شعار ناشطون

ماذا تفعل لو كنت الأمير تميم؟

26/12/21 06:24 am

<span dir="ltr">26/12/21 06:24 am</span>

عماد الدين أديب – أساس ميديا

في العام 2022، ماذا تفعل لو كنت الأمير تميم بن حمد أمير قطر؟

لماذا السؤال عن الأمير تميم؟ ولماذا عن قطر؟ ولماذا الآن؟

قطر دولة خليجية مساحتها 11 ألفاً و541 كيلومتراً مربّعاً، وترتيبها في المساحة عالميّاً هو الـ164، وتعداد سكّانها 2 مليون و404 آلاف نسمة، وترتيبها عالميّاً في التعداد السكاني هو الـ144. 14 في المئة منهم قطريون، و40 في المئة عرب، و16 في المئة منهم من جنوب آسيا، و10 في المئة من آسيا.

أُسِّست الإمارة عام 1870. ناتجها المحلّي 241 مليون دولار (إحصاء 2016)، ومتوسّط دخل الفرد 113 ألف دولار سنويّاً (العاشر عالمياً).

نجحت الدوحة على مرّ الأيام الماضية في أن تكون الأداة الفعّالة للحوارات والوساطات والأعمال التي يستحيل على الإدارة الأميركية فعلها بحكم الدستور أو التشريعات أو المواءمة السياسية

 

التأثير القطري في مجلس التعاون الخليجي، والعالم العربي، والصراعات الإقليمية، والخدمات العسكرية اللوجستية، والاستثمارات الخارجية، والمال السياسي، والنشاط الاستخباري، والمفاوضات السرّية الحسّاسة، أكبر من الحجم والمساحة والتعداد.

الدور المعنوي في شركات التسويق الدولية في شبكة منصّات التأثير الإعلامي، التي رُصِد 86 واحدة منها تُموَّل مباشرة من الدوحة، تقوم به هذه الدولة الصغيرة ذات الدور الفعّال، الذي يمكن أن نحبّه أو نكرهه، نؤيّده أو نرفضه، نعتبره حكيماً أو خطّأً، لكن يبقى الأمر المؤكّد أنّه موجود ومؤثِّر.

في الأعوام الأخيرة أصبح لدى قطر ذات المساحة الصغيرة والتعداد السكاني المحدود ما يمكن تسميته “فائض قوّة” متصاعد سوف يزداد عام 2022، وذلك للأسباب التالية:

1- تمكّن قطر في العام 2021 من التصالح مع مصر والسعودية والإمارات والبحرين، ورفع المقاطعة عنها.

2- توجّه أنظار العالم كلّه طوال العام المقبل إليها لأنّها ستكون الدولة المضيفة لكأس العالم لكرة القدم بعدما وفّرت أهمّ وأغلى تجهيزات للمسابقة، وخدمات غير مسبوقة في تاريخ كأس “جول ريميه” الشهير.

3- وجود علاقة خاصّة بين مجموعة فريق بايدن الديموقراطية ومراكز صناعة القرار السياسي والماليّ والأمني في قطر.

تجلّى ذلك في الدور القطري في استضافة حركة الطالبان بضوء أخضر أميركي، وتوفير مظلّة لمفاوضات أميركية – طالبانية أدّت إلى الانسحاب الأميركي من أفغانستان.

وتجلّى ذلك أيضاً في مكالمة بايدن الهاتفية منذ أسابيع مع سمو الأمير تميم لشكره على دور قطر في الدعم اللوجستي والجسر الجوي لتسهيل خروج الأميركيين والقوى الحليفة لهم من كابول.

4 – التأثير القطري من خلال هيئة الاستثمارات القطرية على حركة المصالح مع الشركات الفرنسية والأميركية والبريطانية والألمانية والصينية والتركية لأنها ثالث دولة عالميّاً في احتياط الغاز، والدولة الثالثة عشرة في احتياطات النفط، وبسبب قوة جهاز الاستثمار الذي يُقدّر رأسماله بحوالي 375 مليار دولار.

5 – تملك قطر علاقات خاصة من ناحية التمويل المباشر للدول الأساسية في الصراعات. فالدوحة هي المؤثّر الأول الخارجي في الاستثمارات الخارجية لكلّ من تركيا، إثيوبيا، غزّة وفرنسا. في الوقت ذاته، هي زبون مهمّ لشركات السلاح من فرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة وتركيا.

ومع إعادة التموضع الاستراتيجي التي يمارسها فريق بايدن السياسي، بحيث يمتدّ مركز صدارة الاهتمام من الشرق الأوسط إلى جنوب بحر الصين والمحيط الهادئ، تزداد قيمة قطر الإقليمية.

قطر التي تحتضن قاعدتيْ العديد والسيلية، وتحتضن وتنفق على ممثّلي طالبان والشيشان وحماس والإخوان المسلمين “بضوء أخضر” كامل من واشنطن، هي أحد “أعمدة الارتكاز” الجديدة لفريق بايدن شرق أوسطيّاً.

باختصار، نجحت الدوحة على مرّ الأيام الماضية في أن تكون الأداة الفعّالة للحوارات والوساطات والأعمال التي يستحيل على الإدارة الأميركية فعلها بحكم الدستور أو التشريعات أو المواءمة السياسية.

نجحت قطر في أن تكون الطرف القادر على محاورة مَن يرفض الجميع الحوار معه، مثل طالبان أو الشيشان أو حماس.

 

وضعت قطر معادلة غير قابلة للتكرار، بأن تكون دولة عربية، عضو مساعد في مجلس التعاون الخليجي، لديها قواعد عسكرية أميركية، وفي الوقت عينه توقّع اتفاقات أمنيّة وتعهّدات عدم اعتداء مع إيران، وتضمّ قوات نخبة خاصة تركيّة لحماية النظام.

هذه النظرية الخاصة بقطر وحدها، والتي تقوم على تطبيق يومي يعتمد مبدأ “الإمساك بالعصا من كلّ الاتجاهات”، ومدّ الخطوط والخيوط مع كلّ أطراف الصراع المتصادمة، مكّنت الدوحة من أن تكون لاعباً مؤثّراً في سياسات المنطقة مع صغر المساحة ومحدوديّة عدد السكّان.

يقول مسؤول خليجي إنّ نظيره القطري قال له في عشاء خاص: “نستطيع بدفتر الشيكات، ومن خلال شركات استشارية، الوجود بفاعليّة والتأثير بقوّة على أيّ ملفّ، وإنجاز أيّ حلم”.

حينئذٍ قال له المسؤول الخليجي: “لكنّكم لا تستطيعون بناء بشر بين ليلة وضحاها من خلال دفتر الشيكات”.

جاء الردّ الفوريّ: “كلامك خاطئ تماماً يا عزيزي. تأمّل أبطال رفع الأثقال أو الملاكمة أو المنتخب الوطني أو أساتذة الجامعات أو بعض الشخصيّات العامّة حينما تجنّسهم وتمنحهم الجنسية القطرية”.

ثمّ أضاف: “ليس لدينا الوقت لانتظار بناء رياضي أو مفكّر أو أستاذ جامعي أو رجل اقتصاد. في خلال 24 ساعة نمنحهم الجنسية القطرية ويصبحون قيمة مضافة للقوة الناعمة لبلادنا”.

أمام عقليّة صانع القرار القطري لا يوجد ما هو غير ممكن أو مستحيل أو عائق ماليّ أو بشريّ على أساس أنّ “كلّ شيء يمكن ضبطه من خلال مال الفوائض الآتية يوميّاً من مبيعات النفط والغاز”.

ويؤكّد مصدر ماليّ خليجي أنّ “الحالة القطرية من حيث الفوائض المالية شكّلت ضغطاً على جهاز قطر للاستثمار، لأنّ المشكلة ليست البحث عن التمويل، لكن البحث عن المشروعات التي تستوعبها”!.


الآن قطر تعيش مرحلة جني ثمار سياستها الفريدة في الرهان على كلّ القوى المتناقضة، وخلق شبكة مصالح قوية مع كلّ قوى التأثير العالمية، وتسويق ذلك دعائيّاً بشكل مدروس من خلال أكثر شركات التسويق السياحي كلفةً وكفاءة.

هذا كلّه يدفعنا إلى طرح سؤال مشروع ومنطقي يفرض نفسه بقوّة: ماذا ستفعل قطر بهذا الفائض من القوة؟ وماذا سيفعل الأمير تميم بها؟ (غداً الإجابة).

تابعنا عبر