كلير شكر – نداء الوطن
فعلاً، يمكن القول إنّ أحوال التيار الكهربائي تسير في لبنان على قاعدة “سرّ فعين الله ترعاك”. كلّ شيء متروك لقدره. الجميع يدور في حلقة مقفلة من دون أي حلول باليد. فقط هو التهديد بالعتمة. ووحدها العناية الإلهية هي التي تحمي اللبنانيين من الظلام!
بداية لا بدّ من الإشارة إلى استقرار رأي مجلس النواب على اقرار “سلفة ترقيعة” قيمتها 200 مليون دولار، أو 300 مليار ليرة، لمصلحة مؤسسة كهرباء لبنان وسط خلاف بين مكوناته ظهّرته نقاشات اللجان المشتركة، فاعترض كلّ من “اللقاء الديموقراطي” و”كتلة القوات” لكون هذه السلفة ستُسحب من الاحيتاطي الإلزامي، وأيدتها الكتل الأخرى، فيما اعتبر رئيس مجلس النواب نبيه بري “بين أن يقول الناس إن المجلس النيابي عتّم البلد أو أعطى السلفة، فالخيار الأول أكثر مرارة من الثاني”.
يعني أنّ العتمة الشاملة تأجلت لحوالى ثلاثة أشهر اذا ما اعتمدت مؤسسة كهرباء لبنان تقنيناً قاسياً يسمح لها بالصرف من هذه السلفة، واذا ما افترضنا أن مصرف لبنان سيوافق على تحويل الـ 300 مليار ليرة إلى 200 مليون دولار، ليتكبّد الفارق بين السعر الرسمي لصرف الدولار وسعر السوق الموازية.
ولكن قبل الخطوة بساعات، كان معمل الزهراني قد أطفأ محرّكاته بعد نفاد الفيول، في خطوة غير مسبوقة، ما يعني انخفاض إنتاج الكهرباء في لبنان إلى 900 ميغاواط. فالباخرة الكويتية التي كانت ستفرغ حمولتها في خزّاناته، عالقة في قناة السويس، فيما الباخرة التي اشترتها وزارة الطاقة عبر عقد فوري Spot Cargo، فعالقة بين فكيّ “الخلاف البيزنطي” بين الشركة المصنّعة للتوربينات “سيمنز” وبين مختبرات شركة “Bureau Veritas” التي تستعين بها الوزارة لفحص تطابق الغاز المستورد، حيث تصرّ الأولى على أنّ الكميّة التي وصلت الشاطئ اللبناني عبر الباخرة “Histria Perla” غير مطابقة للمواصفات على عكس ما تفيد به مختبرات “Bureau Veritas”. ورغم أنّ الوزارة عادت واستعانت بمختبرين بريطانيين للتأكد من مدى مطابقة الغاز، وأتت النتيجة ايجابية، وقام وزير الطاقة في حكومة تصريف الأعمال ريمون عجر بالتواصل مع شركة “سيمنز” للاستفهام منها عن أسباب اعتراضها على الكمية المستوردة، إلا أنّ الشركة المصنّعة للتوربينات لا تزال مصرّة على رأيها. المفارقة ان الفحص المطلوب لم يسبق لسيمنز ان طلبته، فيما كانت شركة سوناطراك والشركة الكويتية تسلّمان الفيول وفق المواصفات المنصوص عليها بالعقد من دون الخضوع لهذا الفحص، ما يطرح السؤال حول احتمال وجود صراع خفي بين الموردين قد تظهّر من خلال هذا الشرط.
“القشّة المنقذة” أتت من قناة السويس التي عادت إلى العمل، ويفترض وفق مصادر وزارة الطاقة أن تصل الباخرة الكويتية خلال الساعات المقبلة لتفرغ حمولتها ويعود معمل الزهراني إلى عمله، بانتظار فضّ الخلاف بين شركة سيمنز ومختبرات “Bureau Veritas”.
ومع ذلك، ثمة أزمة مالية أكثر صعوبة تواجه قطاع الكهرباء، وتتمثل في مستحقات الشركات المشغلة وشركات الصيانة والتي تبلغ أكثر من 300 مليون دولار. وقد سبق لمؤسسة كهرباء لبنان أن رفعت كتاباً إلى مصرف لبنان تطلب منه دفع تلك المستحقات كون المؤسسة عاجزة عن سدّ هذا العجز لسبب جوهري وهو أنّ هذه الشركات تصرّ على تحصيل حقوقها بالدولارات الطازجة في حين أنّ المؤسسة لا تستطيع أن تشتري هذه الدولارات من السوق السوداء وتطلب من مصرف لبنان تسديدها رغم أنّ المؤسسة عادة ما كانت تدفع تكاليف الصيانة إلا أنّ تدني قيمة الجباية التي تأتيها بعد هبوط سعر الليرة الدراماتي، بات يصعّب عليها تلك المهمة، ناهيك عن عجزها قانوناً عن شراء الدولار من السوق السوداء.
وبعد مفاوضات ماراتونية بين مصرف لبنان ووزارة الطاقة أشرفت عليها رئاسة الحكومة، وبعد أن كان مصرف لبنان وعد بدفع المستحقات على أساس ترشيد الدعم المخصص لمؤسسة كهرباء لبنان فيما الأخيرة كانت تبلغه بأنّها سترشد انفاقها على أساس المبلغ الذي سيخصصه مصرف لبنان بالدولار، أبلغ الحاكم رياض سلامة رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب في الاجتماع الأخير بمشاركة وزير الطاقة ووزير المال غازي وزني، أنه غير مستعد لدفع مستحقات الشركات المتعاقدة مع مؤسسة كهرباء لبنان ومنها طبعاً المعامل العائمة (البواخر) والشركات المشغلة للمعامل وشركات مقدمي الخدمات، والتي قد تعلن في أي لحظة توقفها عن العمل. أكثر من ذلك، إنّ تضرر أي معمل أو قطع غيار يعني أنّ المؤسسة لن تستطيع اصلاحه أو تأمين بديل عنه!