جاء في “المركزية”:
ما عاد خفياً أن قرار مفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية بالإنابة القاضي فادي عقيقي لجهة إصدار قرار بتوقيف النائب البطريريكي على أبرشية حيفا والأراضي المقدسة والمملكة الهاشمية المطران موسى الحاج كشف عن النوايا السياسية المبيتة وعن دور هذه المحكمة المشبوه كونه يخدم مصلحة المشغلين السياسيين للمحكمة بدلا من الحفاظ على الامن القومي اللبناني مما يحولها إلى محكمة لإثارة الفتنة وتنفيذ أجندات فئوية حزبية .
البيان الذي صدر عقب اجتماع مجمع المطارنة الموارنة الطارئ كان واضحا في المضمون وأثبت “أن بكركي من عركة لعركة وحدها بتحكي صح!”. لكن الكلام والمواقف السيادية التي اعقبت البيان والتي أجمعت على ضرورة معالجة المشكلة من جذورها أي بإقالة القاضي عقيقي وإحالته إلى التفتيش القضائي لا يكفي. والدليل وجود العديد من اقتراحات القوانين المقدمة من قبل نواب وعلى سبيل المثال لا الحصر اقتراح القانون الذي قدمته كتلة الكتائب اللبنانية في 23 تموز 2016 على جدول اعمال لجنة الادارة والعدل، ويتضمن تقليص صلاحيات المحكمة وحصر اختصاصها بجرائم محددة يرتكبها العسكريون في اطار الوظيفة بمعرضها والمطالبة بعدم محاكمة المدنيين امامها واحالتهم الى المحاكم العادية، إضافة إلى ضمان شروط المحاكمة العادلة واحترام حقوق الانسان بكافة درجات التقاضي وبذلك نحترم مبدأ الفصل بين السلطات وحفظ استقلالية القضاء.
لعل المطلوب أكثر من موقف وطني وتغريدات وردود فعل شعبية ووجدانية. المطلوب الإجابة على السؤال التالي من يحاسب القاضي فادي عقيقي وهل سيمارس التفتيش القضائي مهامه ويقول كلمته إما بإحالة عقيقي إلى المجلس التأديبي أو بقائه في منصبه كمفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية كونها لم تثبت عليه أية أدلة تستحق محاسبته؟
“جوهر عمل المحكمة العسكرية في المفهوم القانوني هو محاكمة العسكريين الفارين أو المتهمين بالتعاطي مع العدو أو النظر في القضايا الإرهابية التي تمس أمن الدولة وهنا حصرا يمكن أن يمثل أمامها متهمون مدنيون. . لكن خلال الأحداث توسعت صلاحياتها تحت ذريعة حماية العسكريين من خطر ما عند حصول إشكال ما مع المدنيين مما حولها إلى جزيرة”. هكذا يعرف القاضي شكري صادر عن المحكمة العسكرية مؤكدا أن الأسباب الواهية التي تذرعت بها بعض الجماعات لتوسيع صلاحياتها بحيث تشمل كل مدني على خلاف مع عسكري حولتها إلى محكمة تتحكم برقاب العباد وكل من يصادف أنه وقع بخلاف مع أحد الأفراد في السلك العسكري.
محاولات الحد من صلاحيات المحكمة العسكرية بدأت قبل 20 عاما في عهد مدعي عام التمييز القاضي عدنان عضوم”يومها كُلفنا بإعداد قانون يلجم صلاحيات المحكمة العسكرية وهي محكمة إستثنائية مهامها محاكمة العسكريين فقط وأقصى ما توصلنا إليه انتزاع قرار محاكمة المجندين أمام هذه المحكمة بعدما كانوا يساقون إليها في مطلق أي جرم إضافة إلى المدنيين الذين وقع الخلاف معهم” . ويضيف القاضي صادر:” تقليص صلاحيات هذه المحكمة ليس تمنياً إنما واجب إبعاد شبح النظام الأمني بحيث تقتصر صلاحياتها على محاكمة العسكريين والمدنيين المتهمين بقضايا الإرهاب”.
“توصيف ما قام به المطران موسى الحاج يتفوق على الصلاحيات” يقول القاضي صادر ويضيف” كان يقوم بعمل إنساني وينقل المال والأدوية من لبنانيين مبعدين قسرا إلى إسرائيل إلى ذويهم في لبنان وليس إلى الأبرشيات وهذا طبيعي كونه راعي أبرشية حيفا والمملكة الأردنية الهاشمية. فهل يكون فعله غير مشروع أم أنه مجرد ساعي خير؟ حتى التحقيقات أثبتت أنه لم يقم بشيء مخالف لكن بهدف ربط عملية التوقيف بصلاحيات المحكمة العسكرية قالوا أنه يتعامل مع العدو ..لكن هل يجوز اتهام الوكيل البطريركي على فلسطين المحتلة كونه يتعاطى مع أبناء ابرشيته هناك؟”
في القانون قد يكون القاضي عقيقي أصدر قرارا بتوقيف المطران الحاج بموجب إخبارات “تنامت” إليه من هنا وهناك ومن جهات غيورة على مصلحة الوطن. فلنسلم بذلك “لكن الحكمة تقضي بأن يتقصى القاضي ويطلب المزيد من الأدلة والوثائق الخطية التي تؤكد صحة هذه الإخبارات لا سيما وأن المشتبه به مطران ووكيل بطريركي”. هذا في القانون أما في السياسة “فقد تكون رسالة موجهة إلى البطريرك الراعي” .
يبقى السؤال:” من يحاسب القاضي عقيقي؟ ” فقط الجسم الذي ينتمي إليه يحق له بمحاسبته بمعنى أوضح التفتيش القضائي والمدعي العام التمييزي بصفته الرئيس المباشر .أما بالنسبة إلى وزير العدل فيحق له إحالته إلى التفتيش القضائي كونه خالف القوانين المرعية وتعدى صلاحياته وبطلبه اليوم تقريرا خطيا الإثبات أن هناك توجها جديا للمحاسبة فإما يحال القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي أو يترك”.
ما حصل ليس مجرد حادث عادي حتى لو افترضنا أنها رسالة موجهة بالمباشر إلى البطريرك الراعي إلا أنها تخطت كل الخطوط الحمر وخرقت المحظور والأخطر أنها خلقت شرخا بين الدولة والكنيسة فهل يرممها عقلاء من خلال محاسبة القاضي عقيقي وإعادة النظر في صلاحيات المحكمة العسكرية؟
ما أظهره التحقيق على مدى 13 ساعة في مقر الأمن العام عند معبر الناقورة مع المطران الحاج يثبت عدم وجود جرم جزائي بحسب مصدر مطلع على مسار الملف. من هنا يجزم بأن ما حصل لا يتعدى كونه رسالة لكنها جاءت هذه المرة على حساب الكنيسة وسمعة القضاء. فهل تكون الإرتدادات على حساب الأمن في الشارع؟