مع اقتراب تاريخ انتهاء العقد الموقع بين لبنان والعراق في تشرين الأول المقبل وتؤمن بموجبه بغداد الفيول العراقي لزوم معامل مؤسسة كهرباء لبنان، تستمرّ المساعي الهادفة الى تجديد هذا العقد في الوقت الذي يسابق فيه لبنان الوقت قبل الدخول في العتمة الشاملة نهاية أيلول المقبل في غياب الموافقة النهائية للبنك الدولي على الأموال اللازمة لتمويل شراء لبنان الغاز المصري لزوم معمل دير عمار واستجرار الكهرباء الأردنية.
سعى المديرُ العام للأمن العام اللواء عباس إبراهيم في بغداد التي زارها منتصف الأسبوع الى المساعدة في تسريع مسار تجديد عقد الفيول العراقي لصالح مؤسسة كهرباء لبنان وطلب لبنان زيادة الكميات المتفق عليها في الاتفاقية السابقة، بالإضافة إلى إمكانية الحصول على كمّياتٍ من الطحين، وهو ما بحثه مع رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي وعدد من المسؤوليين العراقيين إضافةً الى ملفاتٍ أخرى على مستوى العلاقات الثنائية.
اللواء إبراهيم الذي كان قد وعد خلال ندوة عقدتها نقابة المحامين في طرابلس والشمال بأن لبنان لن يدخل في العتمة الشاملة في الأشهر المقبلة، لمّح الى المساعي الجادة التي يقوم بها مع الجانب العراقي لتجديد العقد الموقع مع لبنان. وبحسب المعلومات، يبدي المسؤولون العراقيون إيجابية في التعاطي مع هذا الملف ويؤيدون تجديد العقد لتبقى الكلمة الفصل لرئاسة الحكومة العراقية والرئيس مصطفى الكاظمي كما أكد المسؤولون العراقيون انفتاحهم على زيادة كميات الفيول الى لبنان ضمن ضوابط معينة بالتوازي مع تطوير الاتفاق مع لبنان لتأمين استمرارية مفيدة للطرفين سواء لجهة حجم الكميات المرسلة وقدرة لبنان على التمويل، حيث يشدد الجانب العراقي على ضرورة أن يكون للاتفاق مع لبنان ضوابط تستطيع بموجبها الحكومة العراقية أن تقوم بإدارة للمخاطر المالية التي تترتب على الاتفاقية من ضمنها سعر الصرف والتأخير في الدفع، كما ينتظر الجانب العراقي من الحكومة اللبنانية عرض آلية معيّنة ومنهجية لتطوير هذه الاتفاقية وتمديدها زمنياً وإمكان زيادة الكميات شرط أن يلتزم الجانب اللبناني بما وعد به.
ينتظر لبنان حالياً الجواب العراقي الرسمي النهائي على أن يأتي من رئاسة الحكومة العراقية، في الوقت الذي تستمر فيه وزارة الطاقة والمياه في البحث عن مصادر أخرى لتأمين الفيول أويل لزوم معامل الكهرباء في ظل استمرار الغموض حيال قرار البنك الدولي تمويل شراء الغاز المصري والكهرباء الأردنية. فحتى الساعة لا جديد على صعيد قرار البنك الدولي حيال تقديم التمويل للبنان والحجّة استمرار المؤسسة الدولية بدراسة الجدوى السياسية لهذا التمويل بالإضافة الى انتظار مزيد من الإجراءات المطلوبة من وزارة الطاقة والمياه. وتعود مصادر وزارة الطاقة والمياه لتؤكد استحالة بدء مسار حلّ أزمة الكهرباء من دون تعديل التعرفة، فيما يُعدّ رفع التعرفة موضوعاً سياسياً، فإن لم يتم الاتفاق على تعرفة تُغطّي الكلفة لتأمين الكهرباء فـ”ما في كهرباء”. وتؤكد المصادر استحالة رفع التعرفة قبل زيادة التغذية وبالتالي يجب الحصول على أموال البنك الدولي لشراء الغاز المصري والكهرباء الأردنية واستمرار الحصول على الفيول العراقي ليتم بالتوازي زيادة التعرفة ما يعني حكماً تراجع فاتورة المولدات الخاصة، وإلى جانب التعرفة يجب تحسين الجباية ووقف الهدر على الشبكة. في المقابل ما زالت مصر تنتظر الحصول على الضمانات الأميركية “مكتوبة” لضمان عدم ملاحقة أي من الشركات المصرية بتهمة خرق قانون قيصر لبدء ضخ الغاز المصري عبر الخط العربي بعد الإفراج عن الأموال من البنك الدولي.
حالياً يسعى وزير الطاقة والمياه في حكومة تصريف الأعمال وليد فياض للبحث عن مصادر أخرى يمكن أن تؤمن الفيول للبنان بأسعار تنافسية يمكن تحمّلها بالتوازي مع زيادة التعرفة ومنها مثلاً شركة سوناطراك الجزائرية حيث كان تواصل فياض مع وزير خارجية الجزائر لبحث إمكانية التعاون في هذا المجال بعد حل الأزمة القائمة حالياً بين الدولة اللبنانية وسوناطراك، ولهذه الغاية يزور فياض الجزائر قريباً.
بالعودة الى واقع “الكهرباء” حالياً في لبنان، فقد علمت “النهار” أن آخر باخرة محمّلة بالفيول العراقي تصل الى لبنان الأسبوع المقبل ليكون العراق التزم بالعقد الموقع مع الحكومة اللبنانية ليبدأ لبنان بتسديد مستحقاته للعراق مطلع شهر أيلول المقبل بعد الاستفادة من سنة فترة السماح التي حصل عليها بموجب العقد مع العراق، ليبدأ العراق أيضاً الاستفادة من الأموال التي يجري إيداعها على مراحل في حساب يعود للبنك المركزي العراقي لدى مصرف لبنان، لتُصرف هذه الأموال بالليرة اللبنانية على أساس سعر صرف منصّة صيرفة وتُنفق في الداخل اللبناني ضمن الشروط والمتطلبات العراقية.
تؤكد مصادر وزارة الطاقة لـ”النهار” أن آخر باخر محمّلة بالفيول العراقي تصل الى لبنان بحمولة تقارب 35 ألف طن تكفي بالكاد حتى نهاية شهر آب المقبل. فمصير العتمة رهن نجاح المساعي في العراق بالإضافة الى إفراج البنك الدولي عن الأموال لاستجرار الغاز المصري والكهرباء الأردنية وإصدار الإدارة الأميركية الإعفاءات المطلوبة من قانون قيصر وهو ما لا يلوح في الأفق حتى الساعة. وتستمر مؤسسة كهرباء لبنان في اتخاذ إجراءات احترازية إضافية لتفادي العتمة ولإطالة فترة إنتاج الطاقة في حدّها الأدنى قدر المستطاع، وذلك الى حين وصول وتفريغ شحنة “الغاز أويل” المخصصة لشهر آب 2022 مع نفاد الجزء الأكبر من حمولة باخرة شهر تموز ما يحتّم على المؤسسة وضع معامل خارج الخدمة مرحلياً للمحافظة على ديمومة إنتاج الطاقة في الحد الأدنى للفترة الممتدة الى حين البدء باستعمال حمولة الناقلة البحرية المخصّصة لشهر آب 2022، ولمنع الانقطاع التام للتغذية ولا سيما عن المرافق الحيوية الأساسية في البلد مثل المطار والمرفأ ومضخات المياه والصرف الصحي والأهم أن عدم الاستقرار والثبات في الشبكة الكهربائية، يعرّضها لعدة انقطاعات عامة قد تتكرّر في بعض الأحيان عدة مرات في اليوم الواحد.