شعار ناشطون

متحف الفن المعاصر في بوردو: العالم يختنق أما هنا فنتنفّس فنًّ وهواءً وتأملاً فلسفياً

04/12/24 11:28 am

<span dir="ltr">04/12/24 11:28 am</span>

باريس – أوراس زيباوي

 

خمسون عاماً مضت على تأسيس مركز الفن المعاصر في مدينة بوردو في عام 1884، بعدما تكرس كمؤسسة ثقافية مرجعية على الصعيدين الفرنسي والعالمي. في هذه المناسبة، تقام مجموعة من المعارض واللقاءات التي تؤكد ريادة هذا المتحف المفتوح على تجارب الفنانين من كل الجنسيات. فمنذ بداياته، أُقيمت المعارض لفنانين فرنسيين صاروا اليوم معروفين عالمياً، كأندره بوران وجيرار غاروست، كما استقبل المتحف فنانين غير فرنسيين طبعوا بنتاجهم مسيرة الفن المعاصر وعكسوا أبرز تياراته.أول ما يبهر زائر المتحف، مبناه التاريخي الأثري الرائع الذي شُيد مطلع القرن التاسع عشر، وسُجل في لائحة الصروح الوطنية في عام 1973 بسبب عمارته الحجرية ذات المزايا الفريدة. كان في الأصل مخزناً يضم البضائع التي تصل إلى فرنسا من مستعمراتها، وعكَس مكانة مدينة بوردو في التبادلات التجارية مع أوروبا عندما كانت الميناء الأول في فرنسا. ومع تبدل الأحوال السياسية والاقتصادية ونهاية الحقبة الاستعمارية، اشترت بلدية بوردو المبنى وحولته إلى متحف للفن المعاصر، بعدما خضع لعملية ترميم واسعة لتتلاءم قاعاته مع وظيفته الجديدة.

في هذا الصرح البديع، افتتح أخيراً معرض بعنوان “مساحة للراحة” يشرف عليه سيديريك فوك، المسؤول عن المعارض في المتحف، وتشارك فيه مجموعة من الفنانين من جنسيات مختلفة.العالم يختنق

ينطلق المعرض من فكرة أن العالم يختنق، وأن الناس مرهقون وهم بحاجة إلى مكان استراحة، بإمكانه أن يكون اليوم المتحف حيث أنجز الفنانون تجهيزات وأعمالاً صوتية تعكس تأملاتهم بالقضايا البيئية وكل ما يتعلق بحاسة الشم. من أهداف المعرض منح زواره قسطاً من الراحة القائمة على التأمل، خصوصاً أن التنفس بصورة صحية وطبيعية لم يعد أمراً بديهياً في الكثير من أماكن العالم اليوم بسبب التلوث البالغ حدوده القصوى، والذي يطاول الهواء والماء والأرض. ضيق التنفس لا ينتج من التلوث وحده، بل أيضاً من الحروب والعنف اليومي في المجتمعات المعاصرة، كما حصل في عام 2014 عندما أطلق الأميركي الأسود إريك غارنر عبارته الشهيرة “لا أستطيع التنفس” حين اعتقلته الشرطة بعنف، ما أدى الى وفاته.

ما يجمع الفنانين المشاركين في المعرض، ومنهم بيار ألان وآدم فرح سعد وعباس زاهدي وإيفا غولد وجاك أوبرين، وعيهم بالتحديات السياسية والبيئية والاجتماعية التي تواجه البشرية اليوم، وكل فنان يعبر بأسلوبه الخاص عن رؤيته لهذا الموضوع.

ودائماً، في إطار نشاطات متحف الفن المعاصر وفي موازاة معرض “مساحة للراحة”، يطالعنا معرض آخر بعنوان “الشركاء الأشباح”، هو تحية إلى الأديبة والناقدة والكاتبة المسرحية الفرنسية إيلين سكسو (من مواليد الجزائر في عام 1937)، المعروفة بأبحاثها في مجالات الفلسفة والجماليات والأدب واللغات والنضال النسوي. تطالعنا أعمال فنية متنوعة تستعيد محطات في حياة الأديبة تمتزج فيها فصول من سيرتها الشخصية مع حوادث سياسية طبعت مسيرتها الأدبية كصعود الفاشية واستعمار الجزائر. يحضر أيضاً الكتاب الذين ساهموا في صياغة مشروعها الثقافي، ومنهم جاك ديريدا وجيمس جويس وفرانز كافكا وصموئيل بيكيت.

الأعمال الفنية المعروضة متنوعة، تصويرية، كما في لوحة الفنانة إلزا برودون، أو تجريدية كما في لوحة الفنانة جولي بوفيس. كرونوس

أما المعرض الثالث والأخير المقام حالياً في متحف الفن المعاصر فيشرف عليه الفنان الفرنسي بونوا مير (من مواليد عام 1978) وهو حوار أجراه مع مجموعة من التحف التي أعارها متحف الفنون الزخرفية في بوردو الى متحف الفن المعاصر. عنوان المعرض “كرونوس”، نسبة إلى إله الزمن عند الإغريق. ترجع التحف المعروضة إلى مراحل مختلفة ممتدة من القرن الثالث عشر حتى القرن الحادي والعشرين.

تحف مصنوعة بمواد مختلفة منها الزجاج والخزف والمعادن، أنجزت لأغراض تتعلق بالحياة اليومية، مصوغة بحرفية عالية وتعكس الأساليب الفنية التي هيمنت على تاريخ الفن منذ القرون الوسطى حتى اليوم. معروف عن الفنان بونوا مير اهتماماته الفلسفية، وهو هنا في المعرض يطرح الأسئلة عن الحدود التي تفصل بين ما يُسمى بالفنون الجميلة من جهة والفنون الزخرفية من جهة أخرى، وما يسمى اليوم بفنون التصميم التي تطالعنا في كل مجالات الحياة. المعرض رحلة عبر الأزمنة تعكس المهارات البشرية ومدى استفادتها من تطور العلوم الحديثة.

تابعنا عبر