شعار ناشطون

مغادرة الانتظارية العامة

30/12/23 10:35 am

<span dir="ltr">30/12/23 10:35 am</span>

 

السؤال عن اليوم الذي يلي توقف العدوان الصهيوني على غزّة، استنفد مهلته، وبات الجواب مطروحاً الآن على كل المشاركين في الحرب، في فلسطين، وفي لبنان، وفي المدَيَين الإقليمي والعالمي.

 

لقد قاربت أيام الاشتباك استهلاك مدة ثلاثة شهور، وصار الميدان وتطوراته، علامات دالّة على الخطوط العامة التي سيكون عليها الجواب، لذلك، ومن باب ملاقاة النتائج الميدانية التي ارتسمت بعض سماتها، تقتضي السياسة الجادّة إضافة خطوط النهاية السياسية التي تكمل بلورة اللوحة النهائية.

 

في الأمر حسابات ومصالح، ومثل الميدان القتالي، تشتبك المطالب والأهداف والتوازنات… في الميدان السياسي، وفي هذا الأخير تتقرر مقادير الربح والخسارة، ومنه تستخلص معاني الفوزين، التكتيكي والاستراتيجي.

 

 

ماذا عن الجواب الفلسطيني؟

تواجه السياسة الفلسطينية شروطاً قصوى، لأنها لا تستطيع التراجع عن مطالبها القصوى، ولا تستطيع تجاهل مسألة الخسائر الهائلة التي تكبدتها، طلباً لما تعتبره هدفها البعيد الأقصى.

 

عنوان المطالب الفلسطينية الأقصى، أولاً، ولنقل الأخير، يختصره تحقيق حلّ الدولتين الذي ينادي به العالم، ولا يسعى إلى تنفيذه، ويكدّ الفلسطيني في سبيل تحصيله، ويسعى الصهيوني إلى عرقلته وتدميره.

 

شعار حل الدولتين، كان المغزى الأساس لاتفاق أوسلو سنة 1993، وعدم تنفيذ الاتفاق، كان الأساس السياسي المادي لكل العنف الذي عاد فتصاعد بعيد توقيع هذا الاتفاق.

الآن، وفي معرض صياغة الجواب من اليوم الحالي، وعن اليوم التالي، لا يمكن تجاهل التدقيق في الأسباب التي منعت ترجمة اتفاق أوسلو إلى واقع ملموس، مثلما لا يمكن الهروب من تعيين وتحديد المسؤولية الذاتية الفلسطينية، بعد الإشارة المعمَّقة إلى الأسباب الموجبة الصهيونية، ما كان منها عارضاً، وما كان منها عريقاً وعلى اتصال بزمن التأسيس.

 

على سبيل المساهمة الذاتية، لقد انتهت سنوات أوسلو إلى سلطة وطنية في الضفة، وإلى سلطة فئوية في غزّة. السلطتان تأقلمتا مع انشقاق عسكري – سياسي، قادته حركة حماس، ومن ناصرها من فصائل شبيهة، وعاشتا في ظل شرعيتين تنكر إحداهما الأخرى… واقعة الانشقاق كانت الصدمة القاتلة الأهم، التي عرقلت حلّ الدولتين، بسبب من انشطار المرجعية الوطنية الفلسطينية، وبسبب توظيف الاحتلال لهذا الانشطار، من خلال ادعاء غياب المحاور الفلسطيني، ومن خلال تغذية عوامل الانشقاق، بغض الطرف عن غزّة من جهة، وبإضعاف السلطة في الضفة الغربية من جهة أخرى.

 

التركيز على مسألة القرار الفلسطيني الواحد، مردّه إلى أمرين، الأول هو ما بدأ يتسرّب إلى الإعلام عن خلافات داخل “البيت” الفلسطيني حول اليوم الثاني بعد الحرب، والثاني، هو استسهال أهل البيت الفلسطيني العودة إلى لغة الفريقين والطرفين والنظريتين، بعيداً من وعي أن مسألة الوحدة الوطنية الفلسطينية ستظل السلاح الأول والأخير للشعب الفلسطيني، والسلاح الأجدى في مواجهة ما تتعرض له القضية الفلسطينية من محاولات شطب وإلغاء.

 

حلّ ذلك متاح، فمنظمة التحرير الفلسطينية هي الإطار الجامع لكل الفلسطينيين، ومن الطبيعي “المنطقي” أن تكون أبوابها مفتوحة من الآن أمام كافة الفصائل، وفي المقدمة منها حماس والجهاد الإسلامي وسواهما… ولتكن لاحقاً، وبعد وضوح صورة الميدان، انتخابات عامة، ولتكن نتائج الانتخابات الفيصل والحكم بين كل المتنافسين.

 

 

 

ماذا عن الجواب اللبناني؟

يختلف سياق السؤال اللبناني، وسياق جوابه، عن ذات الأمرين في الموضوع الفلسطيني، ويلتقي معه في سياق مشترك، هو ميدان القتال ضد العدو الصهيوني.

 

المعني بالجواب في فلسطين، كل فلسطين، والمعني بالجواب في لبنان فئة محدّدة لا تقول قولها فئات لبنانية أخرى. هذا مصدر افتراق أول، على صعيد الإجماع الوطني الفلسطيني الموجود، والافتراق الوطني اللبناني الغالب، ونتيجة هكذا وضع، فالجواب لبنانياً فيه من قول “الفئة” الكثير، وفيه من قول المجموعات القليل، هذه المعادلة يمكن قلبها أيضاً، ودائماً حسب الظروف اللبنانية المعلومة، بحيث يصير القليل كثيراً، والكثير قليلاً.

 

كما هو معلوم، تقود المقاومة الإسلامية في لبنان قتال الدعم والإسناد في مواجهة الاحتلال، وتختصر ساحة الجنوب معادلة وحدة الساحات، بحيث لا يلمس الرائي ساحة جدّية تستحق اسمها، سوى جغرافيا الحدود اللبنانية – الفلسطينية، وما عدا هذه الساحة، لا ترقى “المشاكسات” العراقية واليمنية إلى معنى الساحة المباشر، طالما أنها بعيدة عن خطوط التماس.

 

واقع الحال هذا، يجعل المقاومة الإسلامية معنية بالتدقيق في جوابها عن اليوم التالي، لأنها مسؤولة مباشرة عن صياغة أسس إعادة “انتشارها” ضمن البنية اللبنانية، وعن رسم وتقديم الخرائط المرافقة لهذا الانتشار.

 

الجواب التمهيدي الذي يحتلّ حيّز الآن، هو التزام المقاومة بقواعد الاشتباك، وضبط ردودها ضمن الحدود التي ما زالت “مقبولة” من قبل العدو، رغم شدّتها، بالقياس إلى ما هو معلوم من حساسية هذا العدو حيال أفراده وحيال مستوطناته.

 

حدود الاشتباك، لها من يرفضها لبنانياً، وهذا عامل يضعف أصحابها، عندما يضع أداء المقاومة موضع افتراق وحدود الاشتباك يقابلها العدو بتصعيد لهجة تهديده، ويكرر تحذيراته من التمادي في اعتمادها، بلغة مباشرة، ومن خلال أفرقاء دوليين. سياسة العدو هذه تعني، وبلغة مفهومة، أن ما تجده المقاومة مقبولاً، يتدحرج إلى حالة غير مقبولة من طرف العدو، ولأن اللعبة تحتاج إلى فريقين، فإنها تنهار ما إن يعلن أحد الفريقين خروجه على قواعدها. إذن، تحمل سياسة “قواعد الاشتباك” تهديداً في ذاتها، وهذا يتطلب من المقاومة قراءة متابعة لمتغيرات اللعبة، وضبط الأداء بما يتناسب وهذه المتغيرات، ويظل الأهم، عدم الوصول بلبنان إلى حافة حرب مفتوحة. قلنا هذا الآن، لكن ماذا عن الغد؟ الجواب الأولي هو أن المقاومة محكومة بالعودة إلى الانتظام داخل السياق السياسي اللبناني العام، وهذا يعني أنها معنية بالتفكير منذ اليوم برؤيتها للاندماج ضمن الانتظام الوطني، وبخطط هذا الاندماج. على صعيد وطني عام، ولنقل لبناني عام، على الفئات اللبنانية، جميعها، إعداد أجوبتها المتفرقة، أو المنسّقة، عن كيفية استعادة المقاومة إلى “بيتها”، وهذا بدوره يفترض إعادة تحديد هذا البيت، وإعادة “التعريف” بسكانه، وإعادة القراءة في اللوحة الاجتماعية الأهلية، وفي الجديد الذي طرأ على بنيتها، وعلى بنى أطراف الأهل المجتمعين داخل إطارها.

 

قد يكون ما ورد جواباً تأسيسّياً جديداً، وقد يكون صياغة توافقية محدَّثة، وقد يكون ارتساماً لمعالم وطنية لبنانية واقعية… أي أن اللبنانيين سيكونون أمام جديدٍ ما، لا يستطيعون إنكاره، ولا يقدرون على الهروب من مواجهة أحكامه.

 

 

 

ماذا عن الجواب العالمي؟

الجواب العالمي، تقع مسؤولية صياغته على الدول العربية عامة، وعلى المقاومتين في لبنان وفلسطين استتباعاً.

 

ما لدى الدول العربية صار معلوماً، وحدوده لا تتجاوز المساعي الدبلوماسية، وصياغة اقتراحات الوساطة بين المقاومة الفلسطينية وعدوها الصهيوني، والمبادرة في تأمين المساعدات الإغاثية لشعب غزّة المقتلع من أرضه، بأساليب القتل الوحشية.

 

أن يجيب اللبنانيون والفلسطينيون عن العالم المتدخل في فلسطين وفي عموم المنطقة العربية، يعني إمعان النظر والفهم في ما يصدر عن هذا العالم من أقوال، وما يقدم عليه من أفعال، وما يضمره من خطط لاحقة تهدف إلى إعادة ضبط “الشرق الأوسط” ضبطاً يستجيب للمصالح الأميركية أولاً، ولأمن العدو الصهيوني ثانياً، ولمجموع المصالح الفرعية لعدد من الدول الأوروبية. ما هو مقروء ومسموع راهناً، هو إعلانات الانحياز التام إلى جانب العدوان الصهيوني واقتصار ذكر الشعب الفلسطيني في معرض حاجاته الإغاثية فقط، من دون الذهاب إلى الحسم في ضرورة تنفيذ الأساسي من أهدافه الوطنية، أي حقه في أن يكون له دولة مستقلة لا أثر فيها لعدوان الاحتلال.

 

يفترض واقع الحال معاينة متجدّدة للهيمنة الغربية عموماً التي تحدِّث أدواتها، الفكرية منها والسياسية، والاقتصادي التنافسي والاستتباع الاستلابي. المعاينة هذه لا تختزلها كلمة الإمبريالية الموروثة، ولا تقترب من فهمها أدوات “الإيديولوجيا”، الإسلامية والاشتراكية والقومية. بكلمات: لقد بات العالم في مكانٍ آخر نجهله، وذات العالم، تقدم إلى مواقع معرفته بناء أكثر بما تقدمنا نحن من معرفة ذواتنا.

 

على وجوه كثيرة، جواب العالم في اليوم التالي، نصوغه في صيغة إعادة تعريف الذات تعريفاً حضارياً استرجاعياً، مهمته صوغ الخلاصات، بغية تطويرها، وعلى قاعدة تطوير خلاصات الذات، يقوم بناء إعادة تعريف “الآخر”، كل آخر، وفي موقعي الخصام أو اللقاء، ذلك أنه من دون معرفة شاملة، سيظل الخطاب عن الذات وعن غيرها، يضرب خارج قواميس المواضيع الشائكة.

 

خلاصة: في فلسطين، وفي لبنان، وفي المنطقة العربية، لا بديل من قراءة جيدة في كل الكتب، ولا بديل من جعل لغة السلاح لغة اضطرارية عند الدفاع عن النفس، ولا بديل من مرونة الانتقال إلى حسن الاستثمار السياسي، بعد أن تسكت لغة السلاح.

تابعنا عبر