جاء في “المركزية”:
كثيرة هي الاشكاليات التي وقعت بين مقامات روحية وسياسيين أو قضاة او حتى نقابيين، وقضية رئيس الاتحاد العمالي العام بشارة الاسمر، وما اقترفه في حق البطريرك الماروني الكاردينال مار بشارة بطرس الراعي من خلال كلام مهين صدر عنه، ما زالت ماثلة في الاذهان، ولو ان الاسمر اقيل بعد اعتذار ثم اعيد تعيينه في منصبه لاحقا. لكنّ اشكالية اليوم بين الصرح البطريركي ومفوض الحكومة لدى المحكمة العسكرية القاضي فادي عقيقي تكاد تكون الاكثر تعقيداً. ذلك أنّ السقوف العالية التي بلغتها المواجهة ان بالحدث نفسه لجهة توقيف مطران يطبق عليه القانون الكنسي الفاتيكاني او ما استتبعه من مواقف يصعب الرجوع عنها في اشارة الى ما تضمنه بيان الديمان الذي سمى الاشياء بأسمائها حينا والمح اليها حينا آخر بـ” مصالح عائلية” كما البيان الصادرة عن نادي قضاة لبنان وموقف مدعي عام التمييز القاضي غسان عويدات الى جانب كلام القاضي عقيقي نفسه، مجمل هذه المواقف تنذر بما لا تحمد عقباه، فالكنيسة المارونية لن ترضى بأقل ما طالبت به في بيانها، إحالة القاضي عقيقي إلى التفتيش القضائي وتنحيته “لأنها ليست المرة الأولى التي يَقترف فيها مفوضُ الحكومةِ لدى المحكمةِ العسكرية أعمالًا خارج الأعراف والمألوف”، والجسم القضائي لن يذهب الى التنحية، استناداً الى ما تضمنه كلام القاضي عويدات عن “أنّ “لا خلفيّة سياسية للإجراءات الّتي رافقت عودة المطران الحاج وان القاضي عقيقي طبّق القانون، بما يخصّ الأموال والأدوية والمنتجات الّتي ضبطت مع المطران”، كما الى ما تضمنه بيان نادي القضاة الذي رفض “التهجّم على قاض والتحريض عليه طائفياً على خلفية قرار اتخذه ، في حين كان الأجدر سلوك طرق الطعن القانونية به ليس إلا”، أمّا وزير العدل الذي زار الديمان اليوم، فأكد أنه سعى الى جمع المعطيات المتوفرة حول ملف توقيف المطران وأرسل كتاباً إلى مدعي عام التمييز للاطلاع على كافة المعلومات المتعلقة بالملف والمتوفرة حتى الساعة ، وكشف أنه لم يحصل على جواب حتى الآن، مذكّرا أن صلاحية وزير العدل محدودة ومحصورة، فالقضاء يحكم نفسه وليس هو شخصيا من يصدر الاحكام.
إزاء هذا الواقع، يبدو السؤال حول الدرب الذي سيُسلكه هذا الملف واقعيًّا ومطروحًا بقوة، فالكنيسة المارونية طالبت بتنحية القاضي عقيقي (نسيب الرئيس نبيه بري) المعروف بصلابته وقد قال أنّه طبق القانون ليس إلّا، والأجواء في الجهة المقابلة لا توحي بتلبية طلبها، فهل يذهب موقفها ادراج الرياح وتنتهي القضية على قاعدة السيناريو اللبناني المعهود ، ام يدفع العقيقي الثمن، خصوصا انها ليست المرة الأولى التي يقوم فيها المطران الحاج بهذه المهمة. وقد سبق ان حضر إلى المحكمة العسكرية مطلع العام الحالي وتمّ الإستماع إليه في قضية توقيف عسكري كانت وصلته مساعدة مالية. ولكن هذا الملف تمّ إقفاله بقرار من قاضي التحقيق العسكري فادي صوان قضى باعلان عدم اختصاص وعدم صلاحية القضاء العسكري اللبناني لملاحقته ومحاكمته جزائياً، سنداً للمادة 1060 من مجموعة قوانين الكنائس الشرقية الصادرة عن الفاتيكان سنة 1990 والنافذة في لبنان منذ 1991 التي تمنح، حصراً، قداسة البابا في الفاتيكان حق محاكمة الأساقفة الملاحقين بقضايا جزائية.
ومع دخول رئيس الجمهورية العماد ميشال عون على الخط، وهو استقبل اليوم المطرانين الحاج وميشال عون واطلعهما على حصيلة اتصالاته لمعالجة الملف، تقول مصادر مطلعة على ما يجري من معالجات أنّ القضية حساسة لدرجة ان الحلول تستوجب وقتًا وصبراً على الاقل حتى تهدأ النفوس المشحونة، خصوصًا مع الاتجاه الشعبي لمساندة بكركي من خلال توجيه دعوة “الى كل اللبنانيين السياديين والشرفاء للتوجه الى الصرح البطريركي في الديمان، استنكارا للتعدّي والتطاول على المطران موسى الحاج ودعماً لمواقف بكركي، وذلك في التاسعة والنصف من صباح الاحد 24 تموز الجاري”، فيما تحول الديمان محجا للسياسيين الداعمين، وتوضح ان الاستثمار السياسي في هذا الملف خطير جدا ومن يعرف القاضي عقيقي عن قرب يدرك انه لا يمكن ان يتراجع عن اي قرار قضائي وهو يرفض ان يكون جسرا لما يحصل في النيابات العامة وقد قال بوضوح انه يطبق القانون وان لم يعجب بعض المشرعين فليعدلوه في المجلس النيابي.
إذاً، وفي ضوء ما تقدم، تصعب الإجابة على السؤال حول النهاية التي سترسم للملف، إلّا أنّ الأكيد أنّها مهما كانت، فإن أحد الطرفين سيصاب بضرر بالغ، فإمّا يدفع عقيقي الثمن السياسي إذا ما أقيل وإمّا تهتز صورة بكركي في نظر الرأي العام إن لم تتم تنحية القاضي… الوقت كفيل بتظهير الحقيقة وبتهدئة النفوس والمعالجة “عالبارد” تختم المصادر.