يوم أول من أمس، بشّر وزير الطاقة برفع الدعم عن البنزين. قبله بيوم، بشّر نقيب مستوردي المواد الغذائية برفع الدعم عن الحليب والسلّة الغذائية… كان من المفترض، حسب مشروع حكومة الرئيس حسان دياب، أن يسبق رفع الدعم إقرار البطاقة التمويلية في مجلس النواب. لكن بدا واضحاً في جلسة اللجنة الفرعية المكلّفة درس المشروع، يوم أمس، أن المجتمعين لا يزالون عند النقطة الصفر وأن المواطنين رُموا في النار، من دون أيّ خطة واضحة لإنقاذهم، وأنّ ثمة ما يشير الى إغراقهم بالكامل وإبقاء مصيرهم بيد تعميمات مصرف لبنان. أما خلاصة اجتماع اللجنة فهي كالآتي: مجلس النواب، ومجلس الوزراء، ومصرف لبنان، يتقاذفون كرة المسؤولية، ولا أحد منهم يريد تحمّلها. يبدو أداؤهم كما لو أنهم اتفقوا على رفع الدعم، من دون تأمين ولو حد أدنى من الحماية للسكان. وهذا «الاتفاق» يغطّونه بخلاف على «مصادر تمويل» البطاقة، وعلى آليّة اختيار الأسر التي تستحقّها. وبناءً على ذلك، يطالب المجلس النيابي الحكومة (المستقيلة) بموقف واضح في ما خصّ ربط مشروع البطاقة برفع الدعم، الأمر الذي لم تعلنه حكومة دياب حتى الساعة

في العادة، ترسل الحكومة ــــ أيّ حكومة ــــ مشروع قانون الى مجلس النواب لمناقشته، ويحضر الجلسات البرلمانية الوزراء المختصون بهدف الدفاع عن مشروعهم وتفسيره. لكن هذا المبدأ الذي هو أقل ما يمكن أن تفعله حكومة حسان دياب بعد 7 أشهر على بدء إعداد مشروع قانون للبطاقة التمويلية، يغيب تماماً عن الجلسات المنعقدة وآخرها جلسة اللجنة الفرعية المنبثقة عن اللجان النيابية المشتركة المكلفة درس مشروع القانون الوارد بالمرسوم 7797 الرامي الى إقرار هذه البطاقة، وفتح اعتماد إضافي استثنائي لتمويلها، واقتراح قانون البطاقة الائتمانية التمويلية الإلكترونية. فما جرى يوم أمس هو غياب التناغم بين الوزراء الثلاثة: وزير المالية غازي وزني، ووزير الشؤون الاجتماعية رمزي المشرفية ووزير الاقتصاد والتجارة راوول نعمة. كل وزير كان يغرّد بشكل منفرد وتقديمه طروحات تناقض المشروع الأساسي وطروحات زميليه. باختصار، كان ثمة 3 سيناريوات أمس تمثّل 3 مشاريع مختلفة، مع نقطة التقاء واحدة هي أن هذه المشاريع كلها صادرة عن حكومة واحدة اسمها حكومة تصريف الأعمال. وزير المالية ذهب أبعد من ذلك في نسف مشروع الحكومة، فكرّر مرة أخرى (سبق له أن تحدث عن عدم موافقته على القانون في عدة اجتماعات) أنه وفريقه لم يشاركوا في إعداد المشروع ولا كتبوا أيّ فقرة منه. وهكذا كرّت سبحة الخلافات في ما بينهم، واحد يشجع إقرار البطاقة بالدولار، وآخر يفضّلها بالليرة اللبنانية؛ واحد يدعم خيار الحكومة بنيل الأسر المستفيدة من برامج البنك الدولي والشؤون الاجتماعية، مبلغ البطاقة كاملاً، فيما زميله يتحفّظ على القبض من مصدرين. كل ما سبق، يطرح عدة علامات استفهام حول ما إذا كانت البطاقة ستُقرّ فعلياً وحول مضمون التقرير الذي ستقدمه هذه اللجنة الى اللجان المشتركة بعد أسبوع، والذي من المتوقع أن يعيد النقاش الى النقطة الصفر. فالأساس في فكرة البطاقة التمويلية هو أن تتزامن مع رفع الدعم وتعوّض القليل على المواطن. من هذا المنطلق، أثار النواب الحاضرون في الجلسة هذه المسألة، وما إذا كانت الحكومة ستواكب إقرار البطاقة بترشيد الدعم.
وبحسب المعلومات، فإن المجلس النيابي ليس بوارد الموافقة على مشروع البطاقة من دون إصدار الحكومة قراراً رسمياً بشأن رفع الدعم «لأن ذلك يقع ضمن مهامها ومسؤوليتها، والبرلمان غير مستعدّ لتحمّل تداعيات هذا الموضوع». ما يعني أن المشكلة التي وقعت في بداية العام الحالي بين السلطتين التنفيذية والتشريعية بشأن البطاقة وترشيد الدعم لا تزال على حالها شأنها شأن النقاشات على تفاصيل وبنود كان من المفترض أن تكون قد حُسمت وجرى التوافق عليها. في المحصّلة، سيدفع المواطن ثمن لامسؤولية وفشل وإهمال الطبقة الحاكمة مع بدء رفع الدعم عن المواد الغذائية، وبشرى وزير الطاقة باقتراب رفع الدعم عن البنزين ما سيؤثر على لقمة العيش والتنقل والماء والكهرباء وكلّ السلع والخدمات. وسيُحمّل بالقوة، كما يحصل في الوقت الحالي، كرة النار التي سبّبتها السلطة، مع ما سيرافق ذلك من ارتفاع جنوني في أسعار المواد الأساسية وانهيار إضافي لليرة اللبنانية. وهكذا، يوضع مصير المواطن مرة أخرى رهينة تعميمات مصرف لبنان وحاكمه، والابتزاز السياسي الذي يمارسه لحماية مخالفاته عبر مطالبته بغطاء لصرفه من الاحتياطي، تماماً كسلفة الكهرباء. وهو ما عبّر عنه أحد نوابه، ألكسندر ماراديان، في اللجنة يوم أمس. فعند تطرق النقاش الى طرق تمويل البطاقة، أوضح ماراديان أن لا أموال لدى المركزي لإقراضها للدولة وأن أي صرف من الاحتياطي الإلزامي يحتاج الى غطاء تشريعي.

تحفّظ وزير الماليّة على استفادة المشمولين ببرنامجَي البنك الدولي والأكثر فقراً من البطاقة

اتخذ التمويل حصة كبيرة من نقاش جلسة ما قبل الظهر التي استكملت في ساعات بعد الظهر، وكان المتحدث الأساسي فيها وزير المالية غازي وزني. حصر الأخير طرق تمويل البطاقة المقدرة كلفتها بمليار و235 مليون دولار (137$ لنحو 700 ألف أسرة شهرياً)، بمصدرين يكمل أحدهما الآخر: قروض البنك الدولي ومصرف لبنان. وإذا ما أضيف الى المبلغ 246 مليون دولار، قيمة قرض البنك الدولي لمصلحة برنامج دعم شبكة الأمان الاجتماعي، وجرى تخفيضها الى 193.6 مليون دولار بعد حسم بعض المصاريف؛ و53.4 مليون دولار قيمة برنامج الشؤون الاجتماعية للعائلات الأكثر فقراً، يصبح المجموع كله ملياراً و482 مليون دولار. الحل الأنسب لتأمين المبلغ على ما أجمع الحاضرون هو الاقتراح باستخدام قروض البنك الدولي غير المستعملة والتي قدّرت قيمتها بمليار و860 مليون دولار. وقال وزني إن 300 مليون دولار من هذا المبلغ مؤمنة (سيتم استعمال قرض الباص السريع) مع استعداد البنك الدولي لزيادتها لتصل الى 400 مليون دولار، وإبداء استعداده أيضاً لتأمين قرض جديد للبنان، إضافة الى 235 مليوناً مؤمنة سلفاً، على أن يعمد مصرف لبنان الى سدّ التعثّر، الأمر الذي ليس متوفراً حتى الساعة. في موازاة كلام وزني، تشير مصادر نيابية الى أن ثمة قروضاً خاصة بمشاريع مموّلة من البنك الدولي لا يمكن وضعها بتصرّف البطاقة لأنه بدأ العمل بها. لذلك تمحور النقاش حول الاكتفاء بالمبلغ المتوفر إن كان 300 مليون دولار أو 400 مليون أو 700 مليون دولار وتحديد عدد الأسر المستفيدة وفقاً له، بما يعني خفضها عن الـ 750 ألف عائلة. كذلك تطرق الحديث على ما ذكره تكتّل «لبنان القوي» الى اقتراح القانون الذي تقدّم به بشأن البطاقة، لجهة إعطاء كل مودع 100$ من حسابه واستثنائه من الاستفادة من البطاقة، في حين اقترح آخرون أن يستثنى كل من يستفيد من تعميم مصرف لبنان بشأن إعطاء 400$ لكل مودع شهرياً من حسابه وما قيمته 400 دولار بالليرة اللبنانية وفقاً لسعر صرف 12 ألف ليرة للدولار الواحد. أتى هذا الاقتراح الذي تحمّس له الجميع تحت عنوان: «يلّي عم ياخد دولارات مش بحاجة… فضلاً عن أن لا مشكلة لمصرف لبنان في الصرف من هذا الباب وسيقوم باستخدام الاحتياطي من دون أي تشريع ملزم»، علماً بأن ما يعطى للمودع أصلاً ليس إلا ماله الخاص المحجوز من قبل المصارف، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن يسمى تعويضاً أو دعماً!

 

من جهة أخرى، تحفّظ وزير المالية على منح بطاقة دعم للمستفيدين من برامج أخرى، معلّلاً موقفه بضرورة إعطاء من لا يستفيد من أيّ برنامج، ثم يتم البحث بوضع هؤلاء إذا كان التمويل متوفراً. ما سبق ليس المشكلة الأساسية، طالما أن المجتمعين، بمن فيهم وزير الشؤون الاجتماعية، لا يمتلكون بيانات واضحة حول الأسر وفئاتها وعمدوا يوم أمس الى غربلة أفكارهم حول الآلية الأفضل لتحديد الأسر. هنا اقترح وزير الاقتصاد راوول نعمة البدء من الصفر طالما أن وزير الشؤون يقول إن عدد الأسر المتوفر في البيانات الخاصة بوزارته لا يتعدّى المئتَي ألف وبحاجة الى «فلترة». وفكرة نعمة تقوم على استحداث تطبيق مشابه لتطبيق التسجيل لنيل اللقاح، مع تحديد قائمة معلومات ضرورية لوضع البيانات، ولن تحتاج إلى فترة طويلة برأيه، علماً بأن موقف التيار الوطني الحر يقضي بوضع البطاقة بمتناول الجميع على اعتبار أن قسماً غير قليل لن يتقدّم للحصول عليها. وهذا الطرح سبق لحاكم مصرف لبنان أن اقترحه عند إثارة حكومة دياب بطاقة الدعم منذ مطلع العام الجاري.