بوجود وسائل التواصل الاجتماعي، يبدو وكأن المبادئ المعتمدة في التربية قد تبدلت عند البعض. فمما لا شك فيه أن هذه المرحلة تسببت بتغييرات كبرى في هذا المجال ومن أبرز ما نشهده موجة تسليط الأضواء على الأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي سواء عبر صور أو عبر فيديوات على “تك توك” أو غيرها من المنصات بهدف حصد الإعجابات والتعليقات وزيادة عدد المتبعين. سنوات تمر يعيش فيها بعض الأطفال في هذه الأجواء مع ما يمكن أن يكون لذلك من تداعيات على نموهم وشخصياتهم وتوازنهم النفسي. هذا ما تحذّر منه الإختصاصية في المعالجة النفسية للأطفال والمراهقين في المركز الطبي للجامعة الأميركية في بيروت لارا جلول مشددةً على أهمية تحلّي الأهل بالوعي حول مخاطر هذه الظاهرة.
ما هو أخطر ما يتعرض له الأطفال حالياً من خلال تصويرهم في فيديوات عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
بالنظر إلى ما ينتشر من فيديوات عبر “تك توك” أو غيرها من وسائل التوصال الاجتماعي، نرى حسابات كثيرة تحقق فيها فيديوات الأطفال انتشاراً واسعاً ويكون فيها الأطفال نجوماً تسلّط الأضواء عليهم فيها. مما لا شك فيه أن جيل اليوم أكثر عرضة لهذه الظاهرة ممن سبقهم بوجود وسائل التواصل الاجتماعي نظراً للأهمية التي اتخذتها في حياة كثيرين، بحسب جلّول. هذا ما يجعل الطفل المعني الذي يتم تسليط الأضواء عليه في هذه الفيديوات معتاداً على هذه الحالة وعلى جذب الانتباه. كما ينمو هؤلاء الأطفال بشكل يركزون فيه على أهمية الشكل والمظهر الخارجي بشكل خاص. نموهم يكون بهذا الاتجاه ويبحثون عن لفت الأنظار وجذب الانتباه. ومن هواجسهم عادةً أن تنال الفيديوات التي يصورونها إعجابات الناس وأن يرضوا الناس أيضاً ويتأثروا إلى حد كبير بعدد الإعجابات التي تحصل عليها الفيديوات فينعكس ذلك على حالتهم النفسية سلباً أو إيجاباً.
تحذّر جلول في الوقت نفسه من مخاطر الإنترنت لأنه لا يمكن السيطرة في هذا العالم على الأمور وعلى من يدخلها من متنمرين وأشخاص يعانون اضطرابات نفسية وغيرهم.
هل يجب الإمتناع عن نشر صور وفيديوات للأطفال عبر وسائل التواصل الاجتماعي؟
ليس من الخطأ نشر صور للأطفال ومن الطبيعي أن يفرح الأهل بأطفالهم ويرغبوا بنشر صور لهم، لكن يجب أن يكون هناك حدود لذلك، إضافة إلى الوعي الضروري. فإذا كان الطفل في سن يمكن أن يدرك فيها هذه الأمور، وذلك ممكن في سن 4 سنوات أو 5 سنوات، يمكن أن يسأله الأهل إذا كان يرغب بنشر الصور. فإذا عبّر عن رفضه وأصروا على نشر الصور او الفيديوات، وكأنهم يؤكدون له أنهم لا يحترمون هذه الحدود المطلوبة. فمن المهم احتراك رأي الطفل إذا كان لا يرغب بنشر صور أو فيديوات. وقد أظهرت دراسة بريطانية في عام 2022 أنه قبل أن يبلغ الطفل سن 5 سنوات، يكون الأهل قد نشروا 1500 صورة له عبر وسائل التواصل الاجتماعي. وبشكل عام، لا يقلق الأهل بشأن رأي الطفل ولا يعيرونه أي أهمية.
هذا، من دون أن ننسى أن الأهل الذي يخصصون فيديوات في حسابات خاصة بأطفالهم يرسمون حياتهم ومسارها بشكل معين وفي هذا الإطار الضيق. وكأنهم بذلك يحكمون عليهم بالظهور بهذه الشخصية والصورة أياً كانت اختياراتهم في الحياة لاحقاً، ومن الطبيعي أن تتاثر هذه الاختيارات بذلك أيضاً.
من المؤكد أن لذلك تداعيات لا يمكن الإستهانة بها، فهذه الطريقة في التعاطي مع الأمور ونشر فيديوات تسلط الأضواء على الطفل، وبعض الاهتمام برأيه أمور تنعكس بشكل واضح على سلوكياته في الحياة وطريقة تعاطيه مع الأمور في الحياة. فيبدو له عندها وكأن السلوكيات الخاطئة في الحياة مقبولة ولو كانت تتخطى الحدود بما أن الأهل نقلوا إلى هذه الرسائل. من هنا أهمية احترام رأيه والحرص عليه وسؤاله، ولو كان صغيراً، حول إذا كان يرضى بنشر فيديوات أو صور له.
من جهة أخرى، يجب تذكير الطفل دوماً بأن أهميته ومحبته لا ترتبطان بمعدلات الإعجابات التي ينالها على صور وفيديوات. فالكل يعلم أن الراشد يتأثر بهذا الموضوع، فكيف بالأحرى إذا كان طفلاً؟ يجب أن يدرك الطفل ان قيمته لا ترتبط بالإعجابات التي ينالها عبر وسائل التواصل الاجتماعي ولا محبة الآخرين ترتبط بذلك ايضاً حتى لا تخلق لديه هذه المسألة ضغطاً نفسياً وتنعكس سلباً على نموه وتوازنه النفسي، خصوصاً أن الطفل يعجز أن يرى الأمور في إطار واسع وتكون محصورة في هذا الإطار الضيق ولا يراها بشكل أبعد.