كتبت سلوى بعلبكي في “النهار”:
فيما يتوقع رئيس لجنة المال والموازنة النائب إبراهيم كنعان إنهاء مواد موازنة 2023 الأسبوع المقبل، لا يُحسد أعضاؤها على موقعهم بين مطرقة حاجة الخزينة الملحة الى المزيد من السيولة بالعملتين اللبنانية والدولار لتأمين مصاريف الدولة والرواتب والأجور، وسندان وجع الناس و”التعتير” وتوقف عجلة الاقتصاد والنمو، وانهيار النقد والموت السريري للمصارف.
وإن كانت الضرائب بمثابة الزيت الضروري الذي تسير به عجلة الاقتصاد، فإن شح الزيت وندرة وجوده سيؤدي حتماً إلى انكماش حاد في الاقتصاد، وسيلغي تالياً أهداف ما تم إقراره. ولكن في زمن القحط والجمود وغياب النمو، تجمع المذاهب الاقتصادية كافة، على ضرورة خفض نسب الضرائب والرسوم، لا الشروع في مضاعفتها عشرات المرات، دون مراعاة للظروف والواقع الفعلي لحركة الأسواق، في وقت تسير فيه معظم القطاعات إلى الوراء، وبعضها يعيش “كل يوم بيومه”.
مصادر اقتصادية تسأل: هل يعلم أهل السلطة أن 60% من المؤسسات التجارية والإنتاجية في لبنان تعمل بصورة غير شرعية؟ وهل يعرف من فخّخ هذه الموازنة بضرائب ورسوم تفوق حتى قدرة من بقي “واقفاً على رجليه” أن التوسع في التهرب الضريبي سيزداد أكثر، وأن العمل خارج القوانين والتراخيص والأذونات الرسمية سيتضاعف، وأن ما سعت لتحصيله الدولة عبر الموازنة العتيدة، ستفقده حتماً لمبالغتها في فرضه؟ وتشير الى أنه “يقتضي علمياً أيضاً، ذهاب الدولة إلى إقرار ما أمكن من تسهيلات وقوانين مالية وضريبية، لتساعد في استعادة الحركة الاقتصادية الى طبيعتها، وفتح الباب أمام الاستثمارات الجديدة وتكبير الاقتصاد، وخلق فرص العمل”.
وفيما يسعى أهل الحكم الى ملء خزائن الدولة من الجيوب الفارغة، يغيب عن أهدافهم الحدود “الفالتة” التي إذا ما ضُبطت جدياً وأخضعت للقانون و”الجمرك” الحقيقي، فستدر على الدولة أكثر مما تراهن على تحصيله من جيوب الناس وبقايا المؤسسات العليلة، تعتبر المصادر أن “إعادة تفعيل عمل المؤسسات الخدماتية المتوقفة لألف سبب سياسي، بحجج قضائية أو “إضرابية” يضخ في حسابات الدولة أكثر مما تعوّل عليه من زيادات ضريبية”.
يبقى التساؤل غير الخبيث، وفق المصادر عينها: “هل وضعت هذه الموازنة لتمر في المجلس النيابي، أم ليرفضها هذا الأخير؟ ومشروعية السؤال تأتي من الدستور الذي يمنح الحكومة صلاحية إصدار الموازنة بمرسوم بعد 31 كانون الثاني. وهل لُغمت الموازنة بتضاعف غير منصف وجنوني للرسوم والضرائب، ما سيدفع المجلس النيابي حتماً الى ردّها برمّتها الى الحكومة التي ستستعمل صلاحيتها في إصدارها بمرسوم فيتجنب قادة الكتل ونوابهم الإحراجات والانتقادات الشعبية، وتحمّل تبعات الارتفاع الكبير للرسوم والضرائب؟”.
القطاع المطعمي ينتفض؟
لعل القطاع الأكثر تضرراً بموازنة الـ2024 هو القطاع السياحي وتحديداً القطاع المطعمي خصوصاً مع تراجع حركة المطاعم بين 60 و70% على خلفية الأحداث التي تشهدها غزة وجنوب لبنان، وفق ما يؤكد نقيب أصحاب المطاعم والمقاهي والملاهي والباتيسري طوني الرامي لـ”النهار”، لافتاً الى أن الإقبال الذي تشهده المطاعم الرائجة التي لا يتجاوز عددها نحو 30 مطعماً لا يعكس الوضع الكارثي للقطاع الذي تراجع عدد مؤسساته من 8500 مؤسسة الى نحو 4300 مؤسسة أي بنسبة وصلت الى 50%.
وقد أحصى الرامي أكثر من نحو 60 نوعاً من الرسوم والضرائب طال القطاع ومنها رخص وإجازات الاستثمار الصادرة عن وزراة السياحة، وعلى رخص “المسكرات” التي لم تكن تتجاوز 600 ألف ليرة، أصبحت حالياً بين 100 مليون و150 مليون ليرة، ورخص التدخين بالفنادق التي أصبحت نحو 950 مليون ليرة، و450 مليون ليرة للمطاعم، ورخص المراب والرسوم البلدية التي زادت بين 40 و50 ضعفاً. وما يزيد الطين بلة هو الضريبة على القروض المسدّدة باللولار أو بالليرة اللبنانية، فأصحاب المؤسسات السياحية قبضوا من التجار باللولار، وسدّدوا قروضهم باللبناني أو بموجب شيكات مصرفية من أموالهم المحتجزة في المصارف.
الرامي اعتبر أن مشروع الموازنة “غوغائي” ولا يعتمد توسيع الصحن الضريبي لتطال قطاعات لا تدفع ضرائب، وهو مشروع ضرائبي وغير إصلاحي وغير تحفيزي ويهرّب ما بقي من الاستثمارات، همّه الوحيد جمع الأموال بشتى الوسائل من دون مراعاة أوضاع المؤسسات في القطاع الخاص التي افتقرت بسبب تراكم الأزمات وعدم أخذ أي إجراء اقتصادي وسوء إدارة الملفات الاقتصادية والمالية والاجتماعية والسياسية. كما أنه بعيد كل البعد عن مكافحة الاقتصاد غير الشرعي والتهريب وضبط الحدود وتوسيع الصحن الضريبي”. وإذ أكد عدم قدرة القطاع على الالتزام بهذه الضرائب، ولا يمكننا أن نلتزم بأي موازنة لا توافق عليها الهيئات الاقتصادية، طالب “لجنة المال والموازنة النيابية بأن تستمع الى شكاوى القطاعات الاقتصادية من هذه الرزمة الضرائبية المجحفة ومناقشتها”.
رئيس جمعية الضرائب في لبنان هشام المكمل أكد لـ”النهار” أن مشروع موازنة 2024 يتضمّن إضافات كثيرة من الضرائب، ولكن ليس بالشكل المباشر على الشركات، ولكن المؤكد أنهم رفعوا الرسوم الى نحو 100 ضعف. ولكن المشكلة برأي المكمل أنهم سيفرضون الضرائب بالدولار، بما سينعكس على الاقتصاد ويسهم بزيادة التضخم وانهيار الليرة، لأن المكلفين سيعمدون الى شراء الدولار لدفع الضرائب، ومن جهة أخرى ستتوقف عجلة تشجيع الاستثمار”، مشيراً الى فرض ضريبة على الشركات التي أفادت من منصة صيرفة، وكذلك على تسديد القروض على أساس الـ1500 ليرة، وقانون الضريبة الموحدة وهو أمر غير مقبول برأيه ويحدّ من الاستثمار، عدا عن أنه في ظل الانكماش الاقتصادي والأوضاع الراهنة لا يجوز أن تُفرض الضرائب التي تسهم أكثر وأكثر في تراجع الاقتصاد والانهيار بدل النموّ واستقطاب الاستثمارات”.
وكما القطاع السياحي كذلك القطاع التجاري، الذي انضم الى القطاعات الرافضة لمشروع الموازنة، ولكن تركيزه كان على مشروع قانون أقرته الحكومة أخيراً يفرض ضريبة على كل من سدّد قروضه بقيمة مختلفة عن القيمة الفعلية. ولكون القطاع التجاري هو على رأس المعنيين والمستهدفين بهذا القانون، سجل رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس عدداً من المخاطر التي تطال التجار كما كافة القطاعات الاقتصادية الأخرى، فضلاً عن المجتمع اللبناني برمّته. فالقطاع الخاص الشرعي يرزح في هذه الأيام تحت وابل من القوانين الضريبية. كيف لا، وإن الحكومة قد درست و/أو أقرّت 4 مشاريع قوانين موجعة خلال 4 أسابيع: موازنة دسمة لعام 2024، رسم إضافي محتمَل على السلع المستوردة، ضريبة موحدة على المداخيل، وأخرى على القروض المسددة”. ويعيب شماس على المعنيين إعداد المشروع الأخير تحت جنح الظلام، من دون مساهمة الوزير المختص (وزير المالية) إلا بعد إقراره، فيما لم يتم التشاور بنفس مشروع القانون هذا إلا مع طرف واحد، دون استشارة جميع المعنيين الآخرين.
ولاحظ أن هذه الضريبة مبنيّة على مفعول رجعي، وهذا مبدأ لا يستوي في نطاق نظام ديموقراطي عريق، كالنظام اللبناني، حيث لا يمكن تغيــير قواعد اللعبة الاقتصادية والمصرفية التي كانت سائدة البارحة، على هوى مستجدات اليوم. ذلك لأن الفريقين المعنيين، أي بائع الشيك المصرفي وشاريه، أجريا حساباتهما وأخذا قرارهما على أساس المعلومات والمعطيات التي كانت سائدة حين إجراء الصفقة، وربّما قرّر أحدهما العزوف عن العملية كلياً لو كانت قواعد اللعبة مختلفة”.
واعتبر أن “الضريبة على تسديد القروض السابقة في نسختها الراهنة تنطوي على تميــيز خطير بين اللبنانيين وذلك من خلال الاستثناءات الملحوظة، فثمة قرض اقتصادي وقرض اجتماعي، ودين شخصي مقابل دين مؤسساتي، وقرض يصنف بصغير وآخر بكبير، كل ذلك مخالفة للدستور الذي يتساوى أمامه اللبنانيون في الحقوق والواجبات. عدا عن أن بائع الشيك المصرفي بقيمة أدنى من قيمته الاسمية هو الفريق الوحيد الذي اختار أن يضحّي بقسم من وديعته وله كامل الحرية بذلك، فيما لم يطل قراره هذا جميع المودعين الآخرين”.
أما إذا كُلّف شاري الشيك بضريبة معيّنة، فيجب على الدولة ساعتئذ منح البائع حق تدوير وتنزيل ضريبي أو Tax Credit من باب التعويض، إذ يشير شماس الى أن ثمة من “ربـِح” وثمة من “خسر” طوعاً في هذه العملية بحسب تصنيف الحكومة، فلا يجوز تغريم الأول وحرمان الثاني من حقّـِه الطبيعي في التعويض”.
بنفس المنطق، يشير شماس الى أن “وزارة المال كانت قد حددت في نهاية عام 2020 السعر الفعلي للصرف في السوق الموازية لاستعماله في احتساب الضريبة على القيمة المضافة. ولو كان لها رغبة معيّنة في ما يتعلق بسداد القروض لبيّنتها في حينه”. ولا ينسى شماس الإشارة الى أن “المصرف المركزي كان قد أتاح بوضوح تام في تعاميمه حق تسديد الالتزامات الدولارية للأفراد على أساس سعر الصرف الرسمي. فلو كانت إرادته في ما يتعلق بالمؤسسات مخالِفة لاستعمال الشيك المصرفي كوسيلة تقليدية للإبراء، لأعلن عنها في حينه. وهو كان قد أعطى مهلاً واضحة للإفادة من إمكانية التسديد على سعر 1500 ليرة الرسمي قبل الانتقال إلى سعر 15 ألف ليرة”.