منير الربيع – المدن
برّي يخلع قفازاته
منذ اليوم الأول لانتخاب ميشال عون رئيساً للجمهورية، كان برّي يعلم أنه على رأس قائمة المستهدفين سياسياً: لموقفه المعارض للتسوية حينها، ولخلافاته العميقة والمتجذرة تاريخياً مع عون، ولما يعتبره نزعة عون الانتقامية من الطائف وفريقه وأركانه.
“نسائم” 6 شباط
فعون حاول تكريس “ثلاثية جديدة بينه وبين حزب الله وسعد الحريري”. وعانى نبيه برّي ما عاناه طوال السنوات الفائتة من عون والعونية، وخصوصاً في فترة الانسجام والوئام بين سعد الحريري وجبران باسيل. وصبر برّي على الضيم، فكتم غضبه وعضّ على الجرح، واستمرّ.
حالياً عاد الحريري إلى ثوابته، ليلتقي تماماً مع توجه رئيس مجلس النواب: التفاهم والتسويات مع عون وباسيل تبدو شبه مستحيلة وشاقة وتستنزف الآخرين.
وفي كل لحظة، خطرت على بال رئيس حركة أمل العودة إلى تجربة 6 شباط. لكن الظروف مختلفة تماماً.
وكان البيان الذي أصدره المكتب السياسي لحركة أمل قوة الدعم الأساسية للحريري: التأكيد على تشكيل حكومة اختصاصيين بلا الثلث المعطّل. والتأكيد هذا موجّه ضد كل من رئيس الجمهورية وحزب الله، بعد دعوة حسن نصرالله إلى حكومة تكنوسياسية أو سياسية، هدفها، حسب الثنائي برّي–الحريري، تعويم جبران باسيل سياسياً.
وهذا أمر يراه برّي من سابع المستحيلات. فهناك جدول طويل على دفتر حساب رئيس المجلس، وأصبح لا بد من سداده وبمفعول رجعي، منذ ما قبل وصفه بـ”البلطجي”.
نشوة باسيل ودماره
أثناء نشوة جبران باسيل بالتسوية الرئاسية، وحصوله على أكبر كتلة نيابية في المجلس النيابي، هناك من توجه إليه بنصيحة، لفهم حقيقة تركيبة البلد وتوازناته وعدم القفز فوقها، فقال له الناصح: “ممارساتك تؤدي إلى وقوعك وارتطامك بالأرض. أنت تجعل من نفسك عنصراً ثقيلاً جداً يلقي بثقله الكامل على ركن طائفي واحد. والمقصود سعد الحريري. وفي المقابل، تضع نفسك في مناطحة ركن آخر في طائفة آخرى، أي نبيه برّي”.
واستكمل ناصح باسيل قائلاً له: “في حال ضعف الأول أو سقط، ستسقط معه. ويكون سقوطك أقوى. وإذا ذهبت بعيداً في مناطحة الثاني تضرب رأسك بالحائط. وفي الحالتين ستقع وتفقد توازنك”.
ربما وصل باسيل إلى ما قاله له ذاك الناصح. فما أن استقال الحريري من رئاسة الحكومة، وخرج من التسوية الرئاسية، حتى تلقى باسيل ضربة قاصمة. وفي محاولاته مناطحة برّي لم يضرب إلا نفسه.
اتفاق عون ونصرالله
والضربات يدفع باسيل ثمنها مع العهد ورئيس الجمهورية، ومعهما حزب الله. وكانت جلسة مجلس النواب أمس بالغة الوضوح: لقد خلع الرئيس برّي قفازاته. وحتى رئيس حكومة تصريف الأعمال نال نصيبه، وبمفعول رجعي أيضاً.
فالمواقف التي أطلقها نبيه برّي رداً على دياب، تضمنت رداً مباشراً وغير مباشر على حزب الله ورئيس الجمهورية. وهو قال إن الدعوة إلى تفسير الدستور كناية عن “حكي تركي”. فالدستور واضح، إلا إذا كان الهدف “تغيير الدستور”. وهذا أمر غير موجود في قاموس برّي، وفق ما قال.
وموقف رئيس المجلس هذا يتعارض مع رغبة حسن نصرالله، الذي دعا في خطابه الأخير إلى تفسير الدستور أو سد بعض الثغرات فيه. وكذلك أعلن برّي تمسكه بالحدود الضيقة لتصريف الأعمال، بعكس مطالبات عون وحزب الله بإعادة تفعيل حكومة تصريف الأعمال.
إنها معركة واضحة المعالم يخوضها نبيه برّي على نحو لا رجعة فيه. وهي معركة استعادة التوازن. وتثبيت مرتكزات أساسية، ليس فقط في ظل الخلافات القائمة على ملفات متعددة، إنما أيضاً من خلال مبادرته لتشكيل الحكومة.
ولا تزال محركات برّي تشتغل، على الرغم من الرفض الأولي لمبادرته التي تقضي بتشكيل حكومة من 24 وزيراً موزعة على “3 ثمانات” بلا ثلث معطل. وحسب المعلومات، يستكمل برّي اتصالاته في سبيل بلورة تفاهم حول هذه الصيغة. وهو حتماً يواجه المساعي المصرة على سحب تكليف الحريري، مستنداً على الدستور وعلى موقفه الثابت.
ولدى محاولة عون توجيه دعوة لعقد لقاء بالكتل النيابية للبحث في مسألة إعادة النظر بتكليف الحريري، أو بإرسال رسالة إلى البرلمان تضع النواب أمام مسؤوليتهم، كان رد برّي حازماً. وهذا ما دفع أحد السفراء إلى القول: “العقبة الوحيدة أمام تنفيذ انقلاب على سعد الحريري هو نبيه برّي. إنه المايسترو الذي يدير المعركة”.