجهات و “الأرمات” التي تعلو المتاجر والمؤسسات وتستخدم فيها الحروف الأجنبية بدلا من العربية في موقف غير مسبوق في المدن اللبنانية والبلدان العربية الأخرى.
ويُذكر أنّ بعض الخطاطين المحليين برعوا وإشتهروا في كتابة الأرمات العربية ومنهم  محمد العبد إلى جانب  الخطاطين الكبار: مثل برهان كبارة وأديب نشابة وأحمد الذهب وهذا الأخير هو موضوع هذا البحث.
فأحمد الذهب هو من أهالي طرابلس وولد في العام 1933 وعشق الخط العربي منذ طفولته وكان له أخ شاب يدعى مصطفى أحسّ بموهبة الخط المُبكرة عند أخيه الطفل فكان يشتري له الدفاتر والأقلام (ليخربش) عليها مقلدا كل ما يقع بين يديه من خطوط وتنامت موهبته مع مرور الأيام فإستطاع أن يشق طريقه بما إشتهر عنه من إتقان في عمله وفاز بالمرتبة الأولى بمسابقة لتعيين خطاط لشركة نفط العراق ، كما رحل إلى السعودية وعمل في عدد من المطابع الكبرى وأقسام الصحافة وفي الشركات الإعلانية ليعود إلى طرابلس ويؤسس مكتبا، وإختصّ إلى جانب الخط بتصميم الشعارات وفن الإعلان والكتابة بالذهب والزخرفة.
وألّف أحمد الذهب كتاب “الخط العربي أرقى الفنون وأنبلها” ووضع سلسلتين لتعليم وتحسين الخط لطلاب المدارس، وتعمّق في تعلّم اللغة العربية وآدابها وفن الشعر العربي وله ديوانان مطبوعان: “ترانيم شفّة” و “ن”.
وصدر للخطاط أحمد الذهب كتاب حمل عنوان “كيف تصبح خطاطا” قدّم له الدكتور خضر خضر أستاذ في كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية – الجامعة اللبنانية الفرع الثالث بطرابلس، ويقول الدكتور خضر في مؤلفه: في كل عمل فني هناك مسألتان لا بد منهما لتحقيق هذا العمل: الفكرة التي تمثل الجوهر والصورة التي تجسده وهاتان المسألتان تتحدان بشكل لا يمكن فصل إحداهما عن الأخرى، ومن هنا فإن الإتحاد بين العنصر المحسوس والعنصر الروحي يبقى الصفة الجوهرية والأولى للفن، أما الصفة الثانية فهي أن الحقيقة فيه لا تكون ثابتة بشكل مطلق ونهائي بل يُخضعها لعملية تحويلية من خلال شكل يبتدعه بإسلوبه الذاتي.
ويضيف ان للخط الجميل قيمة لغوية ومعنوية وهندسية وزخرفية وايضا إعلانية وصاحب المحل التجاري يهتم بكتابة لوحته الإعلانية بأجمل شكل وصورة والصحافة تصر على كتابة عناوينها بخطوط جميلة واضحة ولعلّ ما يقوم به الأستاذ أحمد الذهب يندرج في هذا السياق فهو يرفض رفضا قاطعا ان يبقى فن الخط العربي حكرا على قِلة من المحترفين، الذين يأبون شرح قواعده لأجيالنا الصاعدة، وهذه برأيه أنانية مفرطة، مضرّة بناشئتنا وبتراثنا الثقافي واللغوي ولذا أراد من خلال هذا الكتاب التأكيد على ضرورة التواصل والعطاء.
وقال: ما يميز عمله عن غيره من الخطاطين هو أنه يقوم بهذا الجهد الفني إنطلاقا من رؤيا الشاعر والأديب الذي هو عليه، فهو لا يرسم الكلمات بريشة جامدة وإنما يضمنها أحاسيسه المرهفة الصادقة. وبكل الصدق أقول أنني لا أجد من كلمات أثني بها على هذا الجهد الكبير سوى: سِر إلى الأمام أيها الفنان القدير (طرابلس في 1995).
أما كتابه الثاني بل مجلّده الذي حمل عنوان “أنغام الحروف” فيتضمن أكثر من 210 لوحات من روائع فن الخط العربي والإسلامي، وصدرت طبعته الأولى في 1-1-2008 في غمرة ما يعصف بالعالم من أخطار “العولمة” وجاء في مقدمة ذلك المجلد عبارات كأنه يكتب لهذا الزمن ولأبناء هذ الجيل الحاضر فتحت عنوان: عشت أيها الخط العربي.. عاش كل خطاط أصولي!.. يقول في هذا الزمن الأغبر المليىء بالأوبئة الإجتماعية الفتاكة.. ومن واقع العصر الذي هُدّمت فيه الجسور بيننا وبين الماضي المجيد فإنقطعت الصلة حتى ولو من باب الذكريات! ومن بعد ما سقط الكتاب من بين أيدينا، لم نعد نر قارئا جادا أو باحثا في أمهات كتب الفكر العربي ، ومؤلفات البطولة والحماسة ودواوين الشعر الأصيل.. فبات شبابنا لا يستميلهم إلآ قراءات ومطبوعات الفحش والخلاعة، كما بتنا نعتمد التاريخ التي تقذف بكتبه إلينا “مطابخ” الفكر الغربي الهدّام المليء بالسموم والأكاذيب والتذوير والاضاليل.
أضاف: من اجل كل ذلك نرى لزاما علينا أن نسعى جاهدين مخلصين، كل من موقعه وإختصاصه، وبكل ما أوتينا من عزم وقوّة، للحفاظ على أصالتنا ومقوماتنا، بان نفتح اذهان هذا الجيل على حقيقة أمجاد أمتهم وعظمتها وعلى سمو حضارتها وروائع تراثنا.

تابعنا عبر