خلدون الشريف – البوست
في سابقة ديبلوماسية لا مثيل لها لبنانياً وربما عربياً، حملت سفيرتا دولتين كبريين في بيروت ملف لبنان الى دولة اقليمية فاعلة وغنية لإستدعائها للمساهمة في انقاذ اقتصاد لبنان من الإنهيار وجيش من التصدع، وشعب من العوز. هذه السابقة ان أشَّرَت الى شيء إنما تؤشر الى عجز النخب السياسية اللبنانية عن اجتراح حلول انقاذية لبلدها وشعبها واستمرار تقاذفها كرة التعطيل، برغم إستنفاذ المهل.. واحدة تلو الأخرى. في المعلومات، أن ابواب الديوان الملكي السعودي ووزارة الخارجية السعودية فتحت للسيدتين دوروثي شيا سفيرة الولايات المتحدة وآن غريو سفيرة فرنسا حيث استمع مضيفيهما بإنصات إليهما، في تطور هو الأول من نوعه منذ حوالي السنتين، مهّد له لقاء روما الثلاثي الأميركي الفرنسي السعودي (أنتوني بلينكن وجان إيف لودريان وفيصل بن فرحان) الأسبوع الماضي، وقررت بعده الرياض الإستماع إلى ما سيعرضه الأميركيون والفرنسيون بخصوص الملف اللبناني، سياسياً وإنسانياً.. والأهم سبل دعم المؤسسات العسكرية والأمنية اللبنانية، بعدما تبين ـ في ضوء مؤتمر باريس ـ أن آليات الدعم الأوروبي (القانونية) لن تكون قادرة على تلبية متطلبات الجيش اللبناني العاجلة.
وبالعودة إلى الوراء، كانت المبادرة الفرنسية قد إنطلقت في ٣١ آب/أغسطس 2020 مع تكليف مصطفى اديب بتشكيل حكومة جديدة، وأعقبتها زيارة الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون إلى بيروت (كانت الثانية له خلال سنة واحدة) في الأول من ايلول/سبتمبر 2020، حيث اتفق اقطاب الحوار على تأليف “حكومة مهمة” من الاختصاصيين واتباع خارطة طريق اصلاحية محددة لمدة ستة أشهر. لم تتطرق تلك المبادرة إلى المداورة بالحقائب، لكن أحداً ما ادرج المداورة بنداً ـ فخاً في طياتها. امل ماكرون تأليف حكومة خلال اسبوعين، لكن العقوبات الأميركية على وزيري حركة أمل علي حسن خليل والمردة يوسف فنيانوس أدت إلى تعطيل تلك المبادرة بعدما أدرك “الثنائي الشيعي” (الرئيس نبيه بري وحزب الله) انهما مستهدفان أولاً من تلك العقوبات، فرفضا المداورة اولاً وتمسكا بحقيبة المالية ثانياً وبتسمية الوزراء الشيعة ثالثاً واخيراً. اعتذر مصطفى اديب وتم تكليف سعد الحريري رئيساً لحكومة لم ولن تتشكل على ما يبدو حتى الآن.
فتحت السفيرتان شيا وغريو الباب امام نقاشات معمقة وتساؤلات محددة وبداية اهتمام سعودي قد يعوّل عليه مستقبلاً. ولعل ابرز التساؤلات السعودية المشروعة حول اسباب الخروج عن اصل المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى وثانيها عن جدية نية الإصلاح عند النخب السياسية اللبنانية وثالثها عن مصلحة العرب بدعم نظام سياسي يكن لهم العداء منذ خريف العام 2019، غابت المملكة العربية السعودية عن المشهد اللبناني برمته. لم تتبن المبادرة الفرنسية. لم توافق ولم تعترض لا على تسمية اديب ولا على اعتذاره ولا على تكليف الحريري ولا على اعتذاره اذا حصل. صمت سعودي مطبق لم تكسره سوى عبارة واحدة ترددت كثيراً: المملكة تريد تسمية نواف سلام رئيساً للحكومة. كل من فاتح السعوديين بملف لبنان، وجد جواباً واحداً في إنتظاره: لا نريد أن نسمع بشيء إسمه لبنان ونقطة على السطر. اغلق السفير السعودي في بيروت وليد البخاري خطوطه الدولية ولم يلتق اياً من سفراء الدول الكبرى، بعد عودته الثانية الى بيروت، الى ان إجتمع فيصل بن فرحان بنظيريه الأميركي بلينكن والفرنسي لودريان في إيطاليا.
حينها فقط اجتمع البخاري وشيا في دارة السفير السعودي في اليرزة ومن المنتظر ان يلتقي غريو عند عودتها من الرياض. حتى الآن شملت لقاءات شيا وغريو في الرياض المستشار في الديوان الملكي د.عبد الله بن عبد العزيز الربيعة المشرف العام على مركز الملك سلمان للإغاثة والأعمال الإنسانية، ثم وكيل وزارة الخارجية للشؤون السياسية والاقتصادية السفير عيد بن محمد الثقفي. عملياً، فتحت السفيرتان الباب امام نقاشات معمقة وتساؤلات محددة وبداية اهتمام سعودي قد يعوّل عليه مستقبلاً. ولعل ابرز التساؤلات السعودية المشروعة حول اسباب الخروج عن اصل المبادرة الفرنسية بنسختها الأولى وثانيها عن جدية نية الإصلاح عند النخب السياسية اللبنانية وثالثها عن مصلحة العرب بدعم نظام سياسي يكن لهم العداء.
هل يمكن أن تفتح زيارة السفيرتين الأبواب السعودية أمام ملف لبنان؟
تشق الزيارة الباب امام بداية حديث حول لبنان الذي طُرح ملفه في واشنطن أثناء زيارة نائب وزير الدفاع السعودي خالد بن سلمان إلى الولايات المتحدة، في أول تواصل مباشر رفيع المستوى بين إدارة جو بايدن والقيادة السعودية. كان لافتاً للإنتباه مشاركة وزير الخارجية الأميركي انتوني بلينكن في اليوم ذاته لزيارة شيا وغريو إلى الرياض، في إجتماع ضم بن سلمان ومساعدي وزير الخارجية الأميركي في واشنطن، حيث تم التطرق الى كيفية التوصل إلى حل سياسي في اليمن و”مناقشة الحاجة إلى إصلاح إقتصادي والمساعدة الإنسانية للشعب اللبناني” كما جاء في البيان المشترك الأميركي السعودي. كما كان الملف اللبناني حاضراً في اللقاء الذي عقد بين خالد بن سلمان ومستشار الأمن القومي الأميركي جاك سوليفان.
الملفات السعودية ـ الأميركية هي ملفات مرتبطة أيضاً بالحوار السعودي ـ الإيراني في بغداد الذي إنتقل الى عُمان في الوقت الذي تحتاج فيه طهران كما الرياض الى تفاهمات الحد الأدنى لمواكبة الإنسحابات الأميركية المتلاحقة من المنطقة. المسار قد يطول ويتعرج وقد يتوقف نتيجة مزايدات وسوء تقدير لكن يبدو لبنان بأمس الحاجة إلى عودة العرب اليه وعودته الى العرب ودون ابطاء. من المفيد إنتظار ما ستعود به السفيرتان شيا وغريو من لقاءات الرياض وما يمكن أن يصدر من مواقف ثلاثية أميركية فرنسية سعودية، وحتماً ستظهر النتائج فور عودتهما إلى بيروت في الساعات المقبلة.