MTV
شكّل الإنهيار المتسارع للّيرة اللبنانية الأسبوع الفائت صدمةً مع تخطّي قيمة الدولار الاميركي في السوق السوداء عتبة الـ١٠ الاف ليرة ملحقةً خسارة أكثر من 85% من قيمة العملة الوطنية. وان ظهرت تداعيات انهيار قيمة الليرة جلياً في تدهور القدرة الشرائية للبنانيين والمقيمين في لبنان وما يرافق ذلك من تنافس محموم واحياناً عنيف على ما يعرض من سلع وبضائع مدعومة في بعض المحلات، فإنّ الأسوأ لم يحدث بعد.
وإذا نظرنا الى مؤشر أسعار الإستهلاك الصادر عن إدارة الإحصاء المركزي، وهو مؤشر قياس التغيرات في اسعار مجموعة من السلع والخدمات التي تستهلكها الاسر في فترة زمنية معينة، نرى ان عدداً من السلع والخدمات لم يرتفع أسعارها بين تشرين الأول 2019 وتشرين الأول 2020 إلا بشكل محدود مقارنة مع سلع اخرى.
وهذه تشمل، وفقاً لدراسة أعدّها مرصد الأزمة في الجامعة الأميركية بإشراف الدكتور ناصر ياسين، كلّ ما يتعلق بالمسكن والمقسمة على أبواب الإيجار، القيمة التأجيرية، ماء، غاز، كهرباء ومحروقات، حيث ارتفعت بين خريف 2019 وخريف 2020 بما يقارب 13.4%، كذلك الصحة التي ارتفع الانفاق عليها 17.3% في الفترة المذكورة، والتعليم الذي ارتفع 10.3% مقارنة مع الإرتفاع الكبير في اسعار المواد الغذائية والمشروبات غير الروحية المقدر في الفترة المذكوره بحوالي 424%.
وهذا يعود الى ابقاء سعر الصرف الرسمي لبعض الخدمات كالإيجار والرسوم، بالاضافة الى دعم الاستيراد من قبل مصرف لبنان للمحروقات والدواء وغيرها من السلع الاساسية. وتقدر ابواب الانفاق الثلاثة (مسكن، صحة وتعليم) بحوالي 43% من موازنة العائلات.
فالمقاربة التبسيطيّة لتدنّي الرواتب في لبنان وفقاً لسعر الصرف الموازي مقارنة مع دول اخرى، وإن حصلت بغرض الاشارة الى الانهيار الحاصل والاضاءة اليه، لا يعكس بالضرورة تدهور القيمة الشرائية الفعلية، اقله حتى الآن.
فسلع اساسية كالمحروقات والدواء اصبحت اسعارها، حسب سعر الصرف الموازي، هي الادنى مقارنة مع الدول المجاورة. فعلى سبيل المثال كلفة ليتر واحد من البنزين في لبنان هي 0.16 دولار مقارنة بـ 0.27 دولار في سوريا و 0.54 دولار في كل من مصر والامارات العربية المتحدة و0.99 دولار في تركيا. اما علبة البنادول (500 مغم 24 حبة) فسعرها 0.35 دولار في لبنان مقارنة بـحوالي 2 دولار في مصر و2.72 دولار في الامارات العربية المتحدة. هذا مردهّ للدعم الحاصل من قبل مصرف لبنان حيث يغطي بين 90% و85% من قيمة مشتريات المحروقات والدواء.
ورغم الشوائب التي رافقت عمليّة دعم السلع الأساسيّة من خلال التصرف بأموال المودعين وتعميق الاحتكارات واستغلال هذه العمليّة من قبل الموردين لزيادة طائلة بمعدلات ارباحهم وابقائها في مصارف خارج لبنان وكذلك تعزيز لجميع أبواب التهريب الى الدول المجاورة والتي بلغت تكلفتها 5 مليار دولار وفق بيانات وزارة الاقتصاد والتجارة، لكنها استطاعت لجم الى حد ما تدهور كارثي بالقدرة الشرائية لجميع اللبنانيين والمقيمين في لبنان والذين يتقاضون رواتبهم واجورهم بالليرة اللبنانية.
نحن اليوم امام معضلة حقيقية والتي سببها الرئيسي غياب سياسة متكاملة لمواجهة الازمة الاقتصادية والمالية بالإضافة الى غياب تام لإرادة سياسية حقيقية لمواجهة هذه الازمة خارج التعاميم المتفرقة الصادرة عن المصرف المركزي. فنفاذ الاحتياطات بالعملة الأجنبية يجعل من استمرار سياسة تأمين دولارات للتجار والموردين بناء على السعر الرسمي امر مستحيل وفي نفس الوقت فإنّ رفع الدعم سيأخذ الامور في منحى خطير بسبب خطر تآكل كامل في القيمة الشرائية وتلاشيها لمعظم اللبنانيين والعاملين في لبنان الذين يتقاضون رواتبهم وأجورهم بالليرة اللبنانيّة مثل العاملين في القطاع العام والأجهزة الأمنية والعسكرية.
ما العمل إذاً؟
– لا بد من اعادة النظر في طريقة الدعم الحالية، فتمويل الفيول لشركة الكهرباء لا يمكن ان يستمر مع هذا النزف الحاصل، كذلك دعم البنزين والدواء بشكله الحالي.
-الاستمرار بدعم مادة القمح نظراً لأهميته بالنسبة الى الامن الغذائي.
-ترشيد دعم مادة المازوت مع من خلال الاستمرار بدعم هذه المادة ولكن من خلال اعتماد سعر للدولار يوازى سعر دولار منصة المصارف.
-تعزيز كفاءة القطاع الحكومي الرسمي في مجالي الصحة والتعليم وتطوير قدراته لاستيعاب اعداد كبيرة من اللبنانيين الذين سيلجؤون اليها، والعمل الدؤوب مع المؤسسات الدولية لزيادة دعمهم لهذين القطاعين.
-الدعوة بسرعة الى جلسة عامّة لمجلس النواب لإقرار القرض المقدّم من البنك الدولي من اجل للبدء بدعم مالي مباشر لحوالي ثلث اللبنانيّين لتغطية جزء من نفقاتهم الاساسيّة كي لا يسقطوا بالعوز الشديد.
-تجميد العمل او إلغاء قانون الوكالات الحصرية من قبل مجلس النواب من اجل وقف الاحتكارات وتعزيز المنافسة ممّا سيساعد بخفض الأسعار.