شعار ناشطون

مشاهدات وكواليس من مؤتمر أنطاليا الديبلوماسي الرابع

14/04/25 06:17 am

<span dir="ltr">14/04/25 06:17 am</span>

خلدون الشريف – المدن

هي المرة الثانية التي أستمع فيها مباشرة إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يخاطب حشدًا من الرؤساء والوزراء والشخصيات الفاعلة عالميًا. الأولى كانت في نهاية شهر تشرين الثاني للعام 2016، في افتتاح منتدى التعاون الدولي السابع في إسطنبول، أمّا الثانية، فتأتي بمناسبة انعقاد منتدى أنطاليا الديبلوماسي الرابع.
الفارق بين المؤتمرَيْن كبير، ففي حين أعقب الأول محاولة انقلاب في تموز 2016، وألمح وقتها أردوغان إلى تواطئ الولايات المتحدة الأميركية برئاسة باراك أوباما، يأتي الثاني بعد أيام على مدح الرئيس الأميركي دونالد ترامب أردوغان أمام رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو تحديدًا، واصفًا علاقته به بأنّها “علاقة رائعة مع رجل اسمه أردوغان، وأنا أحبه وهو يحبني”، على حد قوله.
خلال تسع سنوات ونيّف، تغيّر الكثير في المنطقة، لكن كلّ المتغيّرات جاءت لتخدم مصالح تركيا وأجندتها وتوسّع نفوذها الإقليمي والدولي، وذلك بالتزامن مع تحدّيات تركيّة داخلية سياسية واقتصادية ومالية، ليس آخرها سجن رئيس بلدية اسطنبول إكرام إمام أوغلو.
في المنتدى الأوّل، تحدث أردوغان عن قبرص واليونان مهدّدًا، وعن الاتحاد الاوروبي مقرّعًا لرفضه ضم تركيا إليه، وعن الولايات المتحدة بحرقة، أمّا في المنتدى الثاني، فكان جليًا أنّ الرجل مرتاح جدًا إقليميًا ودوليًا: فقد تحدّث عن اليونان بلغة الواثق من الحوار معها، وعن الاتحاد الاوروبي مجددًا رغبته في الانضمام إليه لكن من دون حدّة، بل لمصلحة أوروبا واستقرارها وأمنها. وتوقّف أردوغان عند التدابير التي تتخذها الإدارة الأميركية اقتصاديًا وسياسيًا، متوقعًا أنّ تنعكس إيجابًا على مصلحة تركيا، كما ردّ التحية لدونالد ترامب بمثلها معلناً أنّه: “واثق أنّ علاقاتنا مع الولايات المتحدة ستزدهر بكافة المجالات خلال ولاية ترامب الثانية بفضل صداقتنا الوثيقة معه”.
ولعلّ تلك المقاربات قد تبلورت بعدما بات الكلّ يقدّر لتركيا دورها العالمي والإقليمي (دور يمتد لأقاليم عدة: الشرق الأوسط، آسيا الوسطى، القوقاز، أفريقيا من السودان إلى ليبيا فالصومال). فتركيا، بحسب قول أردوغان، تقع بين قارات ثلاث، آسيا وأوروبا وأفريقيا، وترغب في تعزيز السلم والأمن الإقليميَيْن من آسيا الوسطى إلى أفريقيا والشرق الأوسط.

غزة تحضر في أنطاليا
ملفت ما حصل في أنطاليا لجهة تكثيف اللقاءات حول غزة وعقد اجتماع تنسيقي لـ”اللجنة الوزارية العربية – الإسلامية المشتركة بشأن غزة”، وملفت الاجتماع الأوسع الذي جمع وزراء خارجية كلّ من فلسطين والسعودية وقطر ومصر والأردن والبحرين وإندونيسيا، والأمينَيْن العامَيْن لمنظمة التعاون الإسلامي وجامعة الدول العربية، إلى جانب ممثلين عن الإمارات والصين وروسيا وإيرلندا وإسبانيا والنرويج وسلوفينيا ونيجيريا والإتحاد الأوروبي. وملفت تبنّي كلّ أطراف اللجنة خطابًا موحدًا عبّر عنه وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان آل سعود في مؤتمره الصحافي من حيث الرفض القاطع لكلّ أشكال تهجير الفلسطينيين من أراضيهم، حتى لو كانت بالمغادرة الطوعية، في ظل حرمانهم من أبسط مقومات الحياة. إذ قال: “إذا كانت المساعدات لا تدخل، وإذا كان سكان غزة لا يجدون الغذاء والمشرب والكهرباء، وإذا كانوا مهدّدين كلّ يوم بقصف عسكري، فحتى لو اضطر أحدهم للمغادرة فتلك ليست مغادرة طوعية، بل شكل من أشكال الإجبار”، مضيفاً: “لذلك يجب أن يكون واضحًا أنّ أيّ تهجير تحت أي ذريعة للفلسطينيين في غزة مرفوض رفضاً قطعياً”.
وهذا ما أكّده حرفيًا وعلى مسمع الكل رئيس الوزراء الفلسطيني ووزراء خارجية مصر والأردن في ندوة أدارها بحرفية عالية هاكان فيدان، وزير خارجية تركيا. وذهب أردوغان نفسه إلى أبعد من ذلك، بوصف إسرائيل بالدولة الإرهابية التي “لا يمكن أن تُسمى بغير ذلك”. موقف دول الإقليم الأساسية يتمحور إذن حول وقف النار، منع التهجير ووجوب إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية.

وسوريا أيضًا
سوريا كانت من الدول الأكثر حضوراً في أنطاليا، وقد احتضن الرئيس التركي ووزير خارجيته الرئيس السوري أحمد الشرع، وعُقدت ندوة حول سوريا تحدّث فيها ممثل الأمين العام في سوريا، غير بيدرسون، ومساعد وزير خارجية تركيا نوح يلماز. وقد أكّد الرجلان على مجموعة من الأمور بالغة الأهمية:
١-ليس أمام حكم الشرع إلا أن ينجح لأنّ فشله يعني فوضى مستدامة في سوريا وأبعد من سوريا
٢-المشكلة الاقتصادية في سوريا متفاقمة من البنى التحتية إلى هيكل الدولة والزراعة والصناعة والتجارة
٣-إسرائيل لا تريد استقرار النظام بخلاف الأغلب المطلق من دول الإقليم
٤-الاتفاق على تأسيس خماسية حول سوريا تضمّها إلى جانب دول جوارها، أي تركيا والعراق والأردن لبنان، بهدف التنسيق والتعاون حول أهداف أربعة:
-محاربة داعش،
-منع تهريب المخدرات والسلاح،
-حماية الحدود المشتركة
-متابعة ملف عودة اللاجئين السوريين إلى بلادهم؛
٥-العقوبات على سوريا تزيد الضغط عليها بشكل كبير مما يؤثّر على استقرارها وعدم إعمارها وفقدان الأمن الاجتماعي فيها؛
٦-أحداث الساحل السوري أضرّت بصورة الحكم الجديد، لذا يجب إظهار الجدية في إجراء التحقيقات حولها وعدم تكرار أحداث مشابهة.

ماذا في كواليس أنطاليا؟
في كواليس منتدى أنطاليا الديبلوماسي دارت أحاديث شتى لكن أهمّها:
– أغلب قادة المنطقة يعتبرون أنّ هناك فرصة لا تزيد عن شهريْن للتوصل إلى اتفاق من عدمه بين إيران وأميركا، ويعتبرون أنّ ترامب جاد جدًا برغبته في التوصل إلى اتفاق. ويعتقدون كذلك أنّ الإيرانيين بأغلب أجنحتهم باتوا على دراية بأنّ عدم الاتفاق سيؤدّي حكمًا إلى ضربة قد تطيح ليس باستقرار إيران فحسب، بل باستقرار المنطقة، وهذا ما ينافي رغبة دول الخليج وتركيا ومصر والعراق. كما يعتقد قادة المنطقة على أنّ الدولة الوحيدة التي لا تريد الاتفاق هي إسرائيل، مدعومة بلوبي داخل أميركا يعتد به؛
-يعتبر قادة المنطقة مع تركيا أنّ لدى المجتمع الدولي بأغلبه رغبة في استقرار سوريا ووحدتها، ولو أنّ إسرائيل أيضًا وربما إيران، بحسب ما يدور في الكواليس، يرغبان في تقسيمها. وفي الولايات المتحدة رأيان أيضًا حول سوريا، غير أنّ ترامب نفسه لا يريد شرذمة سوريا ولا تقسيمها، وفقًا لما يدور في كواليس مؤتمر أنطاليا؛
-اجتماع الشرع مع رئيس أذربيجان إلهام علاييف يهدف إلى نقل رسالة لإسرائيل حول عدم رغبته في حصول أي صدام عسكري معها واستعداده للعودة إلى اتفاق فك الاشتباك الذي وقعه حافظ الأسد في العام ١٩٧٤؛
-وضع لبنان مرتبط بوضع المفاوضات مع إيران إلى حد كبير برأي كثير من اللاعبين في المنطقة، والحديث عن نزع السلاح برأيهم يحتاج إلى مهلة يتضح فيها الخيط الأبيض من الأسود في مفاوضات الولايات المتحدة وإيران، غير أنّ ظروف الاستقرار في لبنان أفضل.
في النهاية، تستعد المنطقة كلّها للزيارة المرتقبة لترامب في شهر أيار المقبل. ويسعى الجميع إلى إظهار موقف موحّد حول القضايا الإقليمية قدر الإمكان من غزة وفلسطين إلى سوريا والعراق وإيران والسودان وليبيا، بل يحاولون ردم الهوة بين دول الإقليم لتثبيت وقائع جديدة لا تسمح لإسرائيل ببسط هيمنتها وتوسعها من جهة وتعيد إيران لاعبًا من دون أذرع عسكرية في الإقليم وتطلق مفاوضات إقامة دولة فلسطينية عاصمتها القدس الشرقية، من جهة ثانية. أمّا لبنان، فهو بلد صغير يتأثّر بالرياح الإقليمية لكنّه بات أقل أثرًا بما لا يقاس بعد الحرب الأخيرة وبات ينتظر نتائج التوافقات والتنازعات لكي تتحدد بوصلة توجهاته المقبلة.

تابعنا عبر