تمنى وزير الثقافة القاضي محمد وسام المرتضى “على السياسيين الكبار في لبنان الكبير، الذين لا يتورعون عن إثارة العصبيات المختلفة، أن يرأفوا بأجيالنا الطالعة ويعلِّموها على طرائق الفكر الذي يحصّنُ العقل ويُنَمّي الثقافة، بدلًا من الشعارات التي لا تُسْمنُ ولا تُغني من جوع”، مشيراً الى أن “الوطن كله في خطر، والمستقبل القريب غير مطمئن، ما لم نخرج من بيوت ذواتِنا إلى رحاب الوطن، وما لم نقرأْ حسنًا في كتابه الأعلى أي الدستور، كما سيخرج هؤلاء المتعاقدون الوردانيون من بيوتِهم إلى هذه الدار ليقرأوا في كتبِها.”
كلام الوزير المرتضى جاء خلال مشاركته في افتتاح “بيت الكبار في الوردانية” بحضور وزير العمل مصطفى بيرم، المدعي العام المالي علي ابراهيم، المدير لعام للأمن العام اللواء عباس ابراهيم، رئيس البلدية علي بيرم وأعضاء المجلس البلدي اضافة الى حشد من الشخصيات السياسية والاجتمعاية والثاقفية في الودرانية والجوار.
وقال وزير الثقافة: “لا يُقاسُ تقدُّمُ دولةٍ بمعيارٍ أثمنَ من الأمانِ الاجتماعيِّ الذي توفِّرُه لمواطنيها، ولا سيّما الكبار منهم. أولئكَ الذين كانوا في زمن مضى ملءَ العمل والبذلِ والشباب، فباتوا يسيرون في أرجاءِ يومِهم، متكئين على عُكّازٍ من ماضي الذكريات”.
أضاف: “لعلَّ واحدًا من أهمِّ ما ميَّزَ دولَ العالم الأول عن سواها، هو اهتمامها الرسميُّ الواسع بكبار السن. الأمرُ عندنا في الشرق مختلف جذريًّا، فقبل أن يكون سياسة دولةٍ هو تربيةٌ دينية واجتماعية وعائلية اكتسبناها جيلًا بعد جيل، تفرض علينا قواعدُها توقيرَ الكبارِ وخدمتَهم، فُرادى وجماعاتٍ، وأن نحملَ أمّهاتِنا هَوْنًا على هَوْنٍ كما حملْنَنا وهْنًا على وَهْنٍ، ونُكْرِمَ آباءَنا طاعةً بعد طاعةٍ كما أكرمونا عطاءً بعد عطاء. ذلك كان لنا سبيلًا لاستمرار أعظم نعمةٍ اجتماعية في حياتنا: العائلة. ولا أقصد بها العائلة الصغيرة فقط، بل تلك الروابط الواسعة التي تشد الناس في موضعٍ ما إلى التعاضد في الرحمة بكبار السن بكل ما لهذه الكلمة من معنًى أخلاقيٍّ وإنساني”.
وأردف: “نحن اليوم إذًا ههنا لنترجم تلك التربيةَ ترجمةً عملية، كدأبنا في بيوتِنا كلَّ يوم، بالخدمة والعناية والرعاية، كما يستحقُّ كبارُنا. دارُهم هذه ستكون مقامَ راحةٍ وتسلية وفائدة يدخلونها آمنين لينهلوا ما شاؤوا من غبطة اللقاء. لكنَّ أجمل ما فيها بالنسبة إلى وزارة الثقافة هو المكتبة التي ستكون زادًا للمعرفة متجددًا، وسترافق كتبُها أولئك المتقاعدين وتُبقي أيامَهم مثمرة”.
وإذ شدد على الدور الأساسي للثقافة “منذ تسلمي مهامي الوزارية حرصتُ على مواكبة أي نشاط يمت إلى الثقافة بصلة، لإيماني بأنها القاسم المشترك الذي يجمع بين اللبنانيين، ويدربهم على مقاربة الاختلافات بالروح الفكرية العلمية التي همُّها السعي إلى اكتناه الحقيقة وبناء السلام. فمن أدب الثقافة الاختلاف الذي يشحذُ العقل على النقاشِ وطرح الحلول وصولًا إلى ما هو مشترك، بدلًا من التعصب الذي يعني احتكار الحق وادعاء العصمةِ في كلِّ شيء. ولعلَّ من بعض المظاهر الصادمة في مآزقِنا الحالية أننا لا نقاربُها بالروح الثقافية أو العلمية بل بالهوى، ولذلك ما برحنا ننتقلُ من صعبٍ إلى أصعب، وما برح وطنُنا رازِحًا تحت أثقالٍ كثيرة، كان بإمكاننا أن نحركَها عنه لو ابتعدنا عن رميِ الآخر دائمًا بالضلال”.
وختم وزير الثقافة: “أجددُ دعوتي من هنا، من دار الكبار في الوردانية، إلى السياسيين الكبار في لبنان الكبير، الذين لا يتورعون عن إثارة العصبيات المختلفة، إلى أن يرأفوا بأجيالنا الطالعة ويعلِّموها على طرائق الفكر الذي يحصّنُ العقل ويُنَمّي الثقافة، بدلًا من الشعارات التي لا تُسْمنُ ولا تُغني من جوع. الوطنُ كله في خطر، والمستقبلُ القريبُ غيرُ مطمئن، ما لم نخرجْ من بيوتِ ذواتِنا إلى رحاب الوطن، وما لم نقرأْ حسنًا في كتابه الأعلى أي الدستور، كما سيخرج هؤلاء المتعاقدون الوردانيون من بيوتِهم إلى هذه الدار ليقرأوا في كتبِها”.
وتوجه بالتهنئة الى كل “من عمل وبنى وقدَّمَ بأي صورة ٍمن الصور ليرتفع هذا البيت. وعسى أن تأتمَّ بكم قرًى وبلداتٌ أخرى على اتساع الوطن.”