مايز عبيد – نداء الوطن
صدّق أو لا تصدّق، هذا “الهنغار” البالي المصنوع من مادة “فيبرغلاس” مساحته لا تتعدّى الـ 40 متراً مربّعاً، هو مستوصف حكومي لمنطقة بأكملها هي منطقة الدريب الأوسط في عكّار والتي تجمع أكثر من 30 قرية وبلدة. هذا المستوصف الذي يفتقر حتّى إلى شارة أو لوحة يُكتب عليها “مستوصف الدريب الحكومي”، لكي يعرف الناس أنّ هذا “الهنغار” التعيس والمتروك على قارعة الطريق على مداخل بلدة الكواشرة قبالة البحيرة، هو مستوصف صحّي تابع للحكومة اللبنانية، أنشئ في الأصل لتقديم الخدمات الطبية لعشرات آلاف المواطنين في “دريب- عكار”.
تأسّس مستوصف الدريب الحكومي في الكواشرة في ستينات القرن الماضي، وكان مستوصفاً للقرى الممتدّة من حلبا حتى وادي خالد، يقصده اهلها المرضى، ويؤمّن العلاج والأدوية لهم. وكانت وزارة الصحة تهتم به وتزوّده بالمستلزمات الصحّية التي تقدّمها عادة المستوصفات لمرضاها بشكل عام.
واليوم، المستوصف يحتاج لإعادة تأهيل، إما باستبداله بمبنى حديث وجاهز أكبر وأوسع من النوعية نفسها، أو إعادة بناء مركز صحّي لائق، بالإضافة إلى اهتمام رسمي وتزويده بالأدوية والمستلزمات الطبية. فالمستوصف ـ “الهنغار” قد أكل عليه الزمن وشرب. كل ما فيه تعرّض للتلف، وأوضاعه مأسوية، وأقلّ ما يقال فيه بأنه لا يليق بأن يكون مركزاً صحّياً لآلاف المواطنين في القرن الواحد والعشرين. ففيما تحتاج منطقة الدريب الأوسط الى مستوصف آخر في هذه الظروف بالذات، لتقديم الخدمات الطبية والإستشفائية للأهالي، فإن مستوصف الدريب في الكواشرة يقبع هكذا من دون أي رعاية من وزارة الصحّة، والحشيش نبت على كل جوانبه، وجدرانه تكسّرت، وسقفه تردّى، ولم يعد يزوره إلا بضعة موظفين وموظفات، يحضرون صباحاً للتوقيع على دفتر الدوام، والسلام.
يضع رئيس اتحاد بلديات الدريب الأوسط عبود مرعب الأمر في خانة تجاهل وزارة الصحة لمطالب أهالي المنطقة ويقول: “منذ استلامنا، قمنا كإتحاد بلديات وكبلدية الكواشرة، بتصوير المستوصف وأرسال الصور إلى وزارة الصحّة، وشرحنا للمسؤولين فيها أوضاعه ولا من مجيب. للأسف، هناك تجاهل لمنطقة بأمّها وأبيها، تضمّ أكثر من 60 ألف نسمة وأكثر من 30 ألف نازح سوري، وليس فيها أي مستوصف أو مركز صحّي آخر. نحن نرفض هذا الإستهتار بحقوق هذه المنطقة وفي مقدّمها حقّنا في الرعاية الصحّية وبمستوصف يليق بالمنطقة وأبنائها”.
ويقول رئيس بلدية الكواشرة محمد عبدالكريم محمد: “في الستينات، عندما تأسّس المستوصف كانت خدماته كثيرة جداً وفيه أطباء وممرّضون وكان يكفي المنطقة “وزيادة”، لكن الوضع وقتها لا يقارن باليوم. الآن كل شيء زاد وحاجات المنطقة ومتطلّباتها الصحّية تغيرت”. وسجّل إهمال وزارة الصحة ولامبالاتها بمتابعة أوضاع المستوصف، وقال:” في العام 2004 استلمت البلدية وبدأنا ننسّق مع طبيب القضاء ونؤمّن الأدوية للمستوصف من الكرنتينا كل شهر تقريباً. بعد فترة توقفت الوزارة عن تزويده بأي مستلزمات، ومنذ 7 سنوات تقريباً ليس فيه شيء يذكر حتّى حبة دواء واحدة. علماً أنّ فيه موظفين يأتون ويسجّلون دوامهم اليومي ويذهبون. ولطالما ناشدت الوزارة شخصياً وزرتها أكثر من مرّة بغية إعادة تأهيل المستوصف وتزويده بالأدوية والمستلزمات الطبية”.
وتمنّى محمد “لو أن الأوضاع المادية للبلديات كانت أفضل لكنّا أهّلنا المستوصف على نفقتنا الخاصة. ولكن لا إمكانيات لدى البلدية نتيجة تأخّر صرف المستحقات، كما وانّه مستوصف حكومي، ولهذه المنطقة ولأهلها حقّ على الدولة وعلى وزارة الصحّة وعليها الإيفاء به”.
أما الناشط في الحراك المدني العكاري إبن منطقة الدريب، صلاح قاسم، فأشار إلى أنّ وزير الصحة الذي يزور كل المناطق وكان زار عكّار أكثر من مرة، “ومرّ من نفس هذا الطريق حيث يوجد المستوصف ولم يُعِره اهتماماً”. وناشد الوزارة أن “تخصّص جزءاً لو يسيراً من المساعدات التي تأتي إلى لبنان في هذه الفترة، لصالح تأهيل المستوصف. فنحن في الدريب بأمسّ الحاجة إليه في ظلّ الظروف الراهنة ومعاناة المواطنين على كلّ المستويات ولا سيّما الصحّية والإستشفائية”، وتحدّث عن “لجوء بعضهم إلى طرق بدائية في العلاج نتيجة عدم توفر الأدوية والخدمات الصحية”.