تودع الثقافة العربية الإسلامية أحد أبنائها وهو المؤرخ والمستعرب الفرنسي، أندريه ميكيل، الذي كرّس حياته لخدمة اللغة العربية وآدابها منذ أن قرأ الآيات القرآنية واكتشف فيها طاقة إيحائية ورمزية لا نظير لها.
منذ سنواته المبكرة تعلق ميكيل باللغة العربية ودرسها في كل من القاهرة ودمشق.
آخر تكريم له في العالم العربي كان من طرف جائزة الشيخ محمد بن راشد للغة العربية في دورتها الخامسة إذ اختارته الشخصية المتميزة التي خدمت اللغة العربية وآدابها بجهود بارزة ومؤثرة.
تميّز بتواصله مع الطلبة العرب الذين قدموا إلى باريس، طلبا للعلم والتنوير، كما يتذكر طلبة الدراسات العليا في اللغة العربية وآدابها قصة تعلقه وعشق لتراثنا الأدبي والفكري، فقد تخرج العديد منهم على يده، فكان شغوفًا بدراساتهم وأبحاثهم، ويجادلهم فيها ويتبادل معهم الأفكار.
اشتهر بتواضعه الكبير فكان كثير اللقاء بالعرب من المغرب والمشرق وخاصة في المقاهي المنتشرة حول جامعة السوربون.
رأى النور في جنوب فرنسا عام 1929 وأتم دراسته بمدرسة المعلمين العليا ودرس العربية على يد المستشرق الشهير بلاشير وعمل في دمشق وبيروت بالمعهد الفرنسي للدراسات العربية ثم عمل في إثيوبيا فترة عامين في أواسط الخمسينيات.
عمل في وزارة الخارجية كمستشار ثقافي لفرنسا في مصر عام 1961 وتولى تدريس الأدب العربي في الجامعات الفرنسية منذ سنة 1968.
شغل منصب مدير معهد لغات الهند والشرق وشمال إفريقيا وحضاراتها في جامعة باريس الثالثة قبل أن ينتخب أستاذا لكرسي الأدب العربي في الكوليج دي فرانس عام 1975.
اختير مديرا للمكتبة الوطنية في باريس.
أصدر مجموعة من الكتب المهمة أبرزها: “العالم والبلدان: دراسات في الجغرافية البشرية عند العرب” و” موسوعة جغرافية دار الإسلام البشرية” وكتاب المقدسي «أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم» ومختارات من الشعر العربي كما ترجم ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة لابن المقفع وأشعار قيس بن الملوح وبدر شاكر السياب إلى جانب عشرات الدراسات والمقالات حول الأدب العربي والإسلام في المجلات والدوريات الفرنسية.
اهتم بشكل خاص بمجنون ليلى، واعتبر قيس بن الملوح ظاهرة في أدب العشق، وترجم أشعاره وحلل شخصيته وقارنها بما يقابلها في الأدب الفرنسي، جاعلًا من هذا العمل قمة في العشق الروحاني الصوفي.
تبحّر المستعرب الراحل في اللغة العربية، وكرّس حياته وأبحاثه للغوص في أعماقها وصيد جواهرها، وخاصة في مجال ترجمة الشعر العربي إلى اللغة الفرنسية، وهو الأصعب، أي القصيدة العربية ذات القافية الواحدة والقصيدة الفرنسية.
قال إن العرب كانوا سادة العالم لمدة قرن ونصف، من القرن السابع حتى منتصف القرن الثامن.
اعتبر أن الحضارة الإسلامية ليست معروفة دائما للفرنسيين، ولا حتى للمسلمين، ومع ذلك، فإن معرفة التراث العربي لا يمنع المرء من أن يكون فرنسياً في حد ذاته.
هكذا قدم الراحل الكبير من خلال كتبه المتنوعة صورة شاملة عن الإسلام وعن إسهامه الحضاري وأثره في الحضارة الإنسانية، لإيمانه العميق بأن المسلمين مهما بلغت اختلافاتهم المذهبية، متحدون في الجوهر.