نداء الوطن
سلك قانون “اللقاح” طريقه التشريعية لإقراره في مجلس النواب في جلسةٍ عامة غداً بقصر الأونيسكو. وإخراج اللقاح من “بازار” الاحتكار السياسي، ورفع يد القطاع العام المهترئ عنه، شرطان اساسيان لضمان فعالية توزيعه واستفادة أكبر عدد ممكن من المواطنين منه في أسرع وقت. فإبقاء حصرية الاستيراد بيد الدولة، ومن مصدرٍ واحد، يفوّت على ملايين اللبنانيين والقاطنين فرصة الاستفادة من قدرة المؤسسات الخاصة، وتحديداً الجامعات والمستشفيات والمؤسسات غير الحكومية مثل الصليب الاحمر على استيراد اللقاح وتوزيعه.
صحيح أنّ مشروع القانون لاستيراد اللقاح يشمل بغطائه القانوني مختلف الشركات المصنعة للقاحات، إلا ان المعضلة تبقى عند وزارة الصحة بإعطائها الموافقات سريعاً للجهات الخاصة باستيراد اللقاح وبدء عملية التلقيح. تسهيل استيراد المؤسسات الخاصة للقاح لا يضمن السرعة فحسب، بل يؤمّن حق الأشخاص في اختيار اللقاح الذي يقتنعون فيه. وتجدر الاشارة هنا إلى أنّ قرض البنك الدولي ومساعدته في تأمين سعر اللقاح لا يشترطان مصدراً معيناً. وبالتالي، إذا كانت وزارة الصحة ألزمت نفسها بمصدرٍ واحد، بإمكانها السماح للغير بالاستفادة من عروض تقدّمها بقية الشركات لما فيه مصلحة البلد والمواطنين.
وفي ما يتعلّق بالمسار التشريعي للقاح، أخذ القانون مساراً غير اعتيادي حين طلبت شركة “فايزر” من وزارة الصحة رسمياً إصدار قانون يرفع مسؤوليتها عن أي أضرار قد تنتج عن اللقاح كونه يوزع بشكل طارئ.
لم تكتب الوزارة نص هذا القانون وتحوّله الى مجلس الوزراء لأنه بحكم تصريف الأعمال، فبادر بعض المستشارين القانونيين “المحايدين” بمجلس النواب إلى كتابة المسودة بناء على النصوص المطلوبة من “فايزر”، ووقع عليه 10 نواب من لجنة الصحة النيابية وسلك طريقه كقانونٍ معجّل مكرّر الى الهيئة العامة.
ويعتقد مصدر نيابي ان الضرورة أملت السرعة في مشروع قانون اللقاح، وأنّ ثغرات عدة ستظهر فيه تباعاً ما يستوجب تعديلاً لاحقاً. ويشير المصدر نفسه الى ان القانون يستحدث صندوقاً، إسوة بصناديق الفساد (كصندوق المهجرين، الجنوب، التحرش…) توضع فيه 1% من الكلفة لتغطية أي أضرار، وتلزم الشركات الخاصة اذا استوردت بدفع هذا المبلغ، لكن من دون تغطية، في حال حصول أي أضرار، ما سيؤدي الى ترددّ الشركات في الإستيراد حكماً، وهذا خطأ كبير يرتكبه مجلس النواب، اذا مر القانون كما هو، كونه سيفضي الى وضع معظم اللقاحات في سلة وزارة الصحة لتخضع بذلك لاستنسابية التوزيع.
من ناحية أخرى، لم تحدّد وزارة الصحة بعد آليات توزيع اللقاح والمؤهلين لإعطائه للمواطنين والمراكز التي ستوفره وسلسلة النقل والتبريد والتخزين وغيرها من المواصفات التي تؤمن فعاليته وحسن استعماله.
وقيل الكثير عن تنكّر وزير الصحة، طوال مدّة مواجهة الوباء، لجهود “القمصان البيض” من أطباء وممرضين وإدارات مستشفيات حكومية وخاصة، وتعامله معهم بطريقةٍ حزبية وسياسية. ولعلّ انحيازه الواضح في توزيع السقوف المالية للمستشفيات كان دليلاً كافياً على عدم موضوعيته في التعاطي مع الملف. وذكر وزير الصحة التواصل مع المنظمة الدولية لدعم دول الدخل المحدود في تأمين 20% من السكان باللقاحات COVAX، لكن ما مِن اتفاقٍ كامل بعد على ما يبدو، أو من تأكيد حتى الساعة بشأن نوع اللقاحات الممكن تأمينها أو كمياتها. لماذا لم يتنبه الوزير الى ضرورة إعداد نصٍ قانونيّ محكم يذكر بوضوح أطر التوزيع وآلياته بما لا لبس فيه، ولا يفضي الى استعجالٍ غير مدروس كما نشهد اليوم؟