
احتدمت المعارك بين إسرائيل والفصائل الفلسطينية، اليوم الجمعة، داخل أكبر مُدن قطاع غزة وفي محيطها، قبيل تصويت لمجلس الأمن الدولي في مسعى استثنائي على مشروع قرار لوقف إطلاق النار، بعد شهرين على هجوم حركة “حماس” ضد إسرائيل واندلاع حرب حصدت آلاف القتلى.
وبعدما ركز الجيش الإسرائيلي هجومه البري ضدّ “حماس” في مرحلة أولى في شمال غزة، وسّع عملياته هذا الأسبوع إلى جنوب القطاع حيث يحتشد زهاء مليوني مدني باتوا محاصرين في بقعة تضيق مساحتها تدريجياً.
“المقاومة الأشد”
في مدن غزة وخان يونس ودير البلح والنصيرات، تتواصل الموجهات، وتتنوع بين عمليات برية وقصف جوي وبحري.
وأعلن الجيش الإسرائيلي، اليوم، أنه “ضرب 450 هدفاً” في غزة في عمليات برية وجوية وبحرية، ما أسفر عن مقتل “العديد من الإرهابيين”.
وفي شمال مدينة خان يونس (جنوب)، هزّت عمليات القصف التي نفّذها الجيش الإسرائيلي حي الكتيبة.
وتدفّق الجرحى بالعشرات إلى مستشفى خان يونس وبينهم أطفال حاول ممرض إنعاش أحدهم على نقالة.
وقال محمد جعرار وهو من سكان خان يونس: “كنا في منطقة تعد آمنة”، مشيراً إلى سماع صراخ بعد الضربة.
وأفادت صحيفة “جيروزاليم بوست” الإسرائيلية بأنّ المقاومة التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في خان يونس هي “الأشد” منذ بدء الحرب على غزة.
وأعلنت “كتائب القسام” استهداف عدد من آليات الجيش الإسرائيلي في المنطقة، وأكدت أنّ مقاتليها أوقعوا قتلى وجرحى في صفوف الإسرائيليين، كما كشفت عن تمكنها من تفجير منزل تحصّن فيه مجموعة كبيرة من الجنود الإسرائيليين شرق خان يونس، ومهاجمته بعدها بالأسلحة الرشاشة، ما أدى إلى وقوع العناصر الإسرائيليين بين قتلى وجرحى.
وفي المجموع قُتل 97 عسكرياً إسرائيلياً على الأقل منذ بدء العملية البرية في غزة، وبينهم نجل غادي آيزنكوت، رئيس أركان الجيش السابق وعضو مجلس الوزراء الحربي، وفقاً لآخر حصيلة نشرها الجيش الإسرائيلي.
كذلك، أعلنت “حماس” إطلاق رشقات جديدة من الصواريخ باتجاه تل أبيب ومناطق أخرى في إسرائيل، تم اعتراض غالبيتها.
وأفادت “القناة 13” عن إطلاق 100 صاروخ باتجاه إسرائيل، معتبرة ذلك إشارة إلى أنّ “حماس لا تزال في المعركة وبقوّة”.
مقتل أسرى بقصف إسرائيلي
إلى ذلك، كشفت “القسام” أنّ “قصف الاحتلال الإسرائيلي الهمجي على غزة أدى إلى مقتل وإصابة عدد من أسرى العدو”، بعد أن أعلنت في وقت سابق مقتل أحد الجنود الأسرى لديها خلال محاولة فاشلة للجيش الإسرائيلي للوصول إليه فجراً.
وقال المتحدث العسكري الإسرائيلي إنّ “جنديين أصيبا بجروح خطيرة في إطار عملية لتحرير محتجزين في قطاع غزة”.
وتفيد إسرائيل بأنّ 138 أسيراً اقتيدوا إلى قطاع غزة في يوم الهجوم لا يزالون محتجزين بعد الإفراج خلال الهدنة عن 105 رهائن من بينهم 80 إسرائيلياً، مقابل إطلاق الدولة العبرية سراح 240 معتقلاً فلسطينياً من سجونها.
ويتوجه أربعة ممثلين عن عائلات الرهائن الإسرائيليين إلى باريس ومن ثم إلى بروكسل وستراسبورغ، في مسعى لدفع الأوروبيين إلى الضغط على قطر التي تؤدي دور الوساطة بين الجانبين.
وقال يانيت أشكينازي الذي لا تزال شقيقته دورون شتاينبريخر في عداد الأسرى: “حتى وإن كنت أعتقد أن شقيقتي حية، لدي خشية من ألا تكون كذلك. لا معلومات أو أدلة لدي حول وضعيتها”.
ارتفاع حصيلة الضحايا
ووفق آخر حصيلة أعلنتها وزارة الصحة التابعة لـ”حماس”، قتل 17490 شخصاً، نحو 70% منهم من النساء والأطفال دون 18 عاماً في قطاع غزة الصغير والمحاصر.
وبحسب الأمم المتحدة، نزح 1,9 مليون شخص أي نحو 85% من السكان عن منازلهم في غزة بسبب الحرب التي دمرت أو ألحقت أضرارا بأكثر من نصف المنازل.
وتبدي الولايات المتحدة، حليفة إسرائيل، قلقا إزاء حصيلة القتلى المدنيين التي لا تنفك تزداد فداحة.
وشدّد وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن على “وجوب أن تجعل إسرائيل من حماية المدنيين أولوية”، مشيرا إلى وجود تفاوت بين النية المعلنة و”النتائج”.
من جهته، شدد الرئيس الأميركي جو بايدن في اتصال مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الخميس على “الحاجة الماسة” لحماية المدنيين مع احتدام القتال، داعيا إلى إنشاء ممرات إنسانية “لفصل السكان المدنيين عن حماس”.
وقالت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في مؤتمر صحافي في دبي على هامش مؤتمر المناخ كوب28، إنّ “الأمور لا يمكن أن تستمر على ما هي عليه”.
“جريمة مفضوحة”
ومساء أمس، بثّت قنوات إسرائيلية مقاطع تظهر عشرات المعتقلين الفلسطينيين بملابس داخلية ومعصوبي العيون تحت حراسة جنود إسرائيليين في قطاع غزة، ما أثار جدلا حادا على شبكات التواصل الاجتماعي.
وقال الجيش الإسرائيلي إنه “يحقق” من أجل “التأكد ممن له بينهم صلة بحماس ومَن ليس كذلك”.
وندد عضو المكتب السياسي للحركة عزّت الرشق بـ”جريمة صهيونية مفضوحة للانتقام من أبناء شعبنا المدنيين العزل”.
“وضع كارثي”
يحاول الآلاف الفرار من القتال للتوجه نحو رفح على الحدود المصرية، المكان الوحيد الذي لا تزال توزع فيه مساعدات إنسانية ولو بكميات محدودة.
وتفرض إسرائيل “حصارا كاملا” على قطاع غزة منذ 9 تشرين الأول (أكتوبر) ما تسبب في نقص خطير في المياه والغذاء والدواء والكهرباء وكذلك الوقود اللازم لتشغيل المولدات الكهربائية في المستشفيات ومحطات تحلية المياه.
ومساء الخميس، “دخلت 69 شاحنة تحمل مساعدات إنسانية و61 ألف لتر من الوقود إلى غزة من مصر”، وهو رقم أقل بكثير ممّا كان عليه خلال الهدنة التي نُفّذت بين 24 و30 تشرين الثاني (نوفمبر)، حسبما أفاد مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وفي مواجهة “وضع كارثي في قطاع غزة”، يبتّ مجلس الأمن الدولي في دعوة إلى “وقف إطلاق نار إنساني فوري” في قطاع غزة، في عملية تصويت غير محسومة النتائج في ظل أوضاع دبلوماسية مشحونة.
وتأتي عملية التصويت بعدما وجه الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش رسالة الأربعاء إلى مجلس الأمن استخدم فيها صراحة المادة 99 من ميثاق المنظمة الأممية التي تتيح له “لفت انتباه” المجلس إلى ملف “يمكن أن يعرّض السلام والأمن الدوليين للخطر”، في أول تفعيل لهذه المادة منذ عقود.
ومنذ بداية الحرب، تمكّن مجلس الأمن من تبنّي قرار واحد يدعو إلى “هدنات وممرّات إنسانية” في غزة، وليس إلى “وقف إطلاق نار” تعارضه الولايات المتحدة.
الضفة الغربية ولبنان
خارج قطاع غزة، تستمر أعمال العنف أيضاً في الضفة الغربية المحتلة، حيث قتلت القوات الإسرائيلية ستة فلسطينيين خلال عملية توغل في مخيّم الفارعة للاجئين، حسبما أفادت وزارة الصحة التابعة للسلطة الفلسطينية.
ومنذ بدء الحرب، قُتل 264 فلسطينياً على الأقل بنيران الجيش الإسرائيلي أو مستوطنين في مناطق مختلفة من الضفة، على ما تفيد وزارة الصحة الفلسطينية.
وذكرت وسائل إعلام عبرية أنّ إسرائيلياً أصيب في عملية إطلاق نار عند حاجز دوتان غرب مدينة جنين، كما أصيب جندي إسرائيلي عندما فتح مجهولون النار على على جبل جرزيم في نابلس.
وتثير الحرب مخاوف من تحول النزاع حربا إقليمية. ومنذ اندلاع الحرب في غزة في 7 تشرين الأول (أكتوبر)، تشهد المنطقة الحدودية بين لبنان وإسرائيل تبادلا يوميا للقصف بين حزب الله والجيش الإسرائيلي، باستثناء هدنة الأيام السبعة في حرب غزة.
وقال إيفي دايان: “نعتقد أن حربا ستقع هنا. نحن نعلم أن حربا ستقع. لذا نحن جميعا قلقون وسنتكمل استعداداتنا”.
وأعلن “حزب الله”، اليوم، أنّه استهدف بالصواريخ مواقع إسرائيلية حدودية، في حين قصف الجيش الجيش الإسرائيلية مواقع للحزب في لبنان.
وأمس، وجه نتانياهو تحذيرا جديدا لـ”حزب الله” قائلاً” “أقترح على أعدائنا أن يكونوا حذرين لأنه إذا اختار حزب الله بدء حرب شاملة فسيحول بسببه بيروت وجنوب لبنان، غير بعيد من هنا، إلى غزة وخان يونس”.