شعار ناشطون

متى يبدأ سعر صرف الليرة اللبنانية بالاستقرار الحقيقي ثم التحسّن؟

04/05/23 06:16 am

<span dir="ltr">04/05/23 06:16 am</span>

كتب باحث اقتصادي د.أيمن عمر في موقع “اعلام المباشر”:

منذ بداية شهر رمضان المنصرم، والليرة اللبنانية تشهد استقرارًا نسبيًّا في سعر صرفها مقابل الدولار الأميركي الذي يتراوح بين 95,000 و98,000 ليرة للدولار الواحد، بعد أن وصل إلى عتبة ل 145,000 في 21 آذار الماضي. ويلعب مصرف لبنان دورًا أساسيًا في تحقيق هذا الاستقرار عبر ضخّ 1,638.6 مليون دولار منذ بداية شهر رمضان وحتى 2 أيار الحالي، مما يدلّ على استمرار قدرة مصرف لبنان في التأثير على سوق القطع إذا توفر القرار في ذلك. هذه الدولارات توفّرها منصّة صيرفة عبر أحد المصادر التالية: الاحتياطي الإلزامي الذي لامس ل 9 مليار دولار والتي هي بالأساس أموال للمودعين وحق مكتسب لهم، الدولارات المتداولة في السوق الموازية والتي يقوم مصرف لبنان بالحصول على جزء منها من خلال بعض أدواته من الصرّافين وشركات تحويل الأموال، وقد تكون حقوق السحب الخاصة من صندوق النقد الدولي إحدى هذه المصادر. هذا الاستقرار في سعر الصرف هو استقرار وهمي غير قائم على أسس نقدية ومالية، وإنما قام بالدرجة الأولى على قرار سياسي بلجم الأزمة خلال فترة شهر رمضان الذي تزامن مع أعياد الفصح. وحتى الآن لم يتوافر أي عامل من عوامل الاستقرار النقدي وتاليًا التحسّن في سعرف صرف الليرة، والتي يمكن تلخيصها بما يلي:
1- الثقة
يكاد يكون هو العنصر الأهم في مسار تحقيق الاستقرار النقدي وعودة المسار الاقتصادي والمالي إلى سياقه الطبيعي. إن إعادة الثقة بالقطاع المصرفي هي المفصل في مسار الانهيار التاريخي غير المسبوق لما يلعبه القطاع المصرفي من الدور الأساس كقاطرة لكل القطاعات الاقتصادية لما يضخّه من دماء في قلب الدورة الاقتصادية. ثم تأتي الثقة في الإدارات العامة ومؤسسات الدولة الإنتاجية لتحقيق الانتظام العام، وهذا لا يحدث إلا من خلال إصلاح حقيقي وحوكمة رشيدة، ثم الثقة بالقضاء والمؤسسات الرقابية وأجهزة الدولة الأمنية.
2- هيكلة القطاع المصرفي وإعادة تكوين الودائع بالدولارات
بلغت الودائع بالعملات الأجنبية في العام 2018 حوالي 123 مليار دولار، مع بدء الأزمة وبسبب غياب الثقة بالقطاع المصرفي واسترداد جزء من هذه الودائع عبر تعاميم مصرف لبنان بدأت هذه الودائع بالانخفاض إلى 120.7 مليار في 2019، 111.8 مليار في 2020، 102.8 مليار في 2021 و 96.5 مليار في 2022، ولكن قد تبيّن أن هذه الودائع هي مجرّد حبر على ورق وما يتوفّر من سيولة بالدولار هو الاحتياطي الإلزامي فحسب. إن المكمن الطبيعي لتوفير الدولارات يجب أن يتم من خلال قنوات الجهاز المصرفي، وإن عودة الثقة بهذا القطاع عبر هيكلته ستساهم بشكل كبير في جذب الدولارات إلى الداخل اللبناني من خلال إعادة تكوين الودائع بالعملات الأجنبية التي تساهم بزيادة العرض النقدي M1 والسيولة من الدولارات، وكذلك تساهم في زيادة الاحتياطي الإلزامي وقدرة مصرف لبنان على التأثير في سوق القطع.
3- التحويلات من الخارج عبر المصارف
تاريخيًا شكّلت التحويلات من الخارج الجزء الأكبر من التدفقات النقدية في ميزان المدفوعات والنسبة الاكبر من الدخل القومي. منذ سنوات والتحويلات من الخارج عبر القنوات الرسمية تتخطى ل 6 مليار دولار سنويًا بحسب البنك الدولي. وعلى الرغم من دخول لبنان أكثر من 9 مليار دولار في العام 2022 ما بين تحويلات المغتربين، تحويلات إلى الأحزاب اللبنانية والمنظمات الفلسطينية والتحويلات إلى اللاجئين السوريين، وهو رقم ليس بالسهل نهائيًا، إلا أنها لم تدخل عبر القطاع المصرفي والقنوات الرسمية لغياب الثقة بهم، من هنا تأثيرها في تحقيق الاستقرار النقدي يبقى محدودًا. وقد لعبت شركات تحويل الأمول التي نمت بشكل فطري في تسرّب هذه الدولارات من القطاع المصرفي، لذلك لا بد من إعادة ضخّ هذه الدولارات عبر مسارها الطبيعي وهي المصارف وانتزاع دور هذه الشركات في هذا الأمر.
4- هيكلة الدين العام
إن الخطأ التاريخي القاتل في مسار الانهيار المالي هو قرار حكومة حسان دياب بالتوقف عن دفع مستحقّات سندات اليوروبوند في 7 آذار 2020، مما أفقد الدولة اللبنانية ثقة السوق المالية الدولية بالكامل وحصول لبنان على تصنيف بمرتبة Default وهو أدنى مراتب التصنيف المالي الدولي، الأمر الذي أفقده مصدرًا أساسيًا من مصادر الحصول على دولارات ورفد العرض النقدي به. إن هيكلة الدين وإعادة الثقة بالأوراق المالية اللبنانية من قبل السوق المالية الدولية يساهم مساهمة فعّالة في توفير دولارت من الخارج وزيادة العرض النقدي منه.
5- عودة القطاع السياحي إلى موقعه التاريخي
لطالما ساهمت السياحة بين 20 و25% من الناتج المحلي الإجمالي وكانت السمة البارزة في اقتصاد لبنان وتمايزه عن كل دول المنطقة، بحيث تساهم ب 7% بشكل مباشر والباقي بشكل غير مباشر. وقد بلغت التدفقات النقدية من قطاع السياحة 8.4 مليار دولار في العام 2018، وانخفضت إلى ما يقرب من 3 مليار في الوقت الحالي. بالإمكان استغلال الانهيار الحالي والتدهور في قيمة الليرة وتاليًا انخفاض في أسعار الخدمات السياحيّة مقارنة بالخارج كعنصر إيجابي في جذب السيّاح والمغتربين من الخارج، ولكن هذا الأمر يتطلّب توافر الأمن والاستقرار السياسيّ بالدرجة الأولى. ويجب العمل على إعادة اكتساب لبنان ميزته التنافسيّة في السياحة لما يمتلك من مقوّمات قلّ نظيرها في المنطقة من أجل امتلاك الريادة في السياحة في مواجهة تركيا وقبرص وشرم الشيخ.
6- الاستثمارات العربية والأجنبية
بلغت قيمة الاستثمارات العربية في لبنان خلال الفترة 2003-2018 نحو 12.02 مليار دولار بمعدل سنوي وسطي 751 مليون دولار، وبلغت قيمة الاستثمارات الاجنبية المباشرة الواردة الى لبنان في الاعوام 2003-2019 نحو 51.1 مليار دولار بمعدل سنوي وسطي 3 مليار دولار، حيث بلغت في حدّها الأقصى في العام 2009 حوالي 4.379 مليار، وقد انخفضت بشكل لافت من 2.055 مليار في 2019 إلى 1.306 في 2020 وصولًا إلى 273 مليون دولار فقط في 2021. تشكّل الاستثمارات العربية في لبنان ما نسبتها ٣,٣ بالمئة من اجمالي الاستثمارات العربية البينية، بينما تشكّل الاستثمارات الأجنبية فيه ما نسبته ٤ بالمئة من إجمالي هذه الاستثمارات في المنطقة العربية، وهي من النسب المنخفضة التي يجب العمل على زياداتها من خلال حوافز استثمارية أو عبر إنشاء وتفعيل المناطق الاقتصادية الخاصّة. ولعل أبرز قطاع سيكون جذّابًا للاستثمارات الخارجية هو القطاع المكمّل للنفط والغاز المأمول استخراجه، لذلك يجب تهيئة البيئة الملائمة لهذه الاستثمارات من استقرار سياسي وتشريعات جاذبة ملائمة.
7- التشجيع على التصدير تفعيل الترانزيت ودور لبنان الريادي كصلة وصل بين الشرق والغرب
تتمتّع بعض المنتجات اللبنانية بميزة تنافسية تجعلها صالحة للتصدير والحصول بالمقابل على عملات أجنبية ويأتي في مقدمتها اللؤلؤ والأحجار الكريمة والمعادن الثمينة التي بلغت قيمة صادراتها 1.455 مليار دولار في العام 2019 ثم بدأت بالانخفاض حتى وصلت إلى 753 مليون دولار في العام 2022 أي بانخفاض النصف تقريبًا. تليها منتجات صناعة الأغذية والتي بلغت قيمة صادراتها 458 مليون دولار في العام 2017 وصولًا إلى 390 مليون في العام 2022 أي بانخفاض بنسبة 15%. المعادن العادية ومصنوعاتها التي بلغت قيمة صادراتها 380 مليون دولار في 2018 وازدادت إلى 490 مليون دولار في العام 2022. إن لائحة المنتجات اللبنانية ذات القدرة التصديرية العالية تتضمن: حلى ومجوهرات وأجزاؤها من معادن ثمينة، أغنام حيّة، موز، مولدات كهرباء بمحركات ديزل، تفاح، أدوية للبيع بالتجزئة وغيرها العديد من المنتجات.

إن المحطّة المفصلية في توفير العوامل الآنفة الذكر في تحقيق الاستقرار النقدي وعودة التعافي التدريجي إلى النقد الوطني تبدأ من انتخاب رئيس جديد للجمهورية الذي يحظى بمباركة خارجية، مما يؤشر على اتفاق الخارج على دعم لبنان وتحقيق النهوض الاقتصادي والتعافي المالي.

تابعنا عبر