كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
حين أعدت مرسوم تعيين اعضاء مجلس القضاء الأعلى كانت وزيرة العدل تتوقع ان المرسوم يمكن ان يحارب بالسياسة “لانو ما اشتغلتو بالطريقة التقليدية” لكنها “صُعقت بما سمعته”، ما دفعها الى القول”عيب ما قيل عن القضاة الأربعة، وما منعرف من مين، وأخبار مكبوبة بالطالع والنازل”. “لوين واصلين؟” تسأل مستغربة كيف “نستدرج السياسة عالقضاء ! وبعد هيك منستغرب انو هيك نظام ما بيفرز إلا هيك نتايج….” لتكون خلاصتها أن “المشكلة مش رح تنحل اذا القضاء بالذات ما بدو يتحرر”.
قبل انتهاء المهلة بأربعة أسابيع أبلغت وزيرة العدل ماري كلود نجم رئيس الجمهورية العماد ميشال عون ورئيس حكومة تصريف الاعمال حسان دياب بضرورة حسم تعيينات مجلس القضاء الأعلى وتجنب الوقوع في الفراغ.
يتألف مجلس القضاء الأعلى من 10 أعضاء، مناصفة بين مسلمين ومسيحيين. 3 قضاة هم حكماً أعضاء في المجلس وهم رئيس التفتيش القضائي القاضي بركان سعد، مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات، ورئيس المجلس القاضي سهيل عبود. وكان يجب انتخاب عضوين وتعيين 5 أعضاء آخرين. في الشق المتعلق بالعضوين المنتخبين من محكمة التمييز، تم انتخاب قاضٍ واحد من المذهب الدرزي كونه القاضي الوحيد الأصيل (أي معين بمرسوم جمهوري) فيما بقي المقعد المنتخب الثاني فارغاً بعد انسحاب القاضي جمال الحجار لان السنة ممثلون بالمجلس بشخصين وبالتالي اعلن عدم ترشيحه ففاز المرشح الدرزي بالتزكية. أما في ما يتعلق بالقضاة الخمسة الذين يعينون بمرسوم عادي فقد أرسلت وزيرة العدل الى دياب مرسوما لتوقيعه، وعينت من خلاله 4 أسماء كون القاضي الخامس يجب أن يكون من محكمة التمييز و”أصيل” وهو ما ليس متوفراً. لكن دياب ولغاية اليوم لم يوقع المرسوم الذي جوبه بهجوم عنيف بينما انتهت ولاية مجلس القضاء الأعلى ودخلنا في شغور في المجلس في سابقة خطيرة توازيها السجالات القضائية التي تهدد الجسم القضائي ومصداقيته.
تستغرب نجم الهجوم على الاسماء التي اقترحتها والتي لا تزال على قناعة انها تمثل خطوة مهمة.
في حديث لـ “نداء الوطن” تروي نجم كيف أعدت المرسوم وآلية اختيارها للقضاة وتقول: “انطلقت من عدد اكبر من الاسماء تحسباً لرفض البعض، ولحظت زيادة تمثيل العنصر النسائي طالما ان النساء يمثلن اكثر من خمسين بالمئة في سلك القضاء. وكان الهم الاساسي ان يكون ملف القضاة الذين اختارهم ابيض من ناحية المناقبية والنظافة والكفاءة والجرأة وأردت إدخال فكر جديد ودم جديد للمشاركة الفعالة في الورشة الضخمة للنهوض بالقضاء”، غير ان خياراتها ووجهت بموجة اعتراض وتعتبر “ان الهجمة سياسية ولا صلة لها بالاسماء المقترحة”.
لم يكن دياب مقتنعاً بالتعيينات من اساسها بوصف الحكومة مستقيلة “ويجب الا نسهّل لهم التأخير في تشكيل الحكومة”. موقف تفهمته نجم بالنسبة للضغط لتشكيل الحكومة غير ان “عملية التشكيل ليست متوقفة علينا، وما النفع ان ابقى في الوزراة اذا كنت اكتفي بممارسة صلاحية التوقيع على اجازات للموظفين ولكتاب العدل؟” وتقول “بالنسبة لي هناك استمرارية مرفق عام ولو لم انجز المرسوم لكانت قامت القيامة وكانت لتكون محقة، كانت معارضتهم واضحة وهجومهم منتظراً انما ليس لدرجة ان يتم تصنيف القضاة بما يلحق الضرر بالقضاء، ايا كان مطلقو الحملة والغريب ان لا احد يجرؤ على اعلان موقفه بالاسم لضعف حجته بدليل ان اي من المصادر لم يفصح عن هويته لضعف حجته”.
وتتابع “كنت عارفة انو ممكن يتحارب المرسوم بالسياسة، لانو ما اشتغلتو بالطريقة التقليدية، لكن صُعقت بما سمعته، عيب ما قيل عن القضاة الأربعة، وما منعرف من مين واخبار مكبوبة بالطالع والنازل، لوين وصلنا، منستدرج السياسة عالقضاء! وبعد هيك منستغرب انو هيك نظام ما بيفرز إلا هيك نتايج….”. برأيها ان هذا يدل على أن”المشكلة مش رح تنحل اذا القضاء بالذات ما بدو يتحرر” وتقول “انا مسؤول سياسي عم اضطر اطلع احكي كي أحمي القضاة من الافتراءات يللي طالتن وقول عيب الكذب، لازم المجلس يحميهن قبلي! انا مسؤول سياسي من سنة عم قول للقضاء تحرّر، بس وين القضاء؟”.
بدأت نجم وضع الاسماء بينما كانت تتلقى العلاج في المستشفى جراء اصابتها بكورونا “وحده المكان الذي لا اقابل فيه اي شخص. لم آخذ معي الا لائحة القضاة وعملت عليها بجهد، ولم اقف على رأي المرجعيات ولو فعلت ذلك لكنت حصلت على اسماء مرضى عنها، واعرف الاسماء التي لو اخترتها لرضي عنها الجميع. لم أعدّ مرسوماً ملغوماً بل مارست قناعاتي، وما المشكلة اذا تم تعيين قاضٍ لا يلتقي معك بالرأي وصوته يشكل واحداً من عشرة او من ثمانية؟”.
من المآخذ على نجم اعادة اقتراحها اسماء سبق ورفضت مثل القاضي سامر يونس وعدم مراعاة مسألة الاقدمية والعمر في التعيين وجوابها هو “المعطيات ليست ذاتها”. وتضيف “كان همي تشكيل مجلس فعال قادر على الخوض في الورشة القضائية المطلوبة وليس التسمية كيفما كان بل اردت اشراك من يتحلون بجرأة معينة ولذا كان القاضي سامر يونس من بينهم”.
منذ اللحظة الاولى ترى نجم أن العلاقة مع مجلس القضاء الاعلى “يجب الا يلغيها الاختلاف في الرأي وتقول: “امد يدي باستمرار الى مجلس القضاء لاننا محكومون بالتعاون. يوم انجزت التشكيلات القضائية كان يمكن ان تكون موضع مناقشة لنرى سوية كيف يمكن انقاذ القضاء تجنباً للوصول الى ما نحن بصدده”. لا تنكر أن الملاحظات التي وضعتها على التشكيلات اساءت للعلاقة بينها وبين مجلس القضاء الاعلى و”لكني اعتبرت ان انتهاء ولاية الاعضاء قد تكون مناسبة لطي الصفحة. وهل يجب ان يكون رأي وزير العدل كي يعملان لمصلحة القضاء؟ اعبر عن رأيي وامارس قناعاتي ولا اشتغل سياسة ولتتحمل كل جهة مسؤولياتها”.
تراهن نجم “على القضاء في التغيير لان الطبقة السياسية تعمل مصلحتها، لكن هل يريد القضاء تحريرنفسه ام لا؟ عملت ضمن استراتيجة على ثلاثة ملفات: القوانين من خلال استقلال السلطة القضائية و كنت من الداعين لانتخاب كل اعضاء مجلس القضاء الاعلى، فليسأل رئيس اللجنة البرلمانية النائب جورج عدوان عن مواقفي وعن مواقف ممثل مجلس القضاء الاعلى عن هذه المواضيع”، وبعد ما لمسته خلال الاشهر الاخيرة تخشى “أن يتحول الانتخاب في الوضع الراهن الى معارك سياسية بين الاحزاب” ورغم ذلك تتمسك بمطلب الانتخاب “ولن اتراجع والقاضي يجب الا يرضى بانتخاب من تريده الاحزاب السياسية ولكن هذا يلزمه وعي فكري واين تكون الثورة ان لم تكن في مثل هذه الحالات؟.
اما النقطة الثانية والتي نعاني فيها من مشكل حقيقي فهي القدرة المالية لتطوير عمل القضاة وترميم قصور العدل وهذه نقطة اساسية ونحن في مأزق بسبب الازمة المالية . في حين ان النقطة الثالثة تتمثل في امكانية خلق نفس جديد في القضاء من خلال التشكيلات القضائية وامور متعلقة بالممارسة. كوزارة لم نقصر”. في ملف التشكيلات القضائية والذي يعتبره البعض نقطة سوداء في مهامي بعدما تم تصوير الخلاف بأن وزيرة عدل تعمل انطلاقا من حسابات سياسية ومجلس قضاء يعمل بمعزل عن السياسة وهذه صورة غير صحيحة لاني لم اقارب التشكيلات القضائية من الناحية السياسية والا لما وقعتها وقد التزمت بالقانون. قلت ما لدي وذهبت الى عمق المشاكل”.
ترى ان “ثمة فرصة في هذا المرسوم والرئيس دياب لم يرفض التوقيع، بل ارسل كتابا فيه اسئلة قانونية من مثل اقتصار العدد على ثمانية قضاة بدل عشرة، اجبت عليها في اليوم الثاني لان الموضوع لا يحمل الشك. اذا وقع المرسوم سنعمل بثمانية اعضاء وليس بعشرة. كنا نفضل مجلساً من عشرة فماذا نفعل هل نمشي بالفراغ ام بمجلس من ثمانية اعضاء كما هي الحال عليه منذ سنة؟”
العلاقة بين عون وعويدات؟
ترفض نجم ان تدخل طرفا في السجال الحاصل بين القاضية عون والقاضي عويدات وأن تستدرج الى التجاذبات السياسية التي تستثمر هذا الخلاف “اسمع انتقادات الجميع وغير مرضى علي من اي طرف ولكني امارس صلاحياتي وارضي ضميري وانا لا اعمل في خدمة أي جهة ولا ادلي برأي سياسي بالموضوع القضائي” تؤكد انها تسعى الى “تحييد القضاء عن السياسية بينما غيري يستدرج السياسة الى القضاء، ولو اردت ذلك للعبتها بالسياسة وبالنسبة لي كل الملفات المثارة اليوم هي نتائج وانا لا اريد معالجة النتائج وهذا دوري كوزيرة عدل”.
تؤكد على اهمية ان تقيّم المؤسسات القضائية الموقف مما يحصل وتقول “بمعزل عن اي اجراء او قرار افترضنا ان القاضي عويدات اتخذ اجراء في ملف معين والقاضية عون اتخذت اجراء في ملف آخر فهل يمكن اقناع الرأي العام ان عويدات او عون يعملان بمعزل عن تمثيل فريق سياسي. ولذا هذا مسار طويل من التصحيح شرطه توافر النية والرغبة من القضاة من دون ان يقبلوا باستدراج السياسة للقضاء”. تأسف لكون “لا احد يمارس دوره الصحيح. القضاة يصدرون بيانات والاعلام يصدر احكاماً والناس تطلب، ثم يطلب من وزير العدل ممارسة فعل خارج صلاحياته ومخالف للدستور. لن اعيد تكرار ممارسات الماضي وانا اتصدى للممارسات السياسية في القضاء وتهمني المواجهة الفعلية في كسر التدخلات السياسية والممارسات الخاطئة”.
تسأل “ماذا يعني تناول القضاة في الاعلام من دون ان يؤمن مجلس القضاء حمايتهم وماذا لو ووجهت الملفات التي يتابعونها بالارتياب المشروع بعد ما قيل من أضاليل في الاعلام؟
المشكلة ان ولاية مجلس القضاء الأعلى انتهت والى حين تشكيل مجلس قضاء اعلى فلا يمكن التعاطي مع المجلس وقد دخلنا في الفراغ”.
براحة ضمير تستعد نجم للعودة الى جامعتها وطلابها “لا اطلب شيئاً في السياسة او من السياسيين. جئت لأعطي في وقت ينهار البلد وأردت إحداث خروقات في نظامنا المهترئ. القضاة هم الباقون ويفترض بهم ان يكونوا خط التصدي الاول للتدخل السياسي ولتدخل بعض الكبار بحيث اسمع منذ سنوات عديدة أن القضاة الجدد يتلقون احيانا اتصالات تدخّل من القضاة الذين سبقوهم اكثر مما يتلقون اتصالات من السياسيين. تراكمات المحاصصة السياسية في القضاء لم تعد مقبولة والمناكفات السياسية قائمة في القضاء والامن وهذه مشكلة”.
“مقهورة” لان “يحصل كل هذا في عهدها كوزيرة عدل” وتسأل “هل كان المطلوب مني ان انفذ ما يريدون ليبقى الواقع على حاله.
تبدي ثقتها بأن دياب وبعد الشروحات التي تلقاها سيتخذ القرار المناسب بتوقيع المرسوم وانه لن يقبل بترك مجلس القضاء الاعلى في فراغ ولكن ماذا لو لم يوقعه” كل شي بوقتو. بس شو المطلوب مني كوزيرة مستقيلة اذا ما بقدر صرّف الأعمال بما يضمن استمرارية المرفق العام؟ بالإضافة لكل الوضع العام يللي مش راضية عنو، والنظام يللي اساساً عم يمنع اي تغيير، انا حاولت اعمل خروقات بهالنظام والايام عم بتبين صوابية مواقفي” وتضيف “اعرف كيف اقيّم حقوقيين والا فليعملوا المرسوم نيابة عني. انا وزيرة العدل وانا من اختار وأضع المعايير. وكلها حرب صامتة والسبب أن لا احد يجرؤ على المواجهة بالنظر الى صحة ملفات الاسماء المقترحة. بينما يمكن ان اعلن ملفات عن قضاة تبوأوا مراكز مهمة وليسوا اهلا لها”. لتختم “كنت اتمنى لو حصلت التشكيلات والايام كفيلة باظهار الحقائق، والخلل بالنظام وليس بالاشخاص ويجب ان نبدأ بكسر المسلمات. كحكومة استطعنا كسرها بالكلام والقرارات في مواضيع عديدة ولكن ليس بالتنفيذ بعدما تبين ان النظام السياسي مع ذراعه المالي والاعلامي اقوى منا لكن لا يصح الا الصحيح وهذا النظام ساقط حتماً”.