باكراً، بعدَ تكليف الرئيس نجيب ميقاتي، باغتَت عملية التأليف دلالات يُمكِن اعتبارها بوادِر إخفاق للمداولات الحكومية. ومع أنه لا يزال ماضياً في تحركه، إلا أن اندفاعته التي انطلَق بها تجاه رئيس الجمهورية ميشال عون بدأت تتراجع. هذه حقيقة لمسها المعنيون بالأزمة، وإن لم تُعلَن بعد. والواضِح أن ميقاتي رمى حجراً ثقيلاً من الرهانات على الخارِج للإيحاء بأن ثمة رغبة دولية كبيرة لتشكيل حكومة برئاسته، على عكس ما كانت الأمور مع الرئيس سعد الحريري. علماً بأن ميقاتي وإن كانَت علاقاته مع الطرف الثاني (ميشال عون وجبران باسيل) أفضل حالاً من علاقة الحريري بهما، في الشكل، لكنه دولياً لم يحصل على أكثر ممّا حصل عليه الحريري في البداية.

حينَ قدّم الحريري نفسه «مرشحاً طبيعياً» لرئاسة الحكومة، كانَ الفرنسيون يدعمونه ومعهم مصر والإمارات والأردن، وروسيا التي لا تفضّله على غيره.
وميقاتي اليوم يتمتّع بدعم فرنسي وأردني، لكنه لم يكسَب أوراقاً خسرها الحريري أي الولايات المتحدة الأميركية والمملكة العربية السعودية.
ففي مقابلة له مع وكالة «بلومبيرغ» الأميركية لم يقُل ميقاتي أنه يحظى بدعم أميركي. قال، وفقاً لتوقعاته، إنه «واثق من أن الولايات المتحدة ستكون منفتحة لتقديم الدعم». وهذا يقود إلى سؤال أساسي: هل الدعم الخارجي الذي أمل نجيب ميقاتي به، موجود؟ وهل أصلاً تريد واشنطن والرياض حكومة في لبنان؟
الأكيد أن المملكة العربية السعودية لا تريد أن تكون طرفاً في أي تسوية حكومية. صحيح أنها لا تحقِد على ميقاتي كما تفعل مع الحريري، لكنها «غير مهتمة». لا يتعلق ذلِك بشخص ميقاتي نفسه. للمملكة هدف واحد الآن هو مواجهة حزب الله. وأيّ مسار في البلد لا يخدم هذا الهدف، لا يعنيها. لذا فإن كل محاولات الفرنسيين بإعادتها إلى الملف اللبناني باءت بالفشل، حتى تلك التي سعت إلى إشراكها من باب دعم الجيش اللبناني. وآخر هذه المحاولات، الطلب إليها الانضمام إلى المؤتمر الذي سيُعقد في باريس دعماً للبنان في ٤ آب (ذكرى انفجار المرفأ). إذ أشارت مصادِر مطلعة إلى أن «وزير الخارجية الفرنسي جان إيف لو دريان ناقش مع نظيره السعودي الأمير فيصل بن فرحان الموجود في باريس هذا الأمر، والأخير أبلغه موقفاً سلبياً».
ولا يختلِف تعامل الولايات المتحدة الأميركية مع الملف اللبناني كثيراً عن أسلوب السعوديين. فتأليف الحكومة من عدمه، بالنسبة إليها سيان. لقد أوكَلت واشنطن، بحسب المصادر الملف الحكومي إلى باريس «فإذا فلحت في حل الأزمة كانَ بهِ، غير ذلِك لا يجد الأميركيون أنفسهم معنيين بها». واشنطن في لبنان، تقِف على ضفة أخرى تنظر من خلالها إلى الانتخابات النيابية المقبلة. هذه هي الورقة التي تدرسها جيداً وتحضّر لها. فلأميركا، كما السعودية، مشروع يتعلق بضرب المقاومة، إضافة إلى ملفات أخرى تقاربها من منظور استراتيجي. وعليه، حتى لو تألفت الحكومة، وكانت حكومة انتخابات، «فستعمل واشنطن ضدها، مستخدمة من يقفون اليوم في موقع المعارضة، من منشقّين عن المنظومة السياسية أو جهات من المجتمع المدني وتوظيف خطابهم بما يخدم المشروع، تحت شعارات محاربة الفساد والتغيير».
وهذا ما يفسّر، كما تقول المصادر، عدم وجود دفع قوي من قبل الخارج لتسريع التشكيل، وهذا أيضاً ما يفسّر سرعة تراجع الحماسة أمام التعقيدات الداخلية التي تقف في طريق التشكيل.

ترفض الرياض المشاركة في المؤتمر الذي تعقده باريس دعماً للبنان في ٤ آب

أما الاستراتيجية التي تتبعها واشنطن، فقوامها:
أولاً، تحميل حزب الله مسؤولية انهيار البلد مالياً وانفجار مرفأ بيروت.
ثانياً، دعم الجيش اللبناني كجهة وحيدة قادرة على ضمان الاستقرار من جهة، وإرساء توازن مع قوة حزب الله من جهة أخرى.
ثالثاً، منع قيام أي حكومة يكون لحزب الله وحلفائه حصة وازنة فيها.
رابعاً، التحضير للمزيد من التحركات في الشارع.
خامساً، تأمين المزيد من المساعدات وتقديمها عن طريق جمعياتها، فتحلّ شيئاً فشيئاً مكان الدولة،
سادسا، الانتخابات النيابية.
وهذه الاستراتيجية نوقِشت أكثر من مرة في الكونغرس الأميركي، وأحيلت مداولاتها على شكل تقرير إلى لجنة الخارجية من قبل بعض أعضائه. وتركزت هذه المناقشة على وجوب تأليف حكومة «لا يسيطِر عليها حزب الله، المسؤول الأول عن الفساد»، وأنه «يجِب الاستماع إلى مطالب الشعب بالتغيير الجذري في القيادة السياسية». وفي حين يعتبر هؤلاء أن «الرهان كله هو على المؤسسة العسكرية»، فإن التقرير شدّد على أن «كل المساعدات الأميركية يجِب أن تصِل إلى يد الشعب اللبناني مباشرة من خلال منظمات وأفراد جرى اختبارهم سابقاً». وفي حين أن واشنطن «لديها مخاوف بشأن استخدام حزب الله مرفأ بيروت كنقطة عبور وتخزين»، ينبغي الطلب إلى الحكومة أن يشارك «خبراء دوليون محايدون في التحقيق في انفجار المرفأ».