شعار ناشطون

واشنطن “تُحرج” الإمارات: معنا أم مع الصين؟

24/02/21 12:29 pm

<span dir="ltr">24/02/21 12:29 pm</span>

واشنطن “تُحرج” الإمارات: معنا أم مع الصين؟

خلدون الشريف

يومًا بعد يوم، يتبين أن حجم التغيير الذي حصل في الولايات المتحدة ليس بسيطًا أبدًا. الأصعب هو قدرة هذه الدولة أو المنظومة أو تلك على التكيف مع التغيير الأميركي، ولعل دولة الإمارات من النماذج التي يصح تسليط الضوء عليها.

في ١٨ شباط/ فبراير ٢٠٢١، نشرت وكالة “أسوشيتد برس” العالمية صورًا جوية من أريتريا تظهر تفكيك قاعدة عصب البحرية المطلة على البحر الأحمر التي كانت استأجرتها دولة الإمارات من أريتريا في العام ٢٠١٥ لمدة ثلاثين عامًا، وإستثمرت فيها الملايين لتطوير مرفئها وإقامة مهبط طائرات ومستشفى ميداني متطور فيها.

يحتضن محيط عصب، بحسب العديد من المسوحات الأمنية، قواعد إسرائيلية (جزيرة دهلك) وربما سعودية، الى جانب قاعدة عصب الإماراتية التي شكلت احدى أبرز نقاط حملة إنطلاق الضربات العسكرية على اليمن منذ عام ٢٠١٥، إذ تقع هذه المدينة على مسافة ٤٠ ميلًا بحريًا من ميناء المخا اليمني في محافظة تعز وقبالة باب المندب.

ويرتبط الدخول الإماراتي إلى القرن الأفريقي، بأهمية هذه المنطقة التي تحتضن قواعد عسكرية لست عشرة دولة في العالم ويحتاج شرح أهمية القرن الأفريقي مقالًا مفصلًا وحده.

وفي صيف ٢٠١٩، أعلنت الإمارات إنسحابها رسميًا من اليمن، لكنها لم تنجزه عمليًا، إلا في مطلع كانون الثاني/ يناير الماضي، وآخر حلقاته، بحسب الإماراتيين، تفكيك قاعدة عصب التي سلّطت الولايات المتحدة الضوء على دورها في تزويد أطراف ليبية بالسلاح والعتاد برغم الحظر الدولي، وإستخدامها أيضًا في أعمال قصف متمردي تيغراي في أثيوبيا.

من هنا، لا يمكن فصل تفكيك قاعدة عصب عن مسار سلكته الإمارات لمواكبة وصول جو بايدن إلى البيت الأبيض ولا سيما في ضوء الوجهة التي كان قد طرحها في المعركة الإنتخابية وقرر تنفيذها بعد فوزه، وقوامها إعادة صياغة علاقات بلاده الخارجية مع أولئك الذين إرتبطوا مع دونالد ترامب وصهره جاريد كوشنير بعلاقات شخصية أو علاقات تجارية تجاوزت المؤسسات الأميركية.

توقيت التعيينات الجديدة، مرتبط حكمًا بخلفيات الذين تم تعيينهم مؤخرًا، حيث تتجه السياسة الخارجية لدولة الإمارات لكي تكون أكثر تناغماً مع سياسة الإدارة الأميركية الجديدة التي تحرص على إستخدام ثقلها لدعم الجهود الدولية لإنهاء الحروب في اليمن وليبيا، إضافة إلى إستئناف التفاوض مع إيران

مسار التحولات الإماراتية إنطلق في السابع من تشرين الثاني/ نوفمبر عام ٢٠٢٠، أي بعد ثلاثة أيام من إنتهاء الإنتخابات الرئاسية الأميركية، حين ألغت الحكومة الإماراتية مادة قانونية تسمح بتخفيف العقوبة في ما تعرف بـ”جرائم الشرف” (ضحيتها نساء)، ليصبح بذلك التعامل مع هذه الجريمة، مماثلًا لأية قضية قتل أخرى. التعديلات شملت أيضًا قانون الأحوال الشخصية وقانون المعاملات المدنية لغير المواطنين لإختيار القوانين التي تطبق على تصرفاتهم في شؤون الميراث والتركات، مع العلم أن تعديلات كهذه كانت من مطالب منظمات حقوقية دولية ومؤسسات دولية تعنى بحقوق الإنسان.

وفي العاشر من فبراير/ شباط ٢٠٢١، أعلن محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات ورئيس الوزراء وحاكم دبي، عن تعديل وزاري، تم بموجبه إستبدال أنور قرقاش وزير الدولة للشؤون الخارجية بشخبوط بن نهيان بن مبارك آل نهيان، في حين تم إستبدال زكي أنور نسيبة وزير الدولة للدبلوماسية العامة والثقافية بخليفة شاهين المرر.

وللعلم، فإن شخبوط بن نهيان شغل منصب سفير دولة الإمارات لدى السعودية وقد صرح بعد تعيينه أن العلاقات الإماراتية-السعودية “حدودها السماء”، ولعب دوراً في تقوية العلاقات مع السعوديين.

أما خليفة شاهين المرر، الديبلوماسي منذ عام ١٩٧٨، فقد شغل منصب سفير الإمارات في ثلاث دول محورية: إيران، تركيا، وسوريا. كما شغل المرر منصباً في بعثة الإمارات الدائمة لدى الأمم المتحدة في نيويورك، ما أكسبه خبرة في المفاوضات المتعددة الأطراف، بما في ذلك اليمن وليبيا.

توقيت التعيينات الجديدة، مرتبط حكمًا بخلفيات الذين تم تعيينهم مؤخرًا، حيث تتجه السياسة الخارجية لدولة الإمارات لكي تكون أكثر تناغماً مع سياسة الإدارة الأميركية الجديدة التي تحرص على إستخدام ثقلها لدعم الجهود الدولية لإنهاء الحروب في اليمن وليبيا، إضافة إلى إستئناف التفاوض مع إيران.

وتسعى الإمارات بكد، لإرضاء الإدارة الأميركية الجديدة بما لا يؤثر على خياراتها الإستراتيجية ولا سيما علاقتها بالسعودية، إذ يجري الحديث للمرة الأولى عن “إختلاف” في النظرة إلى أكثر من قضية، يمكن أن تتحول إلى خلاف مع الرياض، ناهيك عن التنافس المحتدم بين البلدين تجاريًا.

تعد دولة الإمارات أكبر شريك تجاري غير نفطي للولايات المتحدة الأميركية في منطقة الشرق الأوسط، حيث تستحوذ على أكثر من 40% من إجمالي تجارة الولايات المتحدة غير النفطية مع الدول العربية، وعلى 41% من تجارة واشنطن غير النفطية مع دول مجلس التعاون الخليجي

كل الترضيات الإماراتية الآنفة الذكر للأميركيين تبقى ناقصة في العمق ما لم تضبط الإمارات إيقاع علاقتها المتينة بالصين. فقد بلغ حجم التبادل التجاري بين الإمارات والصين حدود الـ 50 مليار دولار، قبل تفشي فيروس كورونا، وكانت الإمارات تأمل في زيادته إلى 70 مليار دولار خلال عام ٢٠٢٠. كما أن شركات الإتصالات الحكومية في الإمارات منحت عقود إنشاء شبكات الجيل الخامس G5 لشركة Huawei الصينية المُدرَجة في القوائم السوداء لواشنطن. وإستوردت الإمارات أسلحة أبرزها طائرات مُسيرة صينية إستخدمت في ليبيا بعد رفض واشنطن بيع مُسيرات أميركية للإمارات، كما واصلت شراء الأسلحة من موسكو، حسب وكالة “رويترز” في حزيران/ يونيو 2020.

وإتكأت ديبلوماسية لقاح كورونا التي إنتهجتها الصين، على شركاء خارجيين هم البرازيل ومصر والإمارات والبحرين، لجهة إختبار واستخدام وتصنيع لقاح “سينوفارم” الصيني لأجل تلبية الطلب المحلي لهذه الدول ومن ثم دول الجوار الصيني وفي المرحلة الثالثة تلبية الطلب العالمي للقاح..

على الضفة الأميركية،

ولعل التغيير المطلوب اليوم خليجيًا وليس إماراتيًا فحسب، هو تخفيف هذا التعاون مع الصين وروسيا إلى حد ما أيضًا. وما يصح على الإمارات صينياً يصح على إسرائيل التي تلقت إنذارًا واضحًا من الولايات المتحدة حول تعاونها مع الصين على مستوى الذكاء الإصطناعي وتكنولوجيا الإتصالات والمرافئ ما يعني هنا، أن ليس للتطبيع مع إسرائيل أية قدرة على حماية الإمارات أو إسرائيل من مراعاة المصالح الإستراتيجية الكبرى لأميركا التي قررت مع بايدن بدء معركة التنافس والتنافر مع الصين ومعركة بناء التحالفات المتقابلة: تحت عنوان: معنا او مع الصين؟ وهنا مكمن الإحراج للكثير من دول المنطقة، وحتماً ستختار دولة مثل الإمارات أولوية علاقتها مع الأميركيين.. إستراتيجيًا.

تابعنا عبر