منير الربيع – المدن
إذا كان أمين عام حزب الله، السيد حسن نصرالله، “حليفاً للقدر” ورابحاً في السياسة معارك عسكرية ومن دون حرب أحياناً، وصاحب الكاريزما الحربية.. فإن معادلة معكوسة تنطبق تماماً على رئيس الحكومة نجيب ميقاتي. الرجل هو حليف “المخاطر” أو الأزمات. وقد لا يهوى محالفتها لكنها تلازمه. بدءاً من وصوله إلى رئاسة الحكومة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مروراً بترؤسه حكومته الثانية بالانقلاب على سعد الحريري، وما رافقها من ازمات سياسية وشعبية وميثاقية، واغتيالات، على وقع اندلاع الثورة السورية. وصولاً إلى ترؤسه للحكومة للمرة الثالثة على وقع انهيار اقتصادي كبير، وتفجير مرفأ بيروت وسقوط كل مقومات ومرتكزات الكيان اللبناني، فيما المحطة الأخيرة من المخاطر هي الوقوف على حافة حرب تكاد تكون إقليمية بحال انخرط فيها لبنان.
صبور كأنه ينحت بالإبرة. مفاوض دؤوب تماماً كأي محترف بعالم المال والأعمال. وبطبيعته، لا يحب الخصومات ولا المعارك والمواجهات، فيحافظ على ديبلوماسية “مطاطة” جداً. يفضل السير بهدوء. ولو اقتضى الأمر، يسير بجانب الجدار ويتضرع إلى الله طالباً الستر. يجد نفسه وسط المعارك وانشغالاتها وأكلافها. منذ اليوم الأول لمعركة طوفان الأقصى، تحول ميقاتي مجرد مصرّف أهمال إلى مؤسسة ديبلوماسية قائمة بذاتها، من خلال اتصالاته الداخلية والخارجية. فظهرت ديناميكية تحركاته بجولات ولقاءات، وتبادل رسائل، في سبيل لجم التصعيد ومنع التدهور. بالإضافة إلى تقديمه مقترحاً لحل الأزمة الناجمة عن الصراع على غزة، يقتضي هدنة إنسانية وإطلاق سراح الرهائن، والبحث عن حل سياسي شامل، ينطلق من المبادرة العربية للسلام التي أقرت في بيروت عام 2002.
مفترحات ميقاتي ورسائل هوكشتاين
ربما لم يأت ميقاتي بهذه الطروحات من شخصه فقط، إنما صاغها بنتيجة لقاءات واتصالات، ولعلمه أو يقينه أن عملية طوفان الأقصى ستحدث تغييراً كبيراً في المسارات السياسية بالمنطقة، وستدفع الأميركيين للضغط على الإسرائيليين، للذهاب إلى حل للقضية الفلسطينية على قاعدة “حل الدولتين”، وحل الأزمات الأخرى المحيطة في المنطقة، بما فيها ما هو عالق لبنانياً. وربما هذا كان جزءاً من لقائه مع وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، حين شدد خلاله على الالتزام بالقرار 1701. وهو ما يمكن وصفه بسعي ميقاتي إلى وضع خطة سياسية تجنّب لبنان الحرب، وتبحث في مسألة حلّ كل المشاكل العالقة.
لا يمكن فصل ذلك عن زيارة المبعوث الأميركي لشؤون أمن الطاقة العالمي، آموس هوكشتاين، إلى لبنان. وهي تكتسب أهمية متعددة الاتجاهات. خصوصاً بعد سعيه لاتفاق “تظهير الحدود” البرية الجنوبية، وفي ظل المواجهات التي يشهدها الجنوب، وفي ظل ما يعتبره الأميركيون خروقاً كبيرة للقرار 1701، في ظل العمليات التي ينفذها حزب الله وفصائل فلسطينية أخرى. وحسب ما تقول مصادر متابعة، فإن هوكشتاين يتحدث بضرورة منع التصعيد في الجنوب، وارساء الاستقرار، بالإضافة إلى البحث عن حل سياسي بدلاً من التصعيد. ولم تغب عنها لا ملفات الرئاسة ولا ملفات الحدود.
كما أن لبنان يمكن أن يشكل منطلقاً لأي بحث في مسألة إطلاق سراح الرهائن مقابل الإفراج عن أسرى، والمساعدة على الوصول إلى هدنة إنسانية.
لا مقارنة بحرب تموز
يتحرك ميقاتي من دون أي قاعدة سياسية، في ظل التشتت السنّي الكبير، ومن دون قاعدة شعبية أو نيابية. إذ أنه لم يخض الإنتخابات. وبالتالي، يتحرك الرجل وحيداً. وهنا لا يمكن المقارنة بين الوضع في العام 2006 وواقع اليوم. ولذا، مقارنة ميقاتي بالسنيورة لا تجوز لاختلاف الظروف والوضع الدولي والإقليمي، خصوصاً أنه في هذه المرحلة لا وجود لأي تعاطف دولي وإقليمي مع لبنان. ففي العام 2006 كان هناك اهتمام كبير للإدارة الأميركية بالوضع في لبنان، وهو غير متوفر اليوم. وخلال الحرب لم تكن الحكومة مطعونة بشرعيتها، إنما وصفت بحكومة “المقاومة السياسية والديبلوماسية”، بخلاف واقع اليوم. فهي حكومة تصريف أعمال، وتتم مقاطعتها من قبل فريق أساسي في البلد.
ما تغير عن العام 2006، هو تمدد إيران واتساع رقعة نفوذها وسيطرتها، بالإضافة إلى حروب خيضت من قبلها ومن قبل حزب الله، والتي أكسبتهما المزيد من النفوذ والتجارب. كذلك بالنسبة إلى الموقف العربي الذي كان كبيراً جداً في لبنان ومؤثراً ومنخرطاً بقوة، وهو غير متوفر في هذه المرحلة. كما أن قوة حزب الله في تلك الفترة لم تكن تصل إلى هذه الدرجة. إذ لم يكن قد مضى سنة على دخوله إلى مجلس الوزراء، فيما اليوم لا يمكن تشكيل حكومة من دون قراره وتأثيره وشراكته.
كل هذه العوامل تسقط أي مقارنة مع حرب تموز، يضاف إليها، نوع من الانسجام الكبير في إدارة الوضع الحالي بين ميقاتي وحزب الله، بالإضافة إلى الثقة التي يمنحها الحزب لميقاتي ومنحه هوامش يتمكن من خلالها بالتحرك السياسي والديبلوماسي، من خلال لقاءاته في الداخل والخارج. إنها محاولات ميقاتي لتجنب الحرب، وللوصول إلى حلّ لملف الحدود البرية، كما كان الحال بالنسبة إلى الحدود البحرية.