شعار ناشطون

معركة النفط والغاز و”الأقليات”: جنبلاط متخوّف من تدمير الدولة

08/09/21 08:33 am

<span dir="ltr">08/09/21 08:33 am</span>

منير الربيع – المدن

تتجه الأنظار إلى الأردن الذي يشهد اليوم الأربعاء اجتماعاً هو الأول من نوعه بين وزراء الطاقة في لبنان، سوريا، ومصر، إلى جانب وزير الطاقة الأردني، للبحث في نقل الغاز المصري والكهرباء الأردنية إلى لبنان عبر الأراضي السورية.

ويشكّل اللقاء علامة فارقة ومقدمة لتحوّل سياسي، في حال توصله إلى اتفاقية واضحة المعالم، لا تقتصر نتائجها على الجانب التقني أو ما يرتبط بالنفط. لكن التحول السياسي بدأت تداعياته تبرز من الساحة السورية: زحف لبناني إلى دمشق، وفد رسمي وبعده وفد درزي، وتحضير لزيارات أخرى. وهذا تطور يحاول كل طرف استغلاله لصالحه، فتتضارب المصالح ووجهات النظر بين القوى السياسية المختلفة.

بين جنبلاط ونصرالله
وكان وليد جنبلاط أول من استبق هذه التطورات: زار الأردن والتقى الملك عبد الله الثاني، واتخذت الزيارة طابعاً مهماً لارتباطها بجملة مسائل: أولها البحث في المعضلة اللبنانية وكيفية الحفاظ على الاستقرار، وتقديم الدعم والمساعدات للجيش والقوى الأمنية. وثانياً البحث في التطورات السياسية في المنطقة، وخصوصاً إعادة إحياء خط النفط العربي. وثالثاً البحث في أوضاع الجنوب السوري وتطورات معركة درعا، وتوفير المزيد من الحماية للسويداء برعاية أردنية.

وكان جنبلاط استشرف آفاق هذه المرحلة وأبعادها، ربطاً بالتطورات السياسية والميدانية، لا سيما وضع درعا والذي يراد حسمه لتوفير الاستقرار وإصلاح أنابيب الغاز وشبكة الكهرباء.

وسبق البحث في إحياء هذا المشروع، إعلان نصر الله عن استقدام النفط الإيراني إلى لبنان. والملك الأردني بحث في الأمر مع الرئيس الأميركي جو بايدن، خلال زيارته واشنطن قبل أسابيع. وخطوة نصر الله عجّلت في الإعلان عن إطلاق المشروع، فبرزت معلومات تحدثت عن غطاء أميركي له، هو ما أنتج زيادة الضغط على المعارضين في درعا للوصول إلى اتفاق، فأصبحوا بين خيارين: إما الرضوخ للضغط العسكري وتسليم سلاحهم، أو خوض معركة تؤدي في النهاية إلى إخراجهم نحو شمال سوريا.

خوف جنبلاط وتشاؤمه
وأبدى جنبلاط تخوفه من احتمال عرقلة المشروع الأردني-المصري، من خلال تعديات على شبكة الأنابيب واستهدافها أو تفجيرها، لارتباطها بتوازنات سياسية. فجنبلاط يتخوف دوماً من لعبة الأمم وانعكاساتها، ويراقب التطورات ويطرح أسئلة كثيرة عن آلية التعاطي مع الأزمتين اللبنانية والسورية. وهو يبدو متشائماً بالنظر إلى الوقائع التي تشير إلى المزيد من التحلل وتكريس معادلة اللادولة. فما يجري ليس أقل من تدمير ممنهج لكل ما له علاقة بالدولة المركزية ومؤسساتها، وبكل ما كنت ترمز إليه.

ووجهة لبنان وسوريا تسيران في هذا الاتجاه. لبنانياً، يطرح جنبلاط أسئلة كثيرة حول آليات المساعدات المقدمة، وشمولها مناطق معينة من دون أخرى. ويأسف للواقع السياسي الذي يجعل السنّة متروكين ومهمشين، منذ ما قبل مجزرة التليل العكارية وتعمُّد اللبنانيين تناسيها، فيما ذهب وفد من حزب الله لتقديم واجب العزاء وتخصيص مبالغ مالية للمساعدة، وسط غياب مرجعيات السنّة الدينية والسياسية عن المشهد. وهذا ينذر بمخاطر كبيرة.

وطرح جنبلاط أسئلة كثيرة عن تخصيص المساعدات للمجتمع المدني، واحتكارها من قبل جهات سياسية معروفة، وكأن لبنان يتبع لهؤلاء فقط من دون الآخرين.

أما عملية تشكيل الحكومة، فيبدو أنها خاضعة للمزاجية والازدواجية التي لا تقود إلا للتدمير الممنهج للبنان المعروف، وصولاً إلى تغيير وجهه وهويته على المثال السوري. ويقول جنبلاط إن ليس لديه أي شرط لتشكيل الحكومة. والمهم تشكيلها لوضع إطار مؤسساتي قادر على التعاطي مع الأزمات، بدلاً من ترك البلاد فالتة ومفتوحة على جماعات قادرة على التحكم بأعناق اللبنانيين ومصائرهم، وسط سكوت ديبلوماسي ودولي عما يجري، والعزوف عن إجراءات من شأنها أن تحقق التوازن.

أقلوية لبنانية وسورية
وجاء الردّ على زيارة جنبلاط إلى الأردن سريعاً: تنظيم زيارة درزية إلى سوريا. فاستقبل رئيس النظام السوري بشار الأسد الوفد الدرزي، بعد إعلانه الموافقة على مرور الغاز والكهرباء من الأراضي السورية. وفي الحسابات اللبنانية والسورية تعتبر هذه الخطوة فرصة انتهزها النظام السوري للقول إنه لا يزال قادراً على التأثير في الساحة اللبنانية. ويستغل حلفاؤه الدروز زيارتهم والتطورات الحاصلة لفرض وقائع سياسية جديدة درزياً، على مشارف انتخابات شيخ العقل. وفي اللقاء بين الوفد الدرزي والأسد كان كلام عن دور الأقليات في الوطن العربي. وهذه العبارة تستفز جنبلاط كثيراً، فيرفضها منذ البداية ويعلن خصومته ولها وقطيعته معها.

ولن يقتصر دور النظام السوري على تظهير حضوره في البيئة الدرزية. وهو يسعى إلى توسيعه ليطال حلفاءه في البيئتين السنية والمسيحية، وتعزيز تواصله مع رئيس الجمهورية وتياره. وهذا ما يستغله هؤلاء الأفرقاء اللبنانيين في الحسابات الداخلية، انطلاقاً من مسار تشكيل الحكومة والتمسك بالشروط استناد إلى الموقف السوري، متوهمين أنه مؤثر في المجريات.

معركة ضد البرلمان
وفي هذا الإطار فتحت معركة جديدة عنوانها المجلس النيابي. فالمقربون من رئيس الجمهورية يراهنون على الموقف السوري في معركتهم ضد الرئيس نبيه برّي. وهم يعلنون المعادلة التالية: إما تشكيل الحكومة بشروطهم، أو عدم تشكيلها والذهاب إلى خوض معركة إسقاط المجلس. ولا تزال المعركة في بدايتها. من الوصول إلى اتفاق حول كيفية تمرير الغاز المصري والكهرباء الأردنية، والثمن السياسي الذي يطالب به النظام السوري، وأوله تعويمه عربياً، ومنحه استثناءات من قانون قيصر، وصولاً إلى تجديد نشاطه في لبنان.

ولا بد من انتظار موقف طهران من هذه التطورات: قد تستغل تعويم النظام السوري وتسوية درعا وإخراج المسلحين منها لصالحها، من دون تحقيق نتائج جوهرية تتعلق بخط النفط العربي. وهذا ربما ما دفع طهران إلى تأخير وصول النفط الإيراني إلى لبنان في انتظار التطورات وما يمكن تحقيقه. ولا يمكن فصل تطور هذه الملفات عن مسار العلاقة الأميركية-الإيرانية. والاتفاق بين الطرفين قد يؤدي وحده إلى تسهيل الاستحقاقات في لبنان وسوريا.

عون وميقاتي
وفي انتظار وضوح الصورة، يعمل كل طرف في لبنان على اعتبار التطورات في صالحه. فعون يعتبر نفسه منتصراً ويطالب بالثمن السياسي في عملية تشكيل الحكومة. وميقاتي يعتبر العكس: يتعرض عون إلى ضغوط قاسية يجبر في نهايتها على تقديم تنازل لتشكيل الحكومة. وخطوتا حكومة تصريف الأعمال في رفعها الدعم ووفدها إلى سوريا، تريحان ميقاتي. وبعدها يشكل حكومة وفق ما يشتهي، محررة من كل الأثقال والأعباء.

في هذه المعادلة والتخبط اليومي المستمر، يبقى حزب الله الوحيد القادر على قطف ثمار سياسية من معادلة إدخاله النفط الإيراني، إلى معادلة التطبيع مع دمشق وغرق خصومه في حسابات ضيقة وإمعانهم في الضياع.

تابعنا عبر