كتب هشام حمدان في “نداء الوطن”:
إستمعت بتاريخ 9 شباط 2021 إلى كلمة غبطة البطريرك، يدين فيها اغتيال رجل الكلمة والموقف الحر، الأستاذ لقمان سليم. وقد أتبع غبطته هذه الإدانة، برفع شعار كنا نثق أنه سيدفع به لا محالة، وهو العودة إلى الأمم المتحدة لحل الأزمة اللبنانيّة، بغية إخراجه من حالة السلاح المتفلت، والسلطة الفاسدة المتواطئة، الحامية له، على حساب كرامات الناس، واسم لبنان وصورته في العالم. لقد سعى غبطته طويلاً، وبطول أناة وصبر، أن يقنع أركان السلطة باستدراك ما فعلوه للبنان وشعبه، وإعادة السير بحكومة، تستجيب للحد الأدنى من مطالب الناس، لكنهم لم يفعلوا، بل كان الرد سلسلة من الإغتيالات كان آخرها إغتيال المفكر الحر الأستاذ لقمان سليم، وإقصاء رجال أحرار منهم القاضي صوّان.
القاضي صوّان والمفكر لقمان سليم ومن قبلهما، وكذلك من سيأتي بعدهما، هم ضحايا متكررة في ذمّة السياديين. فالقتلة والإقصائيون لم يجدوا من يواجههم في الداخل اللبناني. فمن جهة فالثورة غلبتها شخصنة المتحدثين عن عذابات الناس ومعاناتهم. توحدت عباراتهم اللاذعة ضد السلطة، وتشتت مطالبهم الإنقاذية، فلم يعرها الرأي العام والمجتمع الدولي أهميّة. ومن جهة أخرى، تضيع مطالب العدالة للضحايا تحت مطرقة الفساد المستتر بحماية حملة السلاح المتفلت ودويلة الميليشيات، وسندان تقصير حملة الراية السيادية، والإكتفاء بالخطابات الغاضبة التي لا تثلج قلوب القتلة فحسب بل تعلمهم الإستزادة.
لم يجرؤ أحد من رافعي الخطابات الغاضبة، قبل غبطة البطريرك، على دفع الحدث إلى المواقع الدوليّة للمطالبة بالعدالة. عندما حملوا قضية الشهيد رفيق الحريري إلى المحكمة الدوليّة الخاصة بلبنان، وأنهكوا خزينة لبنان، هلل العالم لهم فخاف القتلة، ولكن بدلاً من أن يذهب الإبن الساطع بنجوميّة والده، ليطالب مجلس الأمن باستكمال تحصيل العدالة من قتلة الشهيد، قال اكتفينا بمعرفة الحقيقة، فزاد من غضب الشارع ونقمته ويأسه من العالم. كأنه كان يتحدث عن دم والده، وليس دم رئيس حكومة لبنان الذي قتل من أجل قضيّة لا تخصه هو كابن الشهيد، بل تخص لبنان والعالم، لأنها قضيّة حريّة وسيادة لشعب بكامله. لبنان دفع الثمن من أجل العدالة، وابن الشهيد رآها مسألة عائلية. ضحك القتلة لأنهم أدركوا أن رائحة دماء الشهيد، ضاعت في عبق الأريج المنبعث من السجاد الأحمر على درج قصر رئاسة الحكومة.
لا حكومة تطالب العالم بالعدالة، ولا مؤسسات مدنيّة تطالب العالم بالعدالة، ولا شعب يفقه معنى المطالبة بالعدالة. لذلك تطايرت أشلاء الضحايا في مرفأ بيروت، وقتل العشرات وجرح الألوف وشرد مئات الألوف، ودمرت بيروت بتراثها وإنسانها وكرامتها وتاريخها، فاختبأ القتلة خلف متسلقي سلم السلطة، الذين تلذذوا بلمعان صورهم على شاشات التلفزة، فصاروا يتسابقون في حماية القضاء الوطني بحجة الكرامة الوطنيّة، الكرامة التي داستها الإغتيالات، والتفجيرات، وظل القضاء الذي اعتبروه عنوان الكرامة الوطنية، ساكتاً وعاجزاً عن كشفها، أو حتى النطق بكلمة حولها.
عار على إنساننا الذي يعتبر نفسه مفكراً وثائراً ومحرراً ومقداماً، أن يظل أسير قرارات الخارج. لم يجرؤ القتلة لولا الجبن الذي يسيطر على الآخر. أنتم المسؤولون عن اغتيال لقمان. أنتم المسؤولون عن إقصاء القاضي صوّان. لم تجرؤوا، أن تخرجوا إلى العالم لتكشفوا بالوثائق، جرائم السلاح المتفلت. جرائم الحكم وأهل السلطة، فتقوم قوانين قيصر جديدة ضد هؤلاء. ما الفارق بين نظام الأسد ونظام عون؟ الأسد حمل أداة القتل بنفسه، وعون قدم الحماية للقتلة. خافوا أن يقدموا الوثائق والشهادات حول جريمة المرفأ وغيرها إلى الرأي العام الدولي، والدول الأعضاء في المحكمة الجنائيّة الدوليّة، وأعضاء مجلس الأمن لماذا؟ لماذا هذا الصمت المريب من رافعي شعارات السيادة، والإصلاح ونظام القانون.
ربما أن دماء لقمان قد أنتجت أخيراً كلمة جريئة من منقذ ترنو له العيون، فرفع غبطة البطريرك أخيراً، مطلب المؤتمر الدولي برعاية الأمم المتحدة، لإنقاذ لبنان من هذه السلطة ومن السلاح المتفلت فيها. فتفضلوا، أيها السياديون، إحملوا أمامه سلاح الصور والوثائق، وقوموا بجولة في العالم الحر. إنقلوا مآسينا إلى العالم. أقيموا معارض مفتوحة في قاعات الأمم المتّحدة وأمام قاعة مجلس الأمن. شاركوا الدنيا بأوجاعنا. أصرخوا من خارج قصوركم وقلاعكم. كفى استهتاراً بالناس.