فيما الملف الحكومي يراوح، وقد زاد من جموده الهمُّ الامني والصحي الذي احتلّ واجهة الاهتمامات الشعبية والرسمية في الساعات الماضية، اثر اغتيال الناشط والكاتب السياسي لقمان سليم الخميس، من جهة، والاخذ والرد حول كيفية اعادة فتح البلاد تدريجيا، من جهة ثانية، تشير مصادر سياسية مطّلعة لـ”المركزية”، الى حركة، وإن خجولة، تدور خلف الكواليس، لمحاولة اعادة بثّ الروح في شرايين “التأليف” الذي دخل في كوما منذ آخر لقاء جمع رئيس الجمهورية العماد ميشال عون والرئيس المكلف سعد الحريري، أواخر العام الماضي.
وبحسب المصادر، فإن جهود الانعاش هذه، يبذلها الفرنسيون في شكل رئيسي، ومحورها: لبنان والولايات المتحدة والسعودية وايران. واذ تلفت الى ان هذه المساعي لا تزال في اطار جس النبض، وتفحص مدى استعداد هذه الاطراف للتعاون وتقديم التنازلات، تقول المصادر ان لا يزال من المبكر التكهّن في ما يمكن ان ينتج عنها حكوميا.
على اي حال، فإن عودة الحريري الى بيروت في الساعات او الايام المقبلة، وما سيحصل بعدها على الساحة الحكومية، ستساعد في معرفة اتجاه الرياح “تأليفيا”، وتبيان ما اذا كانت باريس نجحت في تحقيق خرق في جدار الازمة، أم لم تنجح، علما ان الرئيس المكلف من المفترض ان يعرّج على فرنسا قبيل عودته الى لبنان… الا ان مهمة الاليزيه ليست سهلة، تتابع المصادر. فبعد ان قرر سيّده الرئيس ايمانويل ماكرون منذ قرابة الاسبوع، تحريك المياه الراكدة في مستنقع مبادرته الانقاذية، وقد تواصل مع نظيره العماد ميشال عون السبت الماضي، في اتصال أشّر الى اطلاق محرّكاته من جديد، حاول الكثيرون، وانطلاقا مما قاله الرجل في مقابلة صحافية عشية اتصاله بعون عن محاولة تشكيل حكومة “وإن لم تكن كاملة المواصفات”، حاولوا البناء على هذا الموقف للترويج لتعديل طرأ على المبادرة بحيث باتت اكثر ليونة ومرونة، خاصة لناحية وزرائها والحضور السياسي فيها. غير ان رهان هؤلاء، خاب سريعا، اذ تبيّن لهم، عبر بعض القنوات الدبلوماسية، ان “لِعبهم على الكلمات”، ليس في مكانه:
فالرئيس ماكرون لم يغيّر في نظرته الى الحكومة ولا في جوهر المبادرة، حاله حال السعوديين من جهة، والاميركيين من جهة اخرى والذين تواصل معهم ايضا عارضا للملفين اللبناني والايراني. فالمطلوب لا يزال واحدا: حكومة اختصاصيين مستقلين- لا نفوذ لاهل المنظومة السياسية داخلها ولا يمكنهم التحكم بقراراتها- كشرط اساسي للحصول على دعم الدول المانحة.
محاولات “التشاطر” على المبادرة والالتفاف عليها، عبر “تقويل” ماكرون ما لم يقله، انتهت سريعا اذا، تتابع المصادر. وهذا يعني ان اصرار بعض القوى السياسية، وعلى رأسهم الفريق الرئاسي، على حكومة تكنو – سياسية، وعلى اختيار الوزراء في الحكومة، لن يسهّل ابصارها النور. وربما هنا تكمن العقدة الاساسية امام تقدّم المسعى الفرنسي المتجدد. فطالما لم يتراجع العهد عن شروطه، ولم يتدخل حزب الله للجمه (وهو ما يناسب ايران على الارجح)، وطالما لا تزال العواصم الكبرى شرقا وغربا تصر على حكومة اختصاصيين مستقلين، لتتشجّع على مساعدة بيروت، فإن اي انفراج في الأزمة الحكومية سيبقى بعيد المنال، تختم المصادر.