رضوان مرتضى – الأخبار
أوقف الأمن العام كينده الخطيب في حزيران 2020 بجرم التواصل مع العدو الإسرائيلي. وبعد صدور حكم بإدانتها عن المحكمة العسكرية الدائمة، أخلت محكمة التمييز العسكرية، برئاسة القاضي طاني لطّوف، سبيلها منذ أسابيع إثر مرور أقل من عام على توقيفها. إخلاء سبيل الخطيب ترافق مع حملة تضامنٍ معها وهجومٍ على القضاء الذي حكمها. كذلك شُكِّك في أصل الجُرم الذي أُدينت به ليذهب البعض إلى الحديث عن وقوعها ضحية تصفية حسابات سياسية. فماذا فعلت كينده الخطيب؟
ضبط الأمن العام أدلة تقنية تمثّلت بمحادثات بينها وبين الصحافي في قناة «كان» الإسرائيلية روعي قيس، ومحادثات مع الضابط في الاستخبارات الكويتية ياسر الكندري وتزويده بمعلومات. نشاط كينده كان واسعاً لدرجة توسّطها للصحافي الإسرائيلي لإجراء مقابلة مع ولي العهد السعودي محمد بن سلمان عبر الوسيط السعودي الذي يُدعى الشريف خالد التلمساني ويُدير عقود النفط في دبي ومقرّب من ولي العهد السعودي، إلا أنّ الأخير أبلغها بصعوبة تحقّق مسعاها لأن ولي العهد لن يوافق على ذلك. وأبلغت كينده الصحافي الإسرائيلي عن وجود مفاوضات بين الإمارات و«إسرائيل» من أجل التطبيع بينهما، قبل إعلان ذلك.
الأسباب التي أدت إلى إصدار حكم بحق الخطيب، سردتها القاضية نجاة أبو شقرا في القرار الاتهامي. تلقّت الخطيب تحية على «تويتر» من روعي قيس فردّت على الصحافي الإسرائيلي الذي شكرها على رد المتابعة لتبدأ سلسلة محادثات، مع أنّ صفته كان واضحة باللغتين العبرية والعربية بأنّه يعمل في هيئة الإذاعة والتلفزيون الإسرائيلي. وبدلاً من حظره، جارته الخطيب في المحادثات بعدما كال لها المديح ووصفها بالشجاعة. وقد كانت كينده تعاود مسح رسائلها للصحافي الإسرائيلي. فماذا تضمنت المحادثات؟
طلب قيس منها تأمين شخص لبناني لإجراء مقابلة مع قناة تلفزيونية إسرائيلية للحديث عن الوضع في لبنان بعد مرور 20 عاماً على الانسحاب الإسرائيلي من لبنان، فأبلغته أن أحداً لا يمكنه أن يتحدث بعلانية بشكل إيجابي عن «إسرائيل» لأنه «سيُتّهم بالتطبيع ويُعتقل لكون الأجهزة الأمنية اللبنانية مرتبطة بحزب الله». ونصحته بعرض «فيديو لجبران باسيل يقول فيه إنه من حق إسرائيل أن تنعم بالأمن والأمان وأنه مع إعادة المبعدين إلى إسرائيل لأن ذلك سيُحرج حزب الله لكونه حليفه». كانت كينده توجّه النصائح للصحافي الإسرائيلي مثل قولها: «الإنجاز الصحافي الذي سيهزُّ لبنان وستراه منتشراً كثيراً، هو أن تناقض حزب الله في حليفه، خاصة أنّ حليفه هو مادة إعلامية كبيرة في لبنان». كذلك طلب الصحافي الإسرائيلي منها تأمين شخص من آل الجميّل للتحدث معه، فحذّرته كينده من أن ذلك سيُعطي ذريعة لحزب الله ضد خصومه السياسيين. ونسّقت كينده لظهور اللبناني شربل الحاج على قناة إسرائيلية ثم عاتبته حيث كان يُفترض أن يركز في مداخلته على أنّ حزب الله مرفوض من المجتمع اللبناني والحديث عن تظاهرات تخرج ضده علناً، ما يعني أنه لم يعد محتضناً من الشعب اللبناني! وطلب قيس من كينده التواصل مع عائلة العميل عامر الفاخوري أثناء توقيفه.
نصحت كينده الصحافي الإسرائيلي بعرض فيديو لباسيل لأن ذلك سيُحرج حزب الله
كانت كينده تبادر أحياناً إلى التواصل مع قيس من تلقاء نفسها. ففي إحدى المحادثات تُخاطب روعي قيس بالقول: «أعتقد أننا باتجاه السلام مع إسرائيل، ستبدأ من الإمارات البحرين ومن بعدها باقي الدول». فيُجيبها قيس: بـ«يار ريت». هذه المحادثة مؤرخة في الرابع من كانون الثاني 2020، أي قبل إعلان التطبيع بين الإمارات وإسرائيل بستة أشهر. وكشفت كينده في هذه المحادثة معلومات عن «اجتماع حدث من ٦ شهور وتجدد من شهرين… والوسيط أمريكا». وفي محادثة ثانية، تبادر كينده الصحافي بالسلام وتبلغه أنّها في الأردن ثم تسأله: «إذا قادر تقطع.. منشرب قهوة سوا». يتبادلان بعدها أرقام الهواتف. يُعطيها رقم هاتفه الإسرائيلي وتعطيه رقمي هاتفيها اللبناني والأردني، معقّبة بالقول: «وقت تقدر خبّرني… بتشرّف». فيجيبها بأنها صديقة عزيزة. كما تُخبره أنّها برفقة صديق «إذا أمكن أمنياً سيلتقي بك»، قاصدة الضابط الكويتي. وفي محادثة أخرى، تبادر كينده الصحافي الإسرائيلي بالقول: «معقولة شي يوم نشرب قهوة ب لبنان؟ هههه إذا صار في سلام؟». فيردّ عليها الإسرائيلي: «أتمنى ذلك».
مرة جديدة، تراسل كينده الصحافي الإسرائيلي وتُرسل له صورة لفطورها ثم تكتب له: «يوماً ما نشالله رح نتروق بلبنان أو بس استقرّ بالأردن قريباً بطلع بتروّق عندك». فيعقّب قيس: «يا ريت صديقتي». خلال المحادثات الطويلة، تبدأ كينده بإرسال مقاطع فيديو للصحافي الإسرائيلي وتنقل له ما يجري في لبنان، ليقوم هو بنشر ما يُريد منها. حتى أنّها تُرسل له تغريدة للزميل قاسم س. قاسم ذكره فيها. ويُذكر في التحقيقات أنّ كينده الخطيب ظهرت بالصوت من دون صورة على القناة الإسرائيلية، إلا أنّ الاتصال لم يُرفق بمحاضر التحقيق. وقد عاونت الصحافي الإسرائيلي في تحديد أماكن تظاهرات، إذ كان يُرسل لها الفيديوهات للتحقق من صحّتها.
لم يكن قيس الإسرائيلي الوحيد الذي تواصلت معه كينده، فقد تواصلت أيضاً مع إسرائيلية تُدعى جولييت وألصقت بأشخاص ينتمون إلى حزب الله قيامهم بنشاطات غير مشروعة كتجارة المخدرات والاتجار بالسلاح. أما الأسماء التي أعطتها إياه فهي: عبد الله صفي الدين وصهر السيد حسن نصر الله المدعو أبو زينب والنائب أمين شرّي وأولاده وأبو جعفر حمية ورئيس بلدية الغبيري السابق أبو سعيد الخنسا وأدهم طباجة وسامر عبد الله صهر القيادي في حزب الله عماد مغنية وابنه مصطفى.
وخلال محادثاتها مع جولييت، أعربت كينده عن رغبتها بفتح الحدود بين لبنان و«إسرائيل» والقضاء على حزب الله بوصفه أداة إيرانية لا تُريد السلام مع إسرائيل.
كذلك تواصلت كينده مع ضابط في الاستخبارات الكويتية كان يلتقي بالشيخ أحمد الأسير والتقت به في لبنان قبل أيام من اندلاع أحداث عبرا. كما ذهبت للقائه في الأردن حيث زوّدته بمعلومات. وعُثر لديها على ملف سري عن اجتماع الغرفة الأمنية بين الاتحاد الأوروبي والسفارة الأميركية في لبنان. وذكرت كينده في إحدى محادثاتها إنها تُستّر نفسها بستار مراقبة دولية. وزعمت كينده أنها حصلت على هذا الملف لكونها ناشطة سياسية لكنها قالت للقاضية إنها لن تُفصح عن الجهة التي مكّنتها من الحصول عليه. وقد عُثر على محادثات لها تفاخر فيها بدخول الأراضي الفلسطينية المحتلة، من دون توشيح جواز سفرها بعدما نشرت فيديو من داخل فلسطين. ولدى مواجهتها بذلك، أنكرت دخولها الأراضي المحتلة وذكرت أنّ صديقاً لها أرسل لها الفيديو. وقالت كينده في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة أنها أطلعت الضابط في قوى الأمن العقيد جوزيف مسلم عن تلقيها رسائل من الإسرائيلي روعي قيس، لكنه لم يطلب منها أن تُكمل التواصل معه. فلماذا أكملت كينده تواصلها؟ ولماذا لم تحظر حساب الصحافي الإسرائيلي ولماذا لم تُعاود إبلاغ العقيد بأنها تابعت التواصل مع الإسرائيلي؟ تجيب كينده على هذه الأسئلة، زاعمة أنها كانت ترغب بكشف شبكة تجسس إسرائيلية في لبنان، لكن هذه المتابعة تمّت من دون أي تكليف أو أي حماية من النيابة العامة التمييزية.
واعتبرت القاضية نجاة أبو شقرا أنّ كينده الخطيب جاسوسة بسبب تواصلها مع إسرائيليين وعملها مع غرفة أمنية للاتحاد الأوروبي ولقاءاتها بضابط استخبارات كويتي في لبنان والخارج لتزويده بمعلومات. وأصدرت المحكمة العسكرية حكماً عليها بالسجن ثلاث سنوات بجرم الاتصال بالعدو ودخول الأراضي المحتلة، قبل أن توافق محكمة التمييز العسكرية برئاسة القاضي طوني لطوف، على طلب تخليتها لقاء كفالة مالية قدرها 3 ملايين ليرة لبنانية فقط.