منير الربيع – المدن
بعبارة “الصمت أفضل الكلام”. أجاب أحد الرؤساء المعنيين بالتفاوض مع المبعوث الأميركي آموس هوكشتاين للوصول إلى وقف لإطلاق النار. اختيار الصمت له مدلولات كثيرة أبرزها أنه عندما تصل المفاوضات إلى الجوانب التفصيلية والدقيقة، يحرص المتفاوضون على عدم تسريب أي أجواء لتدعيم مسار التفاوض، وفق قاعدة الاستعانة على قضاء الحوائج بالكتمان. يُرفق الصمت ببث بعض أجواء التفاؤل حول إحراز تقدّم، وحول المدة التي مكثها المبعوث الأميركي مع رئيس مجلس النواب نبيه بري وهي مدّة طويلة تجاوزت الساعة ونصف الساعة جرى خلالها النقاش المفصّل في كل النقاط العالقة. أبدى هوكشتاين الاستعداد للبقاء في بيروت حتى يوم الأربعاء طالما أن العمل مستمر والتفاوض متواصل لإنتاج صياغة جيّدة لنص الاتفاق.
التفاؤل الحذر
ما بعد إنهاء هوكشتاين إجتماعه برئيس المجلس، خرج بتفاؤل حذر، مشيراً إلى أن هناك فرصة جدية للوصول إلى وقف إطلاق النار، وأنه يسعى إلى تضييق الهوة وقرار وقف الحرب لدى الطرفين أي لدى إسرائيل وحزب الله، لكنه أشار إلى تحقيق تقدم وتحدث بنفحة إيجابية. الكلام الإيجابي على لسان هوكشتاين وبعد لقائه برّي يصب في صالح لبنان لجهة عدم اتهامه بعرقلة الاتفاق وتعطيله، لا سيما أن الطرف اللبناني كان يتمسك بضرورة الحصول على ضمانة بموافقة إسرائيل على الاتفاق. الرئيس نبيه بري تحدّث عن إيجابية في مسار التفاوض، وعن الاقتراب من معالجة النقاط العالقة التي تحتاج إلى صياغات وتوضيحات، مؤكداً مجدداً أن الكرة في ملعب الإسرائيليين ومدى التزامهم بالاتفاق وعدم الإخلال به.
جديّة أميركية
وتقول مصادر متابعة لمسار المفاوضات إن جو التفاوض والنقاش مع هوكشتاين كان إيجابياً، وتم إحراج تقدّم في عملية ردم الفجوات، وتقليص الفوارق، وجميعها تتمحور حول تطبيق القرار 1701، إذ أن لبنان يشدد على أن تكون كل البنود وصياغتها منبثقة من القرار 1701 لا إدخال نص جديد. بعد اجتماع هوكشتاين وبري، عقد اجتماع تقني آخر بين ممثلين عن الجانبين لمواصلة النقاش التقني والتفصيلي في الآليات والصياغات. وستبقى الاتصالات مستمرة إلى حين الوصول إلى صيغة نهائية يتم اعتمادها بموافقة الطرفين وبعدها ينتقل هوكشتاين إلى تل أبيب لنقل الصيغة والتفاوض مع الإسرائيليين بشأنها والسعي للضغط عليهم للموافقة عليها.
جاء هوكشتاين مع فريقه التقني على متن طائرة خاصة بتوجيهات من الرئيس الأميركي جو بايدن، وهو ما أضفى مزيداً من الجدّية على المسار الأميركي الضاغط لتحقيق وقف إطلاق النار، ولذلك أصر هوكشتاين على المكوث في بيروت حتى يوم الأربعاء للانتقال إلى إسرائيل وهو ما تقرأ فيه مصادر لبنانية رسمية بأنه محاولة جدية لإنجاز الاتفاق، ولكن أيضاً تبقى المسألة متعلّقة بما سيقرره الإسرائيليون.
أكثر النقاط التي حظيت بنقاش وجدل وكانت بحاجة إلى إعادة صياغة، هي النقاط المتعلقة بـ
1- جدية الالتزام بوقف إطلاق النار من قبل الطرفين.
2- خطة انتشار الجيش في الجنوب وأين سينفذ انتشاره وفي أي مواقع متقدمة وهذه مسألة مرتبطة بأمور لوجستية وعسكرية.
3-عمل قوات الطوارئ الدولية، بمعنى عدم توسيع صلاحياتها لتبدو وكأنها تعمل وفق البند السابع.
4- النقطة المتعلقة بالدفاع عن النفس من قبل الطرفين، والتي بحسب المعلومات جرى تجاوزها بصيغة أن أي طرف يحق له الدفاع عن نفسه في حال تعرّض لاعتداء، مع ضمانات أميركية بعدم إقدام إسرائيل على عمليات استباقية وهذا أكثر ما احتاج إلى توضيحات في الصياغة.
5- لجنة المراقبة والتي واصل الأميركيون الضغط في سبيل إدخال بريطانيا إليها ليكون هناك توازناً بين البريطانيين والفرنسيين في اللجنة فتبقى أميركا حكماً وحاكماً.
6- بما يتعلق بالصيغة حول عمل الجيش اللبناني وحصر السلاح بيد الدولة وتفكيك الجيش للبنى التحتية العائدة لحزب الله، أصرّ لبنان على اعتماد الصيغة التي اعتمدت بالقرار 1701 لجهة حصر السلاح بيد الدولة والقرار 1559، لأن الصياغة التي وردت في المقترح الأميركي حول الجيش تستخدم عبارة “تدمير” مواقع حزب الله، وهذه لا يريدها لبنان، كما أن هناك ملاحظة على كيفية اعتماد الإشارة إلى القرار 1559، وهو ما احتاج الأمر المزيد من النقاش في سبيل إنضاج صياغته.
7- نقطة ترسيم الحدود البرية. فلبنان شدّد على التمسك بالحدود الدولية المعترف بها، والعمل على تثبيتها بدلاً من الدخول بما يتعلق بالحدود، فإن لبنان يتمسك بالحدود الدولية والمفروض هو مطابقة الحدود وتثبيتها وفق الحدود الدولية.
أجواء إسرائيلية متناقضة
على الضفة الإسرائيلية هناك اتجاهان مختلفان، الأول يعتبر أن نتنياهو لن يستجيب لكل هذه المحاولات وهو مصرّ على مواصلة الحرب، فيما هناك اتجاه آخر يعتبر أن الظرف سانح لإبرام الاتفاق وأن الفرصة مؤاتية لإسرائيل للخروج من هذه الحرب، ومن الواضح أن هوكشتاين من مناصري وجهة النظر الثانية والمعتقدين بها.
الأجواء المتناقضة في إسرائيل تدفع بالكثير من المسؤولين إلى الإصرار على عدم انسحاب سريع للجيش الإسرائيلي من لبنان، وعدم توفير العودة السريعة لسكان الجنوب، وأن الجيش الإسرائيلي يجب أن يبقى لمدة ستين يوماً للتأكد من تفكيك البنى التحتية لحزب الله، والتمسك بضمان تفكيك هذه البنى وعدم إعادة حزب الله إنشائها أو تعزيزها، كما أن الإسرائيليين يتحدثون بشيء يشبه حديثهم حول قطاع غزة، بمعنى أن انسحابهم من جنوب لبنان يجب أن يترافق مع معرفة الجهات العسكرية التي ستضمن الأمن والاستقرار من خلال سيطرتها على المناطق الجنوبية. مثل هذه التفاصيل، كما غيرها، يمكن أن يستند عليها نتنياهو للإطاحة بالاتفاق.