
بقلم: الكاتب والصحافي صفوح منجّد.
مع إقتراب نهاية ولاية العهد التي تبقى منها فقط 27 يوما بالتمام والكمال وإنصراف اللبنانيين إلى إحتساب العد العكسي بإستخدام هواتفهم وتطبيقاتها الإلكترونية، لا يزال ” ساكن القصر” يمضي قُدما في قراراته ومواقفه “الهمايونية” التي لم يشهد اللبنانيون مثيلا لها عند كل من تبوأ هذه “الرتبة” وتجاوزتها إلى عدد لا يُحصى من المصائب والأهوال والإنهيارات الإقتصادية وإنتشار الفساد وتعاظم معاناة الناس على صعيد كافة السبل الحياتية صحيا ومعيشيا وماليا وتربويا إلى حد تحولت معه حياة الناس إلى طوابير لم يعرف لبنان مثيلا لها حتى في الحربين العالميتين، وهذا ليس بمستغرب، ألم يعد ( أبو الميش) بإيصال اللبنانيين إلى جهنم ؟ لقد فعلها وأكثر.
إتفاق الطائف
في غضون يصادف هذا الإسبوع ذكرى مرور 33 عاما على توقيع إتفاق الطائف وهو الإسم الذي تُعرف به وثيقة الوفاق الوطني اللبناني التي صدرت عن الجهات المتنازعة في لبنان في 30 ايلول 1989 في مدينة الطائف بالمملكة العربية السعودية منهيا الحرب الاهلية اللبنانية بعد اكثر من 15 سنة على إندلاعها .
وقد تم إستحضار هذه الوثيقة في كل اللقاءات السياسية التي عُقدت في الأيام القليلة الماضية لتؤكد على أهمية بنود الطائف في دعم الإستقرار في لبنان والحفاظ على إستقلاله أرضا وشعبا ومؤسسات والمضي في معالجة أوضاعه وما طرأ من مشاكل وإضطرابات وصعوبات حياتية في حال تم تأمين الإستقرار وإنتظام الحياة السياسية في البلد وبصورة خاصة إتمام عملية إنتخاب رئيس جديد للجمهورية و تشكيل حكومة قادرة وفاعلة.
غير ان الثنائي الشيعي وتحديدا “حزب الله” لم يخف سعيه إلى تعديل إتفاق الطائف من بوابة تعزيز مكانته في التركيبة الحالية حيث كان أمينه العام السيد حسن نصر الله أول من بادر إلى طرح فكرة عقد المؤتمر التأسيسي في العام 2012 ودعا إلى مناقشة بناء دولة قوية في لبنان ؟! ، وهذا الأمر واضح وجليّ وينبع من شعوره بفائض القوّة ما يدفعه إلى التفكير بكيفية تنقيح إتفاق الطائف وتطويره – حسب رأيه – لكي يعزز مكانته في النظام من دون أن يخوض أي إشتباك مع أي مكوّن آخر.
وخلال الاشهر الماضية تكررت المحاولات لإعادة فتح هذا الملف دون أن تؤدي الضغوطات من “حزب السلاح” إلى أي خرق يُذكر وإجهاض المحاولات التي هدفت إلى حصول أي تعديل على إتفاق الطائف ،وقد جاء البيان الثلاثي الأخير الأميركي – الفرنسي- السعودي كإشارة واضحة في هذا الإتجاه من خلال التأكيد على أهمية ” الطائف” حتى أن رئيس الحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط شدّد على ضرورة الحفاظ على “الطائف” كنقطة إستراتيجية بالنسبة إلى السعودية التي تتمسك به وتعتبر أن تطبيقه هو الخيار الأمثل ليخرج لبنان من كل أزماته لأنها ليست في النظام أو الدستور بل في عدم تطبيقه.
جلسة الإنتخاب النيابية
من جهة ثانية ما زالت الأوساط السياسية والنيابية والشعبية تتابع بإهتمام نتائج جلسة الإنتخابات الأولى التي عقدها المجلس النيابي لإختيار رئيس جديد للجمهورية والتي حضرها وشارك في عملية الإقتراع 122 نائبا فيما تعيّب بعذر النواب : نعمة إفرام ،نجاة صليبا، إبراهيم منيمنة، وفؤاد مخزومي، وتغيّب بدون عذر كل من النائبين سليم الصايغ وستريدا جعجع.
وقد تبين أن النواب الذين إقترعوا بورقة بيضاء توزعوا على كتل ” لبنان القوي”،” الوفاء لمقاومة”، “التنمية والتحرير”، “المردة والتكتّل المستقل”، “الطاشناق”، “المشاريع”، وبعض النواب المستقلين مثل حسن مراد، جهاد الصمد، جميل السيد، اسامة سعد، عبد الرحمن البزري.
أما النواب الذين صوتوا لصالح النائب ميشال معوض فقد توزعوا على كتل “الجمهورية القوية”،” الكتائب”، “اللقاء الديمقراطي”، “التجدد”، النائب أشرف ريفي ، والنائب بلال الحشيمي الذي أعلن أنه صوّت لمعوض وكذلك النائب إيهاب مطر والنائب غسان سكاف الذي يعتبر الورقة ا
وكان واضحا تصويت نواب التغيير ال 11 االذين حضروا الجلسة لصالح سليم إدة. أما النواب الذين صوتوا بإسم “لبنان” فعُرف منهم نواب كتلة “الإعتدال الوطني”: وليد البعريني، سجيع عطية، أحمد رستم، عبد العزيز الصمد، أحمد الخير، ومحمد سليمان إضافة إلى النائبين نبيل بدر وعماد الحوت بينما إختار النائب كريم كبارة الإقتراع لنهج رشيد كرامي ولم يُعرف من هو النائب الذي إختار الشابة الإيرانية مهسا أميني.وبذلك توزعت النتائج كالتالي: 63 ورقة بيضاء، 36 لمعوض،10 للبنان، 11 لإدة .
وبنتيجة تلك الجلسة دخل النائب ميشال معوض نادي المرشحين وكذلك رجل الأعمال سليم إدة، وتشير المصادر انه في جلسات الإنتخاب القادمة قد، بل من الطبيعي أن تتغيّر المعطيات والنتائج، وربما يلجأ حزب الله إلى دعم الوزير سليمان فرنجية وهو واحد من إثنين إلى جانب الوزير جبران باسيل يُمكن إعتبارهما المرشحين المفضلين لديه.
وفي حال وقعت “القرعة” على فرنجية وتم إستبعاد باسيل من قبل الحزب لأسباب سياسية ستُصبح معركة الرئاسة محصورة بين فرنجية ومعوض وهما من أبناء مدينة وقضاء زغرتا الزاوية وستكون المعركة حامية ولا شك. في حين لا تستبعد المصادر ان تكون المعركة شمالية مع صعوبتها في حال ترشح الدكتور سمير جعجع، وعدم رغبة معوض في الإستمرار بترشحه.
السياديون وجماعة التغيير
في ضوء كل ذلك يبدو ان لبنان يواجه إستحقاقا مفصليا يتمثل بإنتخاب رئيس جديد للجمهورية، وفي حال الوصول إلى إنتخاب (وهكذا يجب ان يكون) رئيس سيادي جديد يكون لبنان قد خطى خطوة مهمة بإتجاه رفع الهيمنة الإيرانية عنه المتمثلة بسيطرة ” حزب الله” وحلفائه على السلطة في لبنان بمختلف أشكالها السياسية والإقتصادية والعسكرية، والوصول إلى مثل هذه النتيجة لن يكون ممكنا إلآ إذا تضافرت القوى السيادية وفي مقدمها القوى الجديدة الناشئة ، سيما وأن التغييريين قد حصلوا على 13 مقعدا في إنتخابات المجلس النيابي الاخيرة.
ولا شك ان الشعب اللبناني عانى ويعاني على درب إسترجاع الدولة إلى دورها ووظيفتها في حفظ سيادتها وإستقلالها وتأمين الحياة الحرة والكريمة لشعبها ، فإنّ التغييريين هم الفئة الأكثر إرتباطا وفاعلية في بناء نظام لبنان الجديد لأسباب ذاتية وموضوعية، فنحن جميعا أمام الفرصة المناسبة والمتاحة لتأمين ديمومة الحياة للبنان الواحد الموحّد وعدم إندماجه في أي حلف في المنطقة وفي الشرق الأوسط بل أكثر من ذلك نحن أمام تحديد مصير لبنان المستقبل.
وما ينتظر التغييريين والسياديين هو إنتصار محقق مثُل أمام أعيننا في الإنتخابات النيابية ويجب ان يتراءى أمام أعين الجميع في إنتخابات الرئاسة الأولى أن التغييريين قادرون على إستجماع قوى الوطن لإسترداد السيادة الحقيقية وتأمين أكثرية نيابية توصل الشخص المطلوب إلى منصب الرئاسة الأولى، وقد يكون في هذا الهدف مطبات ومحطات صعبة ومعقدة ولكنها جميعا تهون أمام قيام نظام لبناني جديد سيد وحر وفاعل في محيطه وفي العالم، فلبنان الشعب والدولة والكيان موضوع على المحك فإما أن يقوم فيه نظام جديد ويسترجع تاريخه البهي في الحرية والسيادة والإستقلال، كما يقول الكاتب نبيل خليفة ،وإما أن يكرر تجربته المرّة مع سلطة مرتهنة وفاسدة تقضي على كل ما تبقى له من رصيد في تاريخ الأمم المتحدة وجامعة الدول العربية.
إن ما يمر به لبنان هو إمتحان لكل اللبنانيين وللتغييريين بشكل خاص وعلى الجميع التحلي بالوعي الجيو- سياسي لإستيعاب كافة مقومات المرحلة الحاضرة من حياتنا.
ويُشير المعلّق السياسي طوني فرنسيس إلى أنّ الفريق الذي كان منتميا إلى 14 آذار لم يعد هو نفسه، هذه المرة غاب سعد الحريري وكتلته التي كانت تجمع ما لا يقل عن 20 نائبا وصار المقياس السياسي الإصلاحي أساسا في تجميع القوى وخوض الإنتخاب، ودخلت الساحة مجموعة وازنة من النواب” التغييريين” الذين عليهم في النهاية تحديد موقعهم في الإنقسام الصريح.