شعار ناشطون

10 سنوات على رحيلها… الشحرورة التي واجهت قسوة الحياة بابتسامة

27/11/24 01:54 pm

<span dir="ltr">27/11/24 01:54 pm</span>

مثلما ولدت في العاشر من نوفمبر/تشرين الثاني، رحلت في الشهر نفسه، في السادس والعشرين، أي مثل هذا اليوم من العام 2014، عن عمرٍ شارف على التسعين، ومسيرةٍ حافلة سواء على المستوى الفني أم المستوى الإنساني. إنها جانيت جرجس فغالي المشهورة باسم “صباح”، صاحبة الألقاب الكثيرة شمس الشموس، وصوت لبنان، وشحرورة الوادي التي انطلقت من مصر لتجوب سماء الفن والشهرة والموضة أيضا.

عاشت الشحرورة حياة صاخبة ما جعلها عُرضة لكثير من الشائعات، ولم تنفك الصحافة عن تتبعها أينما ذهبت وكثيرا ما احتلت الصدارة في الترندات بمقاييس زمنها، خصوصا مع قصص الحب والزيجات المتكررة التي صاحبتها في رحلتها حتى سنواتها الأخيرة.

خلال مشوارها الفني على مدار ستة عقود قدمت صباح ما يعادل سنوات عمرها من الأفلام، يُعد الكثير منها من المحطات البارزة في السينما المصرية، من بينها: “الرجل الثاني”، “العتبة الخضرا”، “خطف مراتي”، “الأيدي الناعمة”، لكنّ عطاءها لم يقتصر على السينما، فقد قدمت عددا من المسرحيات والعروض والدراما الإذاعية، ناهيك عن المئات من الأغاني تجاوزت الثلاثة آلاف في بعض الروايات، ومن خلالها تعاونت مع غالبية الملحنين في العالم العربي من مختلف الأجيال.

بخلاف ذلك، يحتوي رصيد صباح على عدد ضخم من الحوارات المسجلة سواء في الإذاعة أو التلفزيون ناهيك عما نشر في الجرائد والمجلات، تروي فيها مشوارها الفني والحياتي من مختلف الأوجه، جاء ذلك في صالح التوثيق الدقيق بالطبع؛ إلا أنه صنع ما يشبه التضاربات خصوصا على الجانب الحياتي، فنراها تُنكر واقعة ما على سبيل المثل ثم تقرها بعد سنوات في لقاء جديد، وقد أتاح هذا المناخ مادة خصبة لصناع مسلسل يتناول حياتها تم عرضه سنة (2011) بعنوان “الشحرورة” وقامت المغنية اللبنانية كارول سماحة بتجسيد دور صباح وهو ما لم ترضَ عنه الأخيرة، خصوصا وأن صباح لم تبتعد كثيرا -في مجمل ما قدمت- عن دور الجميلة خفيفة الظل، سواء كانت فتاة أو في المراحل اللاحقة كزوجة وأم، الأمر الذي لم تعكسه سماحه على أي حال. بطولة مبكرة

تعرفت “صباح” على موهبتها في فترة مبكرة، فكثيرا ما شاركت بالغناء والرقص والتمثيل في المسرحيات المدرسية التي كانت تُعقد كل عام، حينها تعلقت بإحدى معلماتها من الراهبات ما دفعها للتفكير في خوض حياة الرهبنة، إلا أن الفن كان ملحا عليها في ذات الوقت فتركت الموضوع برمته للصدفة؛ أي من الطريقين سيفتح لها الباب أولا ستسلكه وهو ما كان.

في صبيحة أحد الأيام ذهبت لاختبار الإذاعة بعدما عرفت بحضور الفنان فريد الأطرش ضمن اللجنة المقيمة للأصوات، غير أن فريد لم يُعجب بصوتها الذي وصفه بـ “الصغير” كما تقول. لم يكن أمام الفتاة حينئذ سوى أمرين: الانتهاء من نوبة البكاء التي استولت عليها ثم مواصلة الطريق وكأن شيئا لم يحدث. غير أنها لم تستطع أن تنسى هذا الموقف لفريد، فقط انتظرت حتى حانت الفرصة وعُرض عليها مشاركة ملك العود في باكورة تعاونهما معا سنة (1948) فاشترطت أن يُكتب اسمها قبل اسمه على الأفيش، وهو ما كان في فيلم “بلبل أفندي”.

بخلاف عدد من الأغنيات التي لحنها لها فريد، لم ينقطع التعاون بينهما سينمائيا، حيث اشتركا في بطولة فيلمين آخرين وهما: “لحن حبي”(1953) و”ازاي أنساك”(1953) الذي جمع بينهما في الدويتو الشهير “هو بس هو”.حظيت صباح بالبطولة منذ بدايتها وكانت خطواتها نحو الفن أشبه بقفزات متتالية، في الخمسينات على سبيل المثل تُسجل ما يقارب ثلث رصيدها الفني وهي الفترة التي شهدت ازدهارا في السينما المصرية والفيلم الغنائي والاستعراضي، ما يستدعي على الفور واحدا من أبرز الأسماء في هذا المجال، الفنان “محمد فوزي”. تعاونت “صباح” مع أمير البهجة في سبعة أفلام بداية من “عدو المرأة”(1946) مرورا بـ: “الآنسة ماما. ثورة المدينة”. فاعل خير” وفيه قدما الدويتو الشهير “مثلا”.

كما اشتركت في بطولة مجموعة كبيرة من الأفلام مع أشهر نجوم السينما المصرية مثل: أنور وجدي، أحمد مظهر، شكري سرحان، كمال الشناوي، أحمد رمزي… ومن بعدهم مثلت مع عمر خورشيد ومع حسين فهمي، بطل فيلمها “ليلة بكى فيها القمر”(1980) الذي تتقاطع قصته الى حد كبير مع قصة حياتها الشخصية.

من ضمن المطربين الذين تعاونت معهم: فهد بلان، سعد عبد الوهاب، محرم فؤاد، وعبد الحليم حافظ الذي شاركته البطولة في فيلم “شارع الحب”(1959)، في حديثها المطول مع الإعلامية “صفاء أبو السعود” ببرنامج “ساعة صفا”، تحكي “صباح” عن بوادر قصة حب بينها وبين العندليب لم تكتمل وانتهت بانتهاء الفيلم، حيث كانت دائمة البحث عن الحب وطالما رغبت في الاستقرار وتكوين أسرة وربما هذا ما يُبرر عدد زيجاتها المتعددة بداية من أول حب كبير –كما تصف- مع الكاتب “موسى صبري”، وحتى زواجها الأخير من “فادي لبنان” الذي قضت معه أكبر فترات زواجها “17 سنة”، ويبقى ارتباطها بالفنان “رشدي أباظة” من أشهر وأهم المحطات في حياتها، حتى أنها تُشير في حوار سابق بأنها لم تندم سوى على قرار الانفصال عن أباظة. فن العيش

ولدت “صباح” سنة (1927) في قرية “بدادون”، إحدى القرى الصغيرة التابعة لمحافظة جبل لبنان والتي لا تبتعد كثيرا عن العاصمة بيروت، عمها هو الشاعر “أسعد الخوري فغالي” الملقب بـ “شحرور الوادي” وفي ذلك ينسب البعض لقب الشحرورة إلى عمها.

ارتبطت “صباح” بعمها مثل جميع أخوتها، باعتباره القائم على نفقاتهم ومستلزماتهم المعيشية؛ فمن الواضح أن أباها، إلى جانب قسوته المفرطة، لم يوفر لأسرته الأمان اللازم، لذلك اضطرت إلى العمل بعد موت العم مبكرا كما نقرأ في أكثر من حوار.

تتذكر مرة مرضت فيها وطلبت الدواء من أبيها فاشتراه بالفعل لها وحين علم بفلسها عاد بالدواء مرة أخرى، وهو ما ربى فيها شعورا بالمسئولية تجاه أفراد أسرتها فيما بعد؛ كتعويض عما افتقدته من أمان.

لم تُنجب “صباح” سوى مرتين، الأولى من زوجها نجيب شماس والد ابنها “صباح شماس” طبيب نفسي، أما المرة الثانية فكانت من عازف الكمان المصري أنور منسي والد ابنتها “هويدا” التي غنت لها “حبيبة أمها وأمورتي الحلوة”، وربما لا يعرف البعض أن الأخت الكبرى لصباح هي الفنانة اللبنانية “لمياء فغالي” التي انحصرت شهرتها داخل لبنان، إلا أن غالبية من تعاملوا مع صباح وعرفوها عن قرب، أجمعوا على أنها كانت مُحبة للحياة لدرجة جعلتها تنتصر على المرض والشيخوخة، بل وتتحدى الموت؛ حيث أوصت بأن تزف إلى قبرها على خلفية موسيقية دون بكاء أو عويل كمن يحتفي ببهجة الحياة حتى لحظة الخروج منها، وهو ما كان.

تابعنا عبر