
والله هؤلاء المنجمين مش أحسن مني. ما أحلاهن احتلوا شاشات ليلة رأس السنة، كل الى فلكه وسماه وكوكبه، وبنظرات هيك عميقة محلّقة في الافق والعدم واللامكان واللازمان، رموا على مسامعنا كرات النار في الاتجاهات كافة. حريق وغريق وتشحشط ع الطريق، زلازل وأقمار ستتهاوى وقلوب ستتغاوى، شخصيات ستموت، اخرى ستعيش وأخيرة بين بين… كيف هيدي بين بين؟! يحق للمنجمين ما لا يحق لسواهم متل الشعراء حين يخرقون قواعد القوافي واللغة ويحرقوا سلّافها! طيب، هل استشراقهم المتنوّر الواصل الى ما بعد بعد السما بكم كيلومتر، هل اظهر لهم مصير حكامنا ومحتلينا وتيجان رؤوسنا في الجمهورية اللبنانية؟
هم توقعوا الكثير الكثير لهم، لكن توقعاتهم سقطت مضرّجة باللامنطق واللامعقول، وسقطت معهم “مصداقية” منجمينا العالية والعالية جداً أساساً.
ما علينا، أنا قررت تصويب كل التوقعات، وها أنا أجلس الى بلّورتي السحرية، التي أظهرت لي ما لا يمكن توقعه على الاطلاق لمن جعلوا حياتنا جحيماً مزدحماً بالجحيم.
أرى، في ما أرى، حسن نصرالله يتشمس على سطيحة ما والعرق يتصبب منه بغزارة، يشرب العصير، الكوب تلو الكوب، يبدو الرجل معصّباً، يصله اتصال “وين صرتو ليش هالتأخير، شو عملتو؟ اخدتوا الصناديق، قطعتوا الكهربا، هشلتوا الناس؟” فيجيبه الطرف الاخر “اكيد يا سيد عملنا كل شي لكن ما طلع بإيدنا شي”، وتصله نتائج الانتخابات النيابية “ليش القوات محلقة وين ما كان، وينك يا شيخ نعيم وين زمهريرك، وين حضورك، وين عبستك يا شيخ رعد، وين القمصان السود؟” ويجيبه الصدى، فيتهالك السيد الى كرسيه منهكاً، “غلبوني القوات غلبوني القوات غلبوني القوات…” وسُمع صوته المتهدّج غضباً الى ساحات طهران التي، وبحسب ما بدا في البلّورة السحرية، بدأت تعدّ العدّة لاستقبال مواطنها الجديد…
ارى ميشال عون رئيساً للجمهورية! والله العظيم هكذا اظهرت لي البلّورة، سيبقى الرجل رئيساً للأبد! اذ اراه يشنكل كرسي بعبدا ويحاول بالقوة حشرها بين امتعته “انقبري اندحشي العمى ما أعندك”، يصرخ بوجهها وهي تعانده، وبعد مباطحة ومصارعة ولعنات انزلت السماء كلها الى الارض، قرر ان يحملها بنفسه ويأخذها الى غرفة نومه في فيللته الجديدة، ويجلس اليها يراقب انتخاب رئيس جديد للجمهورية “ما بتوصلوا لتحت زناري انا الرئيس وهيك رح ابقى… جبران وينك وقّف بكي يا ولد بدي اسمع خطاب لـ يلي اخدلي مطرحي بـ بعبدا”…
طيب فلنرى نبيه بري… تشويش غريب يشوب بلورتي شو صاير معك؟ غيّمت الشاشة، اختفى الاستيذ، غاب جوفها في ضباب غريب. لما ذكرت الاسم تعطلت ذبذباتها الموصولة مباشرة الى بوصلة الكواكب السيّارة في محيط البرلمان، حتى بريد الغيم عجز عن التوقع الصافي لمستقبل أعتق رئيس مجلس نواب في تاريخ البشرية بلكي… ولكن لحظة، انجلى الضباب وها هي صورة مجلس النواب تعود الى وضوحها، اين دولة الرئيس؟ اين دولة الرئيس؟ واذ بي اراه يمارس تقاعده الجميل في احدى جزر الكاريبي، والى كرسيه الذي ظنت اجيالنا والتي لحقت بها انها ملكه في البرلمان، يجلس آخر معقول؟ وأراه من هناك يصرخ “اسكتوا كلكن، سكووت يا حسن سكوووت يا انطوان ابصرش هيك والا بعلّق الجلسة”… وهذه المرة لا احد يسمع ولا من يجيب…
لا ارى جبران باسيل في بلّورتي السحرية، قال لا تريد ان تتنبأ له بأي شيء، “ليش مع انو رجال آدمي وصادق ومستقبلو مضمون بالسياسة” اسألها، عبقت داخل البلّورة، المحتالة تفهم في السياسة أكثر مني وفي الصورة بدا صهر الفخامة متقلّداً وشاح رئاسة الجمهورية المتبقي من مقتنيات عمه، ويقف امام مرآة ضخمة متوجاً نفسه رئيس جمهورية أحلامه، واذ بالأحلام تهرب وهو يلحق بزاف فستانها الممزق الى منتهى الدهور…
ارى علي حسن خليل فاراً من السجن، ومحمد رعد يضحك، ونعيم قاسم مبحوح الصراخ والتطرف، ووزير الطاقة من دون شعره المصفصف الجميل، ووزير الداخلية يتجول على حمار اسود انعاشاً للتراث، ووزيرة … اه ما عناش وزيرة، ووزير الاقتصاد يعلن انخفاضاً جنونياً بالأسعار، ووزير المال يوزع الدولارات على الناس، ومصرف لبنان ينهي كل مقرراته الجنونية بشأن المودعين معلناً لهم افتتاح مصارف جديدة في كل بيت لبناني عريق، وارى شعب لبنان العظيم يحمل العصي والمكانس والاحذية والحجارة وكل ما تيسر من اسلحة مشابهة، ويطارد “رجال” السلطة والمحتلين في زواريب القرى والمدن…
بلورتي يا بلورتي اظهري لي صورة لبنان بالإجمال… لا تجيب. الو بلورتي…
“هيدي سنة الحلاقة ع الناعم يا حلوتي”… غريب تراني حلوة! طيب شو رح يصير؟ مين رح يحلق لمين؟ “اذهبوا الى الانتخابات واقترعوا بكثافة وسترين صورة لبنان المناضل من دون جميلتي”… اممم تجيد بلورتي السحرية الكلام في النضال والمقاومة وتلك المعاني الكبيرة، “انتِ سألتي وانا جاوبتك” صرخت بغضب! لاه لاه دخيلك بدنا رضاك بس طمنيني مين رئيس الجمهورية الجديد؟ تصمت، “اقترعوا جيدا بتحصلوا على الرئيس لـ ببالك”… قرأت افكاري الخطيرة…