منير الربيع – المدن
وصلت التطورات في لبنان، وتحديداً في جنوب لبنان، إلى مرحلة من التسابق بين التصعيد العسكري والوصول إلى تسوية كبرى برعاية دولية إقليمية، تفضي إلى إعادة الهدوء والاستقرار إلى الجنوب.
مسار ديبلوماسي
تجري المفاوضات على أكثر من خط، أهمها وأبرزها هو التحرك الأميركي المستمر، والذي يقوده المبعوث لشؤون أمن الطاقة العالمي آموس هوكشتاين. كما أن هناك حركة فرنسية لافتة أيضاً على خط لبنان واسرائيل. وحسب ما تقول مصادر ديبلوماسية غربية، فإن فرنسا تعمل لأن تكون صاحبة دور أساسي في أي اتفاق سيتم الوصول إليه، وهي تنطلق في طروحاتها من ما يطرحه الأميركيون مع اختلاف في اللهجة والمقاربة.
وتضيف المصادر، أن الولايات المتحدة الأميركية -عبر هوكشتاين- تطرح مسألة التفاوض لترتيب وضع الحدود البرية كما تم النجاح في ترسيم الحدود البحرية. وبالتالي، تجنب التصعيد ومن دون اللجوء إلى التهديدات أو المطالبة بمنطقة آمنة أو عازلة. بينما الفرنسيون هم الذين تراوحت مواقفهم بين نقل رسائل التهديد، والتحذير، والمطالبة بتشكيل منطقة عازلة أو آمنة والتركيز على مسألة انسحاب قوات الرضوان التابعة لحزب الله من جنوب الليطاني إلى شماله، وإلا فإن اسرائيل ستعمل على شن حرب ضد الحزب.
ولكن بغض النظر عن هذه الإختلافات في اللهجة أو المقاربة. إلا أن المسار السياسي بحثاً عن الوصول إلى صيغة اتفاق لا يزال مستمراً، على وقع التصعيد العسكري الذي يشهده الجنوب، خصوصاً أنه في الأيام الماضية تصاعدت وتيرة العمليات الإسرائيلية ضد الأحياء السكنية، وضد أهداف يعتبر الإسرائيليون أنها مخازن أسلحة ومواقع لحزب الله، عملوا على استهدافها للقول للحزب إنهم يعرفون أماكنها. وبالتالي، لا بد من سحبها إلى شمال الليطاني وإلا سيتم ضربها.
ما بعد وقف إطلاق النار
يتوازى التصعيد العسكري مع زيادة منسوب الاتصالات. إذ تكشف مصادر ديبلوماسية أنه بعد اللقاء الذي عقد بين نائب رئيس مجلس النواب الياس بو صعب وهوكشتاين في دبي، أجرى هوكشتاين اتصالات متعددة بمسؤولين لبنانيين، وحصل تناقل رسائل بينه وبين رئيس مجلس النواب نبيه برّي، وذلك ضمن المفاوضات التي يعمل عليها هوكشتاين للوصول إلى تكريس التهدئة. طبعاً بالنسبة إلى حزب الله، فإن الهدوء في لبنان يرتبط بوقف إطلاق النار في غزة، ولا يمكن غير ذلك. وهذا أمر أصبح الأميركيون يعرفونه تماماً، ما يعني أن أي نقاش سيطرح سيكون مرتبطاً بمرحلة ما بعد وقف إطلاق النار.
في هذا الإطار جرى تسريب مقترح اسرائيلي تم تسليمه للفرنسيين والأميركيين. ومما جاء في المقترح أن “إسرائيل توافق على إبقاء حزب الله بعض مواقع الرصد المشتركة مع الجيش اللبناني والفرنسيين”. كما أن “إسرائيل تشترط انتشار الجيش اللبناني على الحدود مع قوات فرنسية، ووجود رقابة فرنسية-أميركية مع اليونيفيل على الحدود مع لبنان”، على أن يتم نشر قوات أميركية من الجانب الإسرائيلي. كما أن العرض الإسرائيلي يتضمن شرطاً “بعدم وجود سلاح غير سلاح الجيش اللبناني جنوب الليطاني”.
خلافات إسرائيلية
هناك تفسيران لهذا العرض، التفسير الأول المبسط، وهو نوع من العودة إلى تطبيق القرار 1701، والذي من ضمنه نشر قوات طوارئ دولية يشارك فيها الفرنسيون، بينما الانتشار الأميركي سيكون من جهة إسرائيل. وأيضاً هذا العرض يسقط مسألة المنطقة الآمنة أو العازلة التي كان يطالب بها الإسرائيليون، ما يعني عدم انسحاب حزب الله من الجنوب. أما النقطة الثالثة، وهي سحب سلاح حزب الله من جنوب الليطاني إلى شماله، فهي الأساس ولا يمكن للحزب أن يوافق عليها. التفاوض قد يجري حول سحب سلاحه الثقيل، أي الصواريخ الدقيقة والبعيدة المدى والمسيرات إلى شمال النهر.
التفسير الثاني للعرض، هو أن يكون مقدمة لما يطرحه الأميركيون حول ترسيم الحدود البرية وإرساء الاستقرار. وهذا سيكون بحاجة إلى جولات طويلة من المفاوضات، قي سبيل تحقيق ذلك.
في خضم هذه العروض، لا تخفي مصادر غربية متابعة وجود خلافات داخل اسرائيل حول هذا العرض. وتشير المصادر إلى أن الوزيرين يوآف غالانت وبني غانتس يعملان بالتنسيق مع الأميركيين. وهما أيدا مثل هذه الاقتراحات من أجل الوصول إلى تسوية واتفاق مع الحزب والحصول على ضمانات. وهما يختلفان في المقاربة مع رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. فصحيح أنهما مع التشدد، ولكن في المقابل يؤيدان الوصول إلى صيغة اتفاق، بينما نتنياهو يحاول فرض ظروف الحرب واستدراج الجميع إليها.
كما يبرز الاختلاف الأميركي الإسرائيلي الذي أصبح واضحاً بعد كلام بايدن عن الحرب والخيارات الخاطئة وتغيير حكومة نتنياهو.
وتضيف المصادر أن الاختلاف في المقاربة قائم داخل الإدارة الأميركية أيضاً. إذ هناك من يريد اعتماد طريقة عمل هوكشتاين، والتي تنص على الوصول إلى اتفاق مع حزب الله، بالإستناد إلى تجربته مع ملف ترسيم الحدود البحرية والمراكمة عليه. أما الرأي الآخر فيشير إلى ضرورة استمرار التصعيد سواءً في غزة أو في لبنان، ولو أدى ذلك إلى حرب. وبالتالي، حتى على الصعيد الإسرائيلي والأميركي، لا تزال ظروف الاتفاق على صيغة بشأن الوضع في جنوب لبنان غير ناضجة.
الجهوزية الكاملة
بالنسبة إلى لبنان وحزب الله، فإنه يستحيل التفكير بمسألة انسحاب الحزب أو قوات الرضوان من الجنوب. ثانياً، أي نقاش في كيفية إعادة الاستقرار أو تطبيق الـ1701 ستكون مرتبطة بمرحلة ما بعد توقف الحرب على غزة. وعندها ستبدأ المفاوضات، وأولاً على أي أساس سيكون وقف إطلاق النار، وهل هو مرتبط بحل شامل؟
بالنسبة إلى حزب الله فإن منطق ما بعد الحرب على غزة يختلف عن ما قبلها، ولا بد من الاستعداد والجهوزية تحسباً لأي خطوات اسرائيلية. وهنا لا بد من السؤال عن الطرف الذي سيدافع عن لبنان في حال قرر الإسرائيليون شن أي هجوم. لذلك، لا يزال حزب الله يصر على الجهوزية الكاملة تحسباً لأي خطوات اسرائيلية. كما أن حزب الله يعتبر أن نتائج المعركة في غزة هي التي ستحدد ملامح المرحلة المقبلة.
كل هذا الكلام الذي تم تسريبه بالنسبة إلى الحزب، هو مجرد سيناريوهات متخيلة اسرائيلياً، وهدفها مخاطبة الشارع الداخلي للتخفيف من وطأة التداعيات. حتى الآن لا مفاوضات جدية، بل فقط ضغوط وعروض اسرائيلية. ولكن وقت الكلام لم يحن بعد قبل الوصول إلى وقف لإطلاق النار، وبعدها يبدأ الحديث. أما بشأن ما تم تسريبه فتعتبر المصادر القريبة من الحزب بأن هذه التسريبات هي أنواع من بالونات الاختبار من قبل الإسرائيليين. وتضيف المصادر، فحتى مع وجود الجيش اللبناني، وزيادة عديده بحوالى 5 آلاف أو 10 آلاف عنصر جديد كما تقترح الحكومة اللبنانية، بالإضافة إلى اقتراح بعض الدول بزيادة عديد قوات اليونيفيل وتعزيز دورها، فإن ذلك لن يلغي وجود الحزب جنوب الليطاني. وهو عمل على تكريس هذا الوجود بشكل علني، وبالتالي هو لن يخرج من تلك المنطقة. أقصى ما يمكن أن يحصل لاحقاً في حال الوصول إلى اتفاق هو أن لا يعود الحزب للظهور بشكل علني عسكرياً في جنوب النهر، كما كان الوضع في العام 2006.