منير الربيع – المدن
سريعاً نقل الرئيس سعد الحريري الاشتباك السياسي من الهجوم على رئيس الجمهورية ميشال عون، ورئيس التيار العوني جبران باسيل، إلى مواجهة مع حزب الله. ووراء هذا الموقف جملة حسابات سياسية بمفعول رجعي، وتتعلق بعلاقته غير المباشرة أو المباشرة بحزب الله في المرحلة السابقة.
عتبان على حزب الله
ورغم علاقته هذه حمّل الحريري حزب الله جزءاً أساسياً من المسؤولية عما آلت إليه الأوضاع في لبنان: بسبب مشروعه أولاً، بسبب علاقته بميشال عون وجبران باسيل ثانياً. وفي المقابل، لا يتوانى عون وباسيل عن تحميل حزب الله مسؤولية إفشال مشروعهما أيضاً. وهنا يلتقي الحريري وعون وباسيل على انتقاد الحزب، كل لاعتباراته المتناقضة. وهذا يفترض أن يقلق حزب الله، لكنه على ما يبدو لا يعيره الاهتمام اللازم، لأن حساباته في مكان آخر.
كان الحريري واضحاً في رفضه المشاركة بالاستشارات النيابية أو بتسمية رئيس للحكومة. وهذا يفترض أنه طوى الاتفاق على رئيس للحكومة وفق الصيغ المتداولة في بعض الكواليس. فالحريري لا يريد توفير الدعم لحكومة تحتسب لاحقاً وكأنها حكومة حزب الله.
ورئيس الجمهورية سيبدأ مشاورات سياسية للاتفاق على شخصية لرئاسة الحكومة. وهذا ما يحاول حزب الله تجنبه حالياً، كي لا يكرر الوقوع في ما وقع به مع حكومة حسان دياب، التي يعتبرها غير منتجة. أما خصوم الحزب إياه فيعتبرون أن حكومة دياب في سياساتها حققت له ما يريد على صعيد مشروعه الأكبر.
حزب لا يريد حكومة
والجميع الآن يفضل الانتظار. انتظار تشكيل حكومة انتخابات في مرحلة لاحقة. لكن الأزمة اللبنانية أصبحت أعمق وأعقد من هذه التفاصيل. ففي مضامين كلام الحريري عن أن حزب الله لم يدعم ما يكفي لتشكيل الحكومة، إيحاء بأن الحزب إياه لا يريد تشكيل حكومة جديدة، لأنها تنقل المواجهة من مكان إلى آخر. فبدلاً من أن تبقى المواجهة بين الحريري وعون، تصبح بين الحكومة ومشروعها ومقتضيات الإصلاح ومشروع حزب الله الذي لا يريد الدخول في مثل هذه النزاعات حالياً.
وهذا القاعدة تقود إلى إعادة تفعيل حكومة حسان دياب. وإذا كان لا بد من حكومة جديدة، فيجب أن تكون على شاكلة حكومة حسان دياب. لأن أي حكومة جدية تتعارض كلياً مع مشروع حزب الله.
ويذهب هذا الاعتقاد إلى ما هو أبعد من ذلك: الذهاب بالانهيار حتى أقاصيه، لتتحلل مؤسسات الدولة تحللاً كاملاً. مع الحرص على توفير حدّ أدنى من الأمن الاجتماعي، انطلاقاً من الرهان على النزعة الطائفية والخوف من تحول أي معركة مطلبية أو اجتماعية إلى صراع طائفي. يضاف إلى ذلك أن الأموال الخارجية التي تتدفق بفعل التكافل الاجتماعي، تساهم في زيادة منسوب الأمن الاجتماعي.
..ولا يهمه لبنان
ويجري هذا كله أمام أبصار شعب كسول أو مكسور أو ربما خائف. فيندفع حزب الله إلى التسيد أكثر فأكثر على الواقع اللبناني. فلا يقدم أي تنازلات، وحتى لتحويل أموال المساعدات الخارجية، في مقابل تنازله عن بعض المكاسب السياسية. ذلك لأنه يعتبر أن الظروف في المنطقة غير ناضجة بعد.
وعليه، يبقى الأساس هو الرهان على التحويلات الخارجية أو ما تبقى من الاحتياطي الالزامي، فيما يُفرض على الناس التعايش مع الواقع كما هو. أي على شاكلة النمط الاجتماعي والمعيشي السائد في سوريا في ظل نظام الأسد والعقوبات الدولية. وهذا كله يبقي لبنان معلقاً على حبال التطورات الإقليمية والدولية ومفاوضات فيينا، وما تحمله وتفرضه من متغيرات على بنية النظام بما يتخطى الحسابات الانتخابية والحكومية.