
كتب جورج شاهين في “الجمهورية”:
بعد 11 يوماً أُعلن وقف لإطلاق النار في قطاع غزة وعموم اسرائيل، من دون اي اتفاق يوحي بالنتائج التي انتهت اليها هذه الجولة من العنف. ولذلك توقفت المصادر الديبلوماسية امام إعلان كل من طرفي النزاع انتصاره. فأطلّ رئيس الحكومة الإسرائيلية ووزير دفاعه على الشاشات، لتعداد الأهداف التي تحققت، من دون ان يقنع احداً من مواطنيه، تزامناً مع اعلان المنظمات الفلسطينية وحلفائها انتصارهم فوق أشلاء الضحايا. فما الذي تعنيه هذه المعادلة؟
جزم تقرير ديبلوماسي ورد من إحدى العواصم الغربية قبل أيام، بأنّ الحرب الدائرة في غزة وغلافها، امتداداً الى مساحة واسعة من اسرائيل، هي الاولى من نوعها في شكلها ومضمونها، وهي حتى الامس القريب بلا أفق سياسي، ولن تكون لنتائجها اي ترجمة فعلية سريعة على أرض الواقع. وإن تمّ التوافق على موعد لوقف النار فإنّه لن يعقبه اي تفاهم في المرحلة الراهنة، يتجاوز وقف العمليات العسكرية، في انتظار ما ستحمله الساعات والأيام المقبلة من تطورات.
قال التقرير ما معناه، انّ وقف النار هو الإنجاز الوحيد المتاح. وقد تقرّر موعده من قبل، عندما اعطى الرئيس الاميركي جو بايدن ما يشبه المهلة منذ مساء الثلثاء الماضي بالتوقيت الأميركي لوقف العمليات العسكرية مساء الخميس، من دون ان يقدّم اي صيغة حل تتجاوز هذا الاتفاق حصراً. ولذلك انصبّت الاتصالات الاميركية مع الجانب الاسرائيلي عبر الوسيط المكلّف هذه المهمة هادي عمرو، فيما تعهّد الجانب المصري بتسويق التفاهم مع المنظمات الفلسطينية لاحترام هذه المهلة، وهي عملية انتهت بتحديد الثانية فجر امس الجمعة ساعة الصفر لوقف العمليات العسكرية. فالتزمت به اسرائيل من طرف واحد لساعات قليلة، سبقت تأكيد المنظمات الفلسطينية التي تخوض المواجهة بالموعد عينه. ولم يخف الطرفان نيتهما بربط اي تعهّد بعيد المدى بوقف النار، بالتزام الطرف الآخر بصيغة متبادلة تلخّصها مقولة كل طرف للآخر «إن عدتم عدنا».
استند التقرير الذي صيغ بلغة «التوقعات المقدّرة» الى مجموعة من العناوين التي قد تساهم في تحقيق هذه المرحلة من أجل وقف العمليات العسكرية الى حين، من دون اي إشارة الى اي تفاهم سياسي يمكن ان يُلزم طرفي النزاع، وهو ما سمح لهما بتقدير الموقف واعلانهما في وقت واحد انتصارهما، من دون وجود اي خاسر سوى من دفعوا الثمن غالياً من أرواحهم وأملاكهم ومقتنياتهم على مساحة النزاع بينهما.
والى هذه المعادلة، فقد استندت التوقعات التي صَدَقت الى بعض العناصر التي قدّمت وقف النار كخطوة اولى لا بدّ منها على ما تليها من خطوات وفق الآتي من المعطيات:
– سدّدت واشنطن قبل وقف النار بأيام جزءاً من فاتورة الحرب الاسرائيلية، ومنحت الدولة العبرية ما يقدّر بـ 750 مليون دولار من الأسلحة الصاروخية المتطورة والدقيقة، بعدما قدّر الجانب الاسرائيلي الجزء الاول من الكلفة بما يقدّر بنحو مليار و250 مليون دولار، قبل تقدير حجم الأضرار التي تسببت بها صواريخ القطاع على مدنها ومستوطناتها، بالإضافة الى تلك غير المنظورة التي طاولت مؤسساتها التي تعطّل العمل فيها، بما في ذلك تجميد حركة الطيران وغيرها من وجوه الحياة اليومية، التي شلّت عمق اسرائيل للمرة الاولى في تاريخ نزاعها مع العرب.