في بداية عشرينيات القَرن الماضي وأثناء جولته في البلاد العربيّة، زار “فيلسوف الفريكة” الأديب أمين الرّيحاني قصر الملك المُؤسِّس للمملكة العربيّة السّعوديّة عبد العزيز بن عبد الرّحمن آل سعود.
وعند دخوله “دارة الملك عبد العزيز” لاحظَ الرّيحاني بيتَيْن من الشِّعرِ جاء فيهما:
لسنا وَإِن كَرُمَت أَوائِلُنا يَومًا عَلى الأَحسابِ نَتَّكِلُ
نَبني كَما كانَت أَوائِلُنا تَبني وَنَفعَلُ فَوقَ ما فَعَلوا
فسَجّلَ الأديبُ اللُبنانيّ ملاحظة في حضرةِ الملك عبد العزيز، بأنّ صحّة الشّطرِ الأخير هو “تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا”، إلّا أنّ الملك كَشَفَ لضيفِهِ بأنّهُ طَلبَ استبدال “مثلَ” بـ”فوق” لأنَّ هدفَه ليس القيام بما فعل السّابقون فقط، بل تجاوزهم إلى ما هو أفضل مما فعلوا.
العَلاقة العمِيقة التي جَمَعت المَلك عبد العزيز آل سعود وأمين الرّيحاني منذ عام 1920 كانت في الحقيقة الحجر الأساس في العلاقات بين المملكة العربيّة السّعوديّة ولبنان، التي أرساها الرّئيس الرّاحل كميل شمعون، فكان أوّل رئيسٍ لُبنانيّ يزور المملكة عام 1952 ويلتقي الملك عبد العزيز.
هذا المدخل التّاريخيّ عن جذور العلاقة بين لبنان والمملكة يساعدنا على فهم الموقف السّعودي من الأحداث التي شهدها لبنان خلال الأعوام الأخيرة، وأبعدته عن الحضن العربيّ بشكلٍ عام، والسّعودي بشكلٍ خاص.
فهناك سؤال يدور في أذهان المُراقبين والمُتابعين اللبنانيين: “هل تخلّت المملكة العربيّة السّعوديّة عن لبنان؟ وهل أخلَت دورها الّذي عُرفَت به في لبنان؟”.
الثّابت طوال السّنوات التي خَلَت، أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة كان لها تجاه لبنان ثوابت ومُسلّمات لا رجعة عنها بين كلّ المُلوك الّذين تعاقبوا على حُكمِ السّعوديّة، منذ ملكها المُؤسّس وصولًا إلى خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي التالية:
– استقرار لبنان وازدهاره.
– أمنه وعروبته.
– والأهمّ: الحفاظ على التوازنات السّياسيّة في البلاد.
لكن ما الذي تسبّب بالجفاء السعودي مع الخصوم والحلفاء؟
من دون سابق إنذار، تعرّضت المملكة إلى تهديدات وهجمات من أطرافٍ لُبنانيّة تشارك في الحكومة. واستمرّ هذا لسنواتٍ من دون أيّ إدانة رسميّة.
يُعتبر هذا “إعلان حربٍ صريح لا لُبسَ فيه”، بالنسبة إلى الديبلوماسية السعودية. وأيضًا بحسب الأعراف الدّوليّة. لكن أبَت المملكة الخوضَ في خلاف علنيّ، وقيادتها اعتبرت ما يجري من “التفاهات والصّغائر”.
بالعودة إلى شهر كانون الثّاني من عام 2017، وتحديدًا يوم وصول الرّئيس ميشال عون في زيارته الخارجيّة الأولى إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض… رافقَ عون وفده الرّئاسي الذي ضمّ بطبيعة الحال رئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، وكان حينها وزير الخارجيّة والمُغتربين، فالتقى بنظيره السّعودي يومها الوزير عادل الجبير، في مقرّ الخارجيّة السّعوديّة.
الجبير أكّد لباسيل استعداد المملكة للاستمرار بمُساعدة لُبنان فقال له: “نحن لا نريد منكم شيئًا. ساعدناكم ووقفنا إلى جانبكم دائمًا وبطيب خاطر مِنّا، وسنستمرّ في ذلك. لكن نحن نُشدّد على تطبيق “الّنأي بالنّفس” أي نأي لبنان، حكومةً ورئاسةً على الأقل، عن الاتخراط في الصّراع الإقليمي بين المملكة وإيران الإسلاميّة التي تتبنّى منذ تأسيسها تصدير ثورتها إلى البلاد العربيّة والإسلاميّة، وازداد ذلك بعد حرب اليمن. لكنّ النأي بالنفس مُهمّ جدًّا بالنّسبة إلينا. ونتمنّى أن يلتزم لبنان به”.
بعد كلام الوزير الجُبَير، شعر باسيل بارتياحٍ كبير. وعبّر كما الجُبَير عن هذا الارتياح لـ”نجاح الاجتماع” بمصافحة تبادل الإثنان خلالها جملة تعبِّر تلخّص ما اتّفقا عليه وهي: Gentlemen Agreement.
الأحداث التي توالت بعد ذلك، تركَت استياءً في المملكة العربيّة السّعوديّة من الثّلاثي “عون، وسعد الحريري، وباسيل”، بعد امتناعهم عن العَمَل للحدّ ممّا تتعرّضت له المملكة من أطراف مُتمثّلة في الحكومة اللبنانيّة، ما يُخالف روح سياسة النّأي بالنّفس التي نصّ عليها بيان الحكومة اللُبنانيّة برئاسة الحريري، التي كان للرّئيس عون وجبران باسيل النّفوذ الأكبر فيها.
الاستياء السّعودي يومها انعكس بطرقٍ عديدة، أبرزها وقف كل المعونات الماليّة عن لبنان واقتصاده وحتّى عن سيّاسيّيه. والسّبب كان معروفًا وواضحًا: انطلاق الحزب وحلفائه في “حربٍ” على المملكة من داخل لبنان وصمت الحليف الأوّل للمملكة سعد الحريري.
اليوم، رغمَ كلّ ما حدث، يعمل السّعوديّون لتكون العلاقة مع لُبنان “من دولة إلى دولة”، وليس من “دولة إلى شخص” أو من “دولة إلى تيّارٍ أو حزبٍ وما سوى ذلك من المُسمّيات”.
في هذا الإطار كانت “باكورة” مشاريع 22 اتفاقية بين بيروت والرّياض، في مجالات استثماريّة وتجاريّة واقتصاديّة وصناعيّة وأمنيّة وعسكريّة، علم “أساس” أنّها تعود بالنّفع على لُبنان أكثر من المملكة. إذ يستفيد لبنان بـ70% من عوائدها، مقابل 30% للسعودية.
وعلى الرُغمَ من التأخير اللبناني، المُتعمّد رُبّما، علِمَ “أساس” أنّ وليّ عهد المملكة الأمير مُحمّد بن سلمان كان واضحًا في موقفه من هذه المُماطلة، إذ وجّه المَعنيّين عن هذه الاتفاقيّات في السّعوديّة أن يصبِرُوا على اللبنانيين إلى حين انتهائهم من إنجاز هذه الاتفاقات.
لكن، هل يعني مُجرّد توقيع الاتفاقيّات عودة المِياه إلى مجاريها في العلاقة بين بيروت والرّياض؟
بالتّأكيد سيكون لهذه الاتفاقيات دورٌ كبيرٌ. إلّا أنّ المملكة التي تعتبر لبنان معبرًا أساسيًا لحفظ الأمن القوميّ العربيّ، تُصرّ أشدّ الإصرار على ضرورة عودة التوازنات إلى الحياة السّياسيّة اللبنانيّة، بعيدًا من كلّ ما يضرّ بها من هيمنة طرفٍ على القرار السّياسي وإلغاء الآخرين بثُلِثٍ مُعطّلٍ لهذا الفريق أو ذلك.
السّعوديّة التي خَبرَت التركيبة السّياسيّة للبنان، تعلمُ يقينًا أنّ اختلال التوازنات في لُبنان له نتائج عكسيّة حتمًا على كلّ الدول العربية. وقد كان هذا الأمرُ واضحًا وجليًّا في الصّراعات الدّاخليّة التي شهِدَها لُبنان، بسبب اختلال هذه التوازنات أو استقواء فريقٍ على الآخرين.
وفي الموضوع عينه، لا تزال السّعوديّة مُتمسِّكة بضرورة أن لا يكون لُبنان قاعدةً ومُنطلقًا لكلّ ما من شأنِه تهديد أمنها وأمن الدّولِ العربيّة، خصوصًا إذا كان الطّرفُ المُستهدِف للأمن العربيّ يجلسُ على طاولة مجلس الوزراء وله القرار الفصل في الحياة السّياسيّة اللبنانيّة.
توازيًا مع الرّؤية السّعوديّة للعلاقات الثنائيّة مع لبنان الدّولة، يُسجّل المراقبون التزام سفير خادم الحرمين الشّريفين لدى لبنان وليد بن عبد الله بخاري بسياسة الصّمت الإيجابي. إذ يُشيرُ بعض الّذين التقوا بُخاري في الآونة الأخيرة، إلى أنّه يُتابِع عمله كي يقدم على الخطوات المطلوبة منه، لا سيّما حسم أمر مشاريع الاتفاقيّات واستعادة التوازنات في الحياة السيّاسيّة في لبنان، بعيدًا من غلبة فريق على الآخرين.
وفي هذا الإطار سُجِّلَت زيارات لافتة قام بها السّفير بخاري على مرجعيّات دينيّة لبنانيّة، كان أبرزها لقاءه مع البطريرك الماروني بشارة الرّاعي والمُفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان في ضاحية بيروت الجنوبية.
في بداية عشرينيات القَرن الماضي وأثناء جولته في البلاد العربيّة، زار “فيلسوف الفريكة” الأديب أمين الرّيحاني قصر الملك المُؤسِّس للمملكة العربيّة السّعوديّة عبد العزيز بن عبد الرّحمن آل سعود.
وعند دخوله “دارة الملك عبد العزيز” لاحظَ الرّيحاني بيتَيْن من الشِّعرِ جاء فيهما:
لسنا وَإِن كَرُمَت أَوائِلُنا يَومًا عَلى الأَحسابِ نَتَّكِلُ
نَبني كَما كانَت أَوائِلُنا تَبني وَنَفعَلُ فَوقَ ما فَعَلوا
فسَجّلَ الأديبُ اللُبنانيّ ملاحظة في حضرةِ الملك عبد العزيز، بأنّ صحّة الشّطرِ الأخير هو “تَبني وَنَفعَلُ مِثلَ ما فَعَلوا”، إلّا أنّ الملك كَشَفَ لضيفِهِ بأنّهُ طَلبَ استبدال “مثلَ” بـ”فوق” لأنَّ هدفَه ليس القيام بما فعل السّابقون فقط، بل تجاوزهم إلى ما هو أفضل مما فعلوا.
العَلاقة العمِيقة التي جَمَعت المَلك عبد العزيز آل سعود وأمين الرّيحاني منذ عام 1920 كانت في الحقيقة الحجر الأساس في العلاقات بين المملكة العربيّة السّعوديّة ولبنان، التي أرساها الرّئيس الرّاحل كميل شمعون، فكان أوّل رئيسٍ لُبنانيّ يزور المملكة عام 1952 ويلتقي الملك عبد العزيز.
هذا المدخل التّاريخيّ عن جذور العلاقة بين لبنان والمملكة يساعدنا على فهم الموقف السّعودي من الأحداث التي شهدها لبنان خلال الأعوام الأخيرة، وأبعدته عن الحضن العربيّ بشكلٍ عام، والسّعودي بشكلٍ خاص.
فهناك سؤال يدور في أذهان المُراقبين والمُتابعين اللبنانيين: “هل تخلّت المملكة العربيّة السّعوديّة عن لبنان؟ وهل أخلَت دورها الّذي عُرفَت به في لبنان؟”.
الثّابت طوال السّنوات التي خَلَت، أنّ المملكة العربيّة السّعوديّة كان لها تجاه لبنان ثوابت ومُسلّمات لا رجعة عنها بين كلّ المُلوك الّذين تعاقبوا على حُكمِ السّعوديّة، منذ ملكها المُؤسّس وصولًا إلى خادم الحرمين الشّريفين الملك سلمان بن عبد العزيز، وهي التالية:
– استقرار لبنان وازدهاره.
– أمنه وعروبته.
– والأهمّ: الحفاظ على التوازنات السّياسيّة في البلاد.
لكن ما الذي تسبّب بالجفاء السعودي مع الخصوم والحلفاء؟
من دون سابق إنذار، تعرّضت المملكة إلى تهديدات وهجمات من أطرافٍ لُبنانيّة تشارك في الحكومة. واستمرّ هذا لسنواتٍ من دون أيّ إدانة رسميّة.
يُعتبر هذا “إعلان حربٍ صريح لا لُبسَ فيه”، بالنسبة إلى الديبلوماسية السعودية. وأيضًا بحسب الأعراف الدّوليّة. لكن أبَت المملكة الخوضَ في خلاف علنيّ، وقيادتها اعتبرت ما يجري من “التفاهات والصّغائر”.
بالعودة إلى شهر كانون الثّاني من عام 2017، وتحديدًا يوم وصول الرّئيس ميشال عون في زيارته الخارجيّة الأولى إلى العاصمة السّعوديّة الرّياض… رافقَ عون وفده الرّئاسي الذي ضمّ بطبيعة الحال رئيس التيار الوطنيّ الحرّ جبران باسيل، وكان حينها وزير الخارجيّة والمُغتربين، فالتقى بنظيره السّعودي يومها الوزير عادل الجبير، في مقرّ الخارجيّة السّعوديّة.
الجبير أكّد لباسيل استعداد المملكة للاستمرار بمُساعدة لُبنان فقال له: “نحن لا نريد منكم شيئًا. ساعدناكم ووقفنا إلى جانبكم دائمًا وبطيب خاطر مِنّا، وسنستمرّ في ذلك. لكن نحن نُشدّد على تطبيق “الّنأي بالنّفس” أي نأي لبنان، حكومةً ورئاسةً على الأقل، عن الاتخراط في الصّراع الإقليمي بين المملكة وإيران الإسلاميّة التي تتبنّى منذ تأسيسها تصدير ثورتها إلى البلاد العربيّة والإسلاميّة، وازداد ذلك بعد حرب اليمن. لكنّ النأي بالنفس مُهمّ جدًّا بالنّسبة إلينا. ونتمنّى أن يلتزم لبنان به”.
بعد كلام الوزير الجُبَير، شعر باسيل بارتياحٍ كبير. وعبّر كما الجُبَير عن هذا الارتياح لـ”نجاح الاجتماع” بمصافحة تبادل الإثنان خلالها جملة تعبِّر تلخّص ما اتّفقا عليه وهي: Gentlemen Agreement.
الأحداث التي توالت بعد ذلك، تركَت استياءً في المملكة العربيّة السّعوديّة من الثّلاثي “عون، وسعد الحريري، وباسيل”، بعد امتناعهم عن العَمَل للحدّ ممّا تتعرّضت له المملكة من أطراف مُتمثّلة في الحكومة اللبنانيّة، ما يُخالف روح سياسة النّأي بالنّفس التي نصّ عليها بيان الحكومة اللُبنانيّة برئاسة الحريري، التي كان للرّئيس عون وجبران باسيل النّفوذ الأكبر فيها.
الاستياء السّعودي يومها انعكس بطرقٍ عديدة، أبرزها وقف كل المعونات الماليّة عن لبنان واقتصاده وحتّى عن سيّاسيّيه. والسّبب كان معروفًا وواضحًا: انطلاق الحزب وحلفائه في “حربٍ” على المملكة من داخل لبنان وصمت الحليف الأوّل للمملكة سعد الحريري.
اليوم، رغمَ كلّ ما حدث، يعمل السّعوديّون لتكون العلاقة مع لُبنان “من دولة إلى دولة”، وليس من “دولة إلى شخص” أو من “دولة إلى تيّارٍ أو حزبٍ وما سوى ذلك من المُسمّيات”.
في هذا الإطار كانت “باكورة” مشاريع 22 اتفاقية بين بيروت والرّياض، في مجالات استثماريّة وتجاريّة واقتصاديّة وصناعيّة وأمنيّة وعسكريّة، علم “أساس” أنّها تعود بالنّفع على لُبنان أكثر من المملكة. إذ يستفيد لبنان بـ70% من عوائدها، مقابل 30% للسعودية.
وعلى الرُغمَ من التأخير اللبناني، المُتعمّد رُبّما، علِمَ “أساس” أنّ وليّ عهد المملكة الأمير مُحمّد بن سلمان كان واضحًا في موقفه من هذه المُماطلة، إذ وجّه المَعنيّين عن هذه الاتفاقيّات في السّعوديّة أن يصبِرُوا على اللبنانيين إلى حين انتهائهم من إنجاز هذه الاتفاقات.
لكن، هل يعني مُجرّد توقيع الاتفاقيّات عودة المِياه إلى مجاريها في العلاقة بين بيروت والرّياض؟
بالتّأكيد سيكون لهذه الاتفاقيات دورٌ كبيرٌ. إلّا أنّ المملكة التي تعتبر لبنان معبرًا أساسيًا لحفظ الأمن القوميّ العربيّ، تُصرّ أشدّ الإصرار على ضرورة عودة التوازنات إلى الحياة السّياسيّة اللبنانيّة، بعيدًا من كلّ ما يضرّ بها من هيمنة طرفٍ على القرار السّياسي وإلغاء الآخرين بثُلِثٍ مُعطّلٍ لهذا الفريق أو ذلك.
السّعوديّة التي خَبرَت التركيبة السّياسيّة للبنان، تعلمُ يقينًا أنّ اختلال التوازنات في لُبنان له نتائج عكسيّة حتمًا على كلّ الدول العربية. وقد كان هذا الأمرُ واضحًا وجليًّا في الصّراعات الدّاخليّة التي شهِدَها لُبنان، بسبب اختلال هذه التوازنات أو استقواء فريقٍ على الآخرين.
وفي الموضوع عينه، لا تزال السّعوديّة مُتمسِّكة بضرورة أن لا يكون لُبنان قاعدةً ومُنطلقًا لكلّ ما من شأنِه تهديد أمنها وأمن الدّولِ العربيّة، خصوصًا إذا كان الطّرفُ المُستهدِف للأمن العربيّ يجلسُ على طاولة مجلس الوزراء وله القرار الفصل في الحياة السّياسيّة اللبنانيّة.
توازيًا مع الرّؤية السّعوديّة للعلاقات الثنائيّة مع لبنان الدّولة، يُسجّل المراقبون التزام سفير خادم الحرمين الشّريفين لدى لبنان وليد بن عبد الله بخاري بسياسة الصّمت الإيجابي. إذ يُشيرُ بعض الّذين التقوا بُخاري في الآونة الأخيرة، إلى أنّه يُتابِع عمله كي يقدم على الخطوات المطلوبة منه، لا سيّما حسم أمر مشاريع الاتفاقيّات واستعادة التوازنات في الحياة السيّاسيّة في لبنان، بعيدًا من غلبة فريق على الآخرين.
وفي هذا الإطار سُجِّلَت زيارات لافتة قام بها السّفير بخاري على مرجعيّات دينيّة لبنانيّة، كان أبرزها لقاءه مع البطريرك الماروني بشارة الرّاعي والمُفتي الجعفري الممتاز أحمد قبلان في ضاحية بيروت الجنوبية.
لقاء بخاري – الرّاعي يُشير إلى أنّ المملكة تلتقي مع سيّد بكركي الذي أطلق صرخة “دوليّة” لتحييد لبنان والحفاظ على التوازنات الدّاخليّة وضرورة الحفاظ عليها، عبر التّمسّك بروحيّة اتفاق الطائف الذي رعته المملكة العربيّة السّعوديّة لإنهاء الحرب الأهليّة اللبنانيّة.
أمّا لقاء سفير خادم الحرمين الشّريفين لدى لبنان مع المُفتي الجعفري الممتاز، فإنّه يُعطي وضوحًا أكثر أنّ مُشكلة المملكة ليست مع الطائفة الشّيعيّة على الإطلاق بل مع حزب الله الّذي بحسب مصادر سعوديّة دائمًا ما يُحاول الإيحاء لجمهوره أنّ المملكة تعادي الشّيعة وهذا عكس الواقع تمامًا.
استطاع السّفير بخاري بلقائه مع المُفتي قبلان أن يوجّه ضربةً في الصّميم لكلّ الماكينات الإعلاميّة التي تعمل على “شيطنة الدّور السّعودي” ومذهبة الدّور الذي تحاول أن تلعبه.
قبل السّفير بخاري، كان وليّ عهد المملكة الأمير مُحمّد بن سلمان يستقبل زعيم التّيار الصّدري السّيّد مُقتدى الصّدر سليل آل الصّدر في بلاد الرّافدين في العام 2017. ويُكرّسُ هذا المنطِق أيضًا انفتاح المملكة على العراق ومحاوتها مدّ جسور التواصل مع مختلف المكوّنات العراقيّة، ووقوفها إلى جانب الحكومة العراقيّة ورئيسها الشيعي مصطفى الكاظمي، الذي يعتبر علاقة العراق والمملكة “واجبًا استراتيجيًّا، والمفتاح الرئيسي لمشاكل وحلول الأزمات في الشرق الأوسط” بحسب ما ذكر الكاظمي في مقال له على موقع “المونيتور” عام 2015.
أمّا في لبنان، فتعمَل بعض الوسائل الإعلاميّة على محاولة محو ذاكرة اللبنانيين عن عُمق علاقات المملكة وقياداتها مع الطّائفة الشّيعيّة في لبنان. ويذكُرُ اللبنانيّون والسّعوديّون على حدٍّ سواء، الاحترام والتقدير الذي حَظِيَ به الإمام السّيد موسى الصّدر في المملكة العربيّة السّعوديّة، وشخصيّات شيعيّة أُخرى، منها رئيس المجلس الإسلامي الشّيعي الأعلى السّابق الراحل الشّيخ مُحمّد مهدي شمس الدّين والعلّامة السّيّد هاني فحص.
وفي حكايةٍ تُذكَرُ للتّاريخ، يُردّدها رئيس مجلس النّواب نبيه برّي أمام بعض زوّاره، أنّ العاهل السّعوديّ الرّاحل الملك عبدالله بن عبد العزيز كان قد حذّر الإمام الصّدر الذي جمعته به علاقة صداقة، من زيارة ليبيا ولقاء مُعمّر القذّافي قائلًا له: “دعكَ من زيارة القذّافي فإنّه لا يُؤتَمَن”.
وفي السّياقِ عينه، تذكُر عائلة الإمام الصّدر أنّه بعد اختطاف الإمام في ليبيا، اتصل المَلك عبد الله، الذي كان نائبًا ثانيًا لرئيس مجلس الوزراء في عهد الملك خالد بن عبدالعزيز، بشقيقة الإمام، رباب الصّدر، قائلًا لها: “أنا مُستعدّ أن أفتدي الإمام الصّدر بأيّ مبلغٍ قد يريدونه للإفراج عنه”.