شعار ناشطون

مسيرة التعليم في طرابلس من “الكتاتيب والخوجايات” إلى صروح تربوية ساهم في نشأتها كبار وكبيرات من بلدي.

25/07/22 03:35 pm

<span dir="ltr">25/07/22 03:35 pm</span>

ليلى دندشي-موقع ناشطون
كانت الحياة الثقافية والتعليمية إن جاز التعبير في المدينة في مطلع القرن التاسع عشر إستمرارا لما كانت عليه في القرن السابق تتكىء على “الكتاتيب” في تعليم أبناء المدينة مبادىء القراءة والكتابة والحساب والخط، وهي الكتاتيب التي كانت شائعة في العالم الإسلامي لتعليم القرآن الكريم وحفظه. فإذا ما إنتهت مرحلة التعليم في الكتاتيب كان بعض المتعلمين يتحلقون حول أحد المشايخ، في مسجد من مساجد المدينة يأخذون عنه علوم اللغة، من صرف ونحو وبيان، وعلوم الدين، من تفسير وحديث وفقه وتوحيد وفرائض… وكان المحظوظون منهم ينتقلون من شيخ إلى آخر لتكتمل أدواتهم… ومن أسعفه الحظ أكثر كان يسافر إلى مصر حيث يجاورون في الأزهر الشريف، تعمقا في العلوم اللغوية والشرعية، ليعود، من ثم، إلى طرابلس ليكون في عداد علمائها والمشايخ، ولتستمر بهم مسيرة العلم وليكونوا المشاعل الوضيئة في الليل البهيم.
ولكن قبل هذه المرحلة وهذه الأجواء عرفت طرابلس كما بعض المدن الإسلامية في لبنان والمنطقة التي كانت تحت حكم السلطنة العثمانية بعض الأشكال “التعليمية الهجينة” عُرفت محليا بإسم “الخوجاية” وهي كلمة فارسية الأصل اُطلقت على معلم الصبيان (الخوجا) وهي تحريف لكلمة خواجا ثم أخذ هذا الإسم لقبا وشهرة لا علاقة لهما بالتعليم بل لكونه أجنبيا، كما إستخدم كذلك للدلالة على الشيخة ومعلمة البنات القرآن الكريم في منزلها أو دارتها.
وقد عرفت طرابلس القديمة بعض “الخوجايات” التي كانت بإدارة بعض المشايخ أو النسوة، وكان أطفال الخوجاية يفترشون الأرض على بساط صيفا وعلى سجادة شتاء ويتحلقون حول” مولانا” الذي غالبا ما يستخدم عصا طويلة لنهر أي عابث أو مخل أو عدم مستمع لأقواله، حيث يقتصر التعليم” إذا جاز التعبير” على حفط بعض السور القرآنية ومعرفة الحروف الهجائية بترتيبها المتّبع وأحيانا يستمعون إلى كيفية إجراء بعض العمليات الحسابية البدائية في الجمع والطرح والقسمة. وباقي ساعات “الدوام” يقضيه الأطفال بالإستماع إلى قصص خفيفة ذات مغزى مستوحاة من الحياة العربية.
والمُلفت أنّ”بيت الراحة” أو “قضاء الحاجة” كان ملحقا بهذه القاعة وغالبا ما كانت تفوح منها الروائح الكريهة التي يحاول القيّم على الخوجاية تبديدها بعطر.
ويُنقل عن طرابلسيين كبارا في السن أنّ إحدى الخوجايات كانت قائمة في منطقة التربيعة بجوار سبيل للمياه، في حين كانت خوجاية أخرى قائمة على نهر أبو علي في منطقة السويقة بإدارة خوجاية كانت تمتهن خياطة الأقمشة لتجار المفروشات وكانت تعتمد في مراقبة اللأطفال على أحد الأيتام الذي عملت على تربيته ويدعى يوشع، وبعد وفاتها وإغلاق الخوجاية، عمل يوشع مساعدا في أحد مراكز دفن الموتى بطرابلس.
ولا يغيب عن البال أنّ الريف اللبناني وبعض القرى قد شهدت ما يشبه مراكز التعليم الأولية هذه وعُرفت بمدارس” تحت السنديانة” حيث كان الأطفال يتحلقون حول رجل الدين شيخا أو راهبا تحت شجرة معمرة كالسنديان أو الجوز قريبة من ساحة الضيعة.
ويتحدث العديد من الشعراء والكتّاب اللبنانيين من أبناء الريف في مذكراتهم أنهم تلقوا دروسهم الأولية في “مدرسة تحت السنديانة” في ضيعتهم أو في القرية القريبة منها وكانوا وهم أطفال يتنقلون سيرا على الأقدام في الذهاب والإياب وهم يحملون كيسا من القماش يضم الزوادة واوراقا وقلما ودفترا في احسن الحالات.
وفي النصف الثاني من القرن التاسع عشرعرفت طرابلس نهضة تعليمية متعددة الأوجه، فإلى جانب المدارس الحكومية الإبتدائية والرشدية والإعدادية والسلطانية، أنشأ الشيخ حسين الجسر 1845-1909 (المدرسة الوطنية) التي إشتهرت بإتقانها تعليم النحو والبيان بالإضافة إلى العلوم الشرعية، كما أنشأت الإرساليات الأجنبية التي بدأت آنذاك بالتمركز في طرابلس عددا من المدارس مكدرسة العائلة المقدسة، ومدرسة القديس بولس في الميناء، ومدرسة القديس يوسف المجانية في طرابلس… وكانت المدينة قد شهدت توافد العديد من الإرساليات الأجنبية من كاثوليكية، وبروستانتية، وارثوذكسية، ومنها راهبات المحبة وراهبات العازارية والمرسلون الأميركان والبعثة الروسية التي أنشأت في المدينة اربع مدارس.
وفي العام 1937 أسست السيدة علية ذوق شوقي مع مجموعة من السيدات جمعية رعاية الأطفال وقد أنشأت الجمعية  أول روضة للأطفال في طرابلس سمتها” روضة الفيحاء” وكانت قائمة في منطقة شارع المدارس وتحديدا في منتصف الطريق الذي يصل بين بلدية طرابلس ومدرسة جبران الرسمية للبنات اليوم.
كما توالى إنشاء الجمعيات ومنها “الجمعية الخيرية الإسلامية وإسعاف المحتاجين” التي تأسست في 18 آذار 1921 وكانت أهدافها عند التأسيس رعاية مصالح أبناء طرابلس والشمال عامة في النواحي الإنسانية والدينية والصحية والتعليمية والتربوية والإجتماعية، وتولى رئاستها عند التأسيس القاضي الشرعي في طرابلس الشيخ أمين عز الدين ونيابة الرئاسة الشيخ جميل عدرة، أما المؤسسون والعاملون فهم الشيخ عبد الحميد الحامدي، الشيخ توفيق الميقاتي، الشيخ فائق الجمالي، محمد رفيق الفتال، الحاج وهيب حسين آغا، إقبال زيادة، الحاج زكي الإمام، الحاج كمال البركة، حسني الحالومي، وإنضم إليهم في ما بعد: الشيخ نديم الجسر، الشيخ عبد الرحمن عاصم، فؤاد حولا، الدكتور حسن رعد، الحاج توفيق النشار، الحاج عبد الله الغندور،مصباح سلطان، عثمان سلطان، عبد الستار السندروسي، رشاد مسقاوي، عبد الحميد عويضة، الحاج حسن بركة، الدكتور إبراهيم وردة، عادل الحداد، فاضل سعدون، ناظم مسقاوي.والاستاذ معن عبد الحميد كرامي الذي يرأسها منذ أكثر من ثلاثون عاماً حتى الآن.
وقد أدارت الجمعية مؤسسات دار التربية والتعليم الإسلامية، القسم الشرعي، معهد دار التربية والتعليم التقني، معهد دار التربية والتعليم الفني- فرع البداوي، المؤسسة الإجتماعية الإسلامية( ملجأ الأيتام الإسلامي سابقا)
كما تأسست في العام 1940 جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية والمؤسسون هم: الشيخ علي شيخ العرب، زكي مولوي، الشيخ عبد القادر إشراقية، الحاج توفيق النشار، الحاج عزت حسين آغا، زكي الإمام، فايز المغربي، سعد الله أحمد منقارة، فؤاد الولي. ونشطت الجمعية إضافة إلى إقامة المحاضرات فعمدت إلى فتح مكتبة الشيخ نديم الجسر في مقر الجمعية وإقامة دورة تعليمية سنويا وخدمة جامع الروضة بالكامل.
وفي العام 1968 توافقت الإرادات الطيبة والجهود في لقاء إجتمع فيه أهل المكانة التربوية وتم فيه توقيع عقد الشراكة بين جمعية مكارم الأخلاق الإسلامية وعلى رأسها المرحوم الحاج سميح مولوي،ويرأسها الآن الدكتور عبد الحميد كريمة. وجمعية رعاية الأطفال وعلى رأسها المرحومة السيدة علية ذوق شوقي. هكذا بدأت روضة الأطفال الصغيرة التي كانت تضم بضع عشرات من الصغار من أبناء طرابلس ومحيطها مسيرة مؤسساتية تجمع اليوم في رحابها أكثر من 3700 طالب وطالبة موزعين على خمسة صروح تربوية مجهزة بالوسائل التعليمية والمرافق التربوية وتعتمد اللغتين الفرنسية والإنكليزية إلى جانب طبعا اللغة العربية.
وقد حقق طلاب الثانوية إنجازات علمية هامة في كافة الميادين داخل لبنان وفي الخارج، وبرعوا في إختصاصات عديدة وعاد معظمهم إلى مدينته الأم للعمل فيها والمشاركة في نهضتها وتطويرها وعمرانها، غير أن الأحداث الأخيرة دفعت بالعديد منهم إلى الهجرة والعمل في الخارج عسى أن تنفرج الأمور ويعود البلد إلى إزدهاره وإستقراره ليعودوا ويزاولوا عملهم الهادف إلى النهوض بالبلد.

تابعنا عبر