شعار ناشطون

موراكامي: من السهل أن تكتب رواية ولكن

02/09/24 09:23 am

<span dir="ltr">02/09/24 09:23 am</span>

في كتابه “مهنتي هي الرواية”(*) يخبرنا الروائي الياباني هاروكي موراكامي بأنه ذات ظهيرةٍ من شهر نيسان في عام 1978، كان يجلس في مدرَّجات استاد “جنغو” بطوكيو، يتابع مباراة بيسبول، فأصابتْه حالةٌ من الكشف الروحي والتجلِّي غيَّرت حياته تمامًا. حدث ذلك حين ضرب لاعبٌ من فريقه المحلِّيِّ الكرة إلى الميدان الأيسر، فهلَّلت الجماهير. يقول موراكامي الروائي الأكثر مبيعًا عالميًا: “في تلك اللحظة، ومن دون أيِّ مقدِّماتٍ من أيِّ نوع، لاح لي هذا الخاطر فجأة: أعتقد أنَّ بإمكاني أن أكتب رواية!”…

احتاج موراكامي ستة أشهر فقط ليلقي هو الآخر كرته إلى يسار الملعب، أو بالأحرى ليكتب روايته الأولى “اسمعوا غناء الريح” ويبعث النسخة الوحيدة منها إلى مجلة “غونزو” الأدبية اليابانية مشاركاً بها في مسابقتها الأدبية، وسرعان ما تلقى خبراً بوصولها إلى القائمة القصيرة.

 

وكتاب موراكامي دليلٌ إلى كتابة الرواية من منظورٍ شخصيٍّ للغاية، مطعَّمٍ بشيءٍ من الرأي والسيرة الذاتيَّة أو المقالات السيرية، حيث تبدو التجارب التي مرَّ بها أقرب إلى مقاطع من رواياته منها إلى الواقع. علاوةً على ذلك، فهو يحكيها وكأنَّها من عفو الطبيعة، ما يذكِّرنا بأسلوبه الذي يبدو بسيطًا دارجًا في الظاهر، وكثيرًا ما ينتقل بين الشأن اليوميِّ البسيط والعالم الغامض، من دون تغييرٍ ملحوظٍ في نبرته.

وما كان يسعى إليه موراكامي هو أن يكتب بأكثر الطرق عملية وواقعية، عن المسار الذي اتّبعه بوصفه روائياً، والأفكار والخواطر التي حملها معه اثناء ذلك. يعتبر أن لديه طريقة خاصة في التفكير، من منطلق اذا تحدثت إلى مئة روائي، سوف تحصل على مئة طريقة مختلفة لكتابة الرواية، فالكلام عن الروايات فضفاض واسع الذيول والتشعبات والدروب، والروائيون يضمرون افتراضا مفاده “أن أسلوبي صحيح وجميع الكتّاب الآخرين تقريباً على خطأ”.

بالنسبة لموراكامي الكتابة أو الرواية ليست عملاً شاقاً أو متعباً، فما يميز الرواية عن غيرها هو قدرة أي شخص على كتابة رواية، إن عقد العزم على ذلك. عازف البيانو أو راقصة الباليه يحتاجان الى تدريب شاق، يبدأ في سن مبكرة، الى أن يصبحا جاهزين للعرض الأول. أما الروائي الطموح فلا يحتاج إلا الى معرفة اساسية بالكتابة، قلم وأوراق، وقدر على اختلاق قصة يمكن تطويرها الى ما يشبه الرواية. وقد يتيسر لكاتب مبتدئ أن يكتب رواية جيدة بربع موهبة، ويسرد موراكامي تجربته في الكتابة قائلا “لم أخطط قط لان أصبح كاتباً”، و”أصبحت كاتبا محترفاً من دون أن أضطر إلى دراسة هذه الحرفة”. لكن السؤال الذي يمكن أن يوجه إلى موراكامي، أي رواية نكتب؟ أي أسلوب نكتب؟ أي رواية تبقى؟ استسهال كتابة الرواية وقبلها قصيدة النثر، ساهم بشكل كبير في ازدراء الكتابة وابتذالها.

 

لا يقدم موراكامي شيئاً عن هالة الرواية وعبقها وربما عبقريتها، ولم يستوعب فكرة “شقاء الكتابة”، ويعتقد أن الروايات لا بد أن تخرج في تدفق عفوي، ويستسهل توصيف عالم الرواية ويصفها بأنها “أشبه بعالم المصارعة، ترحب بأي شخص يرغب في التجرية”، لكن “قد يكون من السهل أن تدخل الحلبة، لكن البقاء في صعب”. يردف موراكامي بأنه ليس من الصعب أن تكتب رواية، أو حتى روايتين، بيد أن استمرارك في الانتاج، والعيش من كتابتك والبقاء في هذا العالم، مسألة أخرى تماماً. وهنا تكون المسألة في منظار ليس في أن تكتب روايات فحسب بل في كيف تنتشر روايتك ويتلقفها القراء. وهنا المحنة التي ينبغي أن ندرسها جيداً بمنأى عن نظريات موراكامي، هل الاستهلاك يقرّر الأدب، هل الانتشار معيار للنجاح؟ لنتخيل أن كاتبا كبيرا مثل جيمس جويس لا تبيع كتبه مثلاً، بينما تحظم “روايات” هاري بوتر الأرقام القياسية.

 

كتابة الرواية، في رأي موركامي، مسأل غير جذّابة بالمرة، فلا يكاد يرى فيها شيئا من الشياكة يجلس الروائي منعزلاً في غرفته، يعبث بالكلمات في تركيز شديد، يمحص الالفاظ والصياغات المحتملة، مرة بعد مرة. وموراكامي الذي بدا ظهوره الأدبي مع فوزه بجائزة غونزو، وكان في الثلاثين من عمره، تزوج وأمضى ثلاث سنوات في إدارة مقهى الجاز في قبو بناية، وقضى عشريناته يسدد القروض، لكن كان يقرأ في كل فرصة يجدها، ولم تخفت علاقته بالموسيقى والجاز قط. وينسب لنفسه القدرات لأنه يكتب منذ ثلاثة عقود، ولدية قوّة خاصة من نوع ما هي التي منحته الفرصة لكتابة روايات، كان يكتب بجسده لا بعقله، يكتب وكأنه يعزف قطعة موسيقية، الجاز مصدر الهامه. يوضح في كتابه أثر اللياقة البدنية والمشي في حياته وأثر الجوائز الأدبية، متحدثًا عن القوة الإبداعية والأصالة، وعن تطوير أسلوب الكاتب وشخصيته، وعن المدرسة والتعليم واللغة في اليابان، يشاطر قارئه وجهة نظره تجاهها، ولكنه لا يضمن بأيّ شكلٍ من الأشكال أنّ كلّ ناشئ سيصبح كاتبًا ناضجًا.

 

(*) صدر عن دار الآداب – بيروت، الترجمة عن الانكليزية أحمد حسن المعيني.

تابعنا عبر