هيام القصيفي – الأخبار
الهمروجة التي رافقت مؤتمر دعم الجيش، لا تشبه مطلقاً الصمت الذي ساد بعده. بين الكلام عن فشل المؤتمر في تأمين الدعم اللازم، وبين ملاحظات فرنسية وأوروبية على أداء لبناني، لم يُخدَم الجيش ولا تحققت «نوايا» مساعدته
لذا، يمكن لفت الانتباه الى ما جرى لبنانياً وعسكرياً وإعلامياً قبل المؤتمر وخلاله، ورؤية باريس والدول التي تنسق معها حيال تلبية مطالب الجيش.
لا يُنكر أيّ طرف خارجي أهمية دعم الجيش إنسانياً وعسكرياً، لضمان الاستقرار وحماية لبنان، ولا ينكر أيضاً حاجة العسكريين الى تعزيز رواتبهم ومستلزماتهم الغذائية والطبية أسوة بالأسلاك الاخرى من قوى أمن وأمن عام. لكن الدول المعنية مباشرة بدفع الاموال، أوروبياً وأميركياً، لها أجندات وموازنات مدروسة عبر دوائرها الرسمية، وهي غالباً ما ترسل مساعدات عسكرية الى الجيش، كبريطانيا وإيطاليا وفرنسا والولايات المتحدة، وسبق أن أرسلت مساعدات عينية إليه، ولا يمكن بشحطة قلم تغيير هذه الميزانيات، وفقاً لحاجات ومتطلبات سريعة، كما حصل في مؤتمر باريس الذي لم يتعدّ الإعداد له أسابيع معدودة، ووفقاً لما يريده الجيش تحت وطأة الضغط الاقتصادي.
النقطة الثانية هي أن الجيش لم يطرح عملياً ماذا يريد، فيما الدول تسعى الى وضع برامج واضحة وعملية في تقديم المساعدات، سواء عسكرية أم إنسانية. وما حصل أن هناك عناوين فضفاضة، عن سوء أحوال العناصر والعسكريين وعائلاتهم وحاجاتهم الغذائية، من دون وقائع عملية. وجرى تضخيم تلك العناوين والترويج لها لبنانياً، بما أسفرت عنه زيارة قائد الجيش لباريس، وأن هناك استعداداً غير مشروط لمساعدة المؤسسة العسكرية. وتضمنت الحملة التي قادها فريق استشاريين وسياسيين عبر وسائل إعلام لبنانية الترويج لما يفعله قائد الجيش للحصول على مساعدات مالية (ليس صحيحاً أن الجيش لم يطلب مساعدة نقدية لتعزيز رواتب العسكريين. هذه الفكرة طرحت ونوقشت) وغذائية وطبية. لكن واقع الأمر أن المعنيين بالمساعدات مهتمون ببنود عملانية ولوجيستية، وهذا لم يكن متوافراً بالمعنى التفصيلي الدقيق الذي تتعامل به الدول في مؤتمرات كهذه.
«الهمروجة» اللبنانية بشأن دور قائد الجيش أثارت نقزة عند جزء من المؤتمرين
النقطة الأهم هي أن المؤتمر ليس مؤتمراً سياسياً. هناك كلام فرنسي وأوروبي وأكثر، أنه جرى تصوير المؤتمر على أنه يهدف الى تعويم قائد الجيش، على حساب الشخصيات السياسية. وهذا أمر يتحمل مسؤوليته الفريق اللبناني الذي سوّق للفكرة. يتصرف المسؤولون اللبنانيون، المدنيون والعسكريون، أن العواصم التي يقصدونها لا تعرف ماذا يجري في مؤسساتهم، وأن السفارات الغربية والعربية غافلة عمّا يجري حقيقة داخل الأسلاك الأمنية. كل شيء تحت المعانية، من لحظة تشكيل الوفود الرسمية ومن ستضم (فيما يلاحق بعض هذه الدول شخصيات مستفيدة من أموال الدولة اللبنانية)، الى لحظة طرح ما تريده على الطاولة، من مراقبة الحدود والتهريب الى بسط الأمن في الداخل الى أداء الضباط وعلاقتهم بالمصارف، وصولاً الى الأجندات السياسية. من هنا أثارت «الهمروجة» اللبنانية بشأن دور قائد الجيش، نقزة عند جزء من المؤتمرين. فرنسا لا تريد وضعها في خانة فريق ضد آخر، وهي لا تسعى الى تعويم قائد الجيش ضد السلطة السياسية، فهي تريد التحدث مع الجميع مهما كانت ملاحظاتها على أدائهم وانتقاداتها التي توجهها اليهم. وهي تتحدث مع رئيس الجمهورية والرئيس المكلف ورئيس مجلس النواب وكل القوى من دون استثناء. وهي لا تريد حصرية لأي فريق في علاقتها معه. حتى الرئيس سعد الحريري الذي تربطه بها علاقات قديمة، وضعت له أيضاً إطاراً محدداً في التعامل معه. لذا لا تحبّذ باريس تصوير مؤتمرها بأنه لدعم قائد الجيش حصراً، ولا لأي غايات سياسية رئاسية أو غير رئاسية. ورغم أن باريس وبعض الدول أيدت فكرة مرور المساعدات بعد انفجار المرفأ في أقنية الجيش وإشرافه، منعاً لتسرّبها إلى غير مستحقيها، إلا أن أي مساعدات مباشرة للجيش من دون المرور بالأقنية الرسمية كسلطة تنفيذية، يفترض التعامل معه برويّة، علماً بأن مؤتمر روما لدعم القوى الامنية مثلاً، تم بإشراف الحكومة والوزراء المختصين، من خارجية ودفاع وداخلية.
أما النقطة الأكثر تقدماً، فهي أنّ باريس تريد استطلاع موقف القوى السياسية جميعاً، بما في ذلك حزب الله. فباريس وطدت علاقتها بالحزب في الآونة الأخيرة، وتحديداً منذ زيارة الرئيس إيمانويل ماكرون لبيروت، وهي مستمرة في التواصل معه، ولا تريد القيام بأي عمل من خارج انتظام علاقتها بالجميع، أو الظهور بموقف الاستفزاز لأي طرف. وهي تعرف أن حزب الله ليس ضد حصول الجيش على أي مساعدات، لكنها تريد القيام بجولة استطلاع شاملة في إطار حرصها على دعم لبنان ككل، والجيش من ضمن المؤسسات التي تريد المساهمة في دعمها. وهي في الوقت نفسه تواصل عملية استطلاعها مع الدول المشاركة في المؤتمر، فيما الجيش يواصل سعيه كي يحقق خرقاً حقيقياً لتأمين جزء من متطلباته، وإلا فإن خيبة الأمل ستكون أكبر، ولا سيما لدى العسكريين – الأفراد، الذين يراهنون على أن أحوالهم ستتحسن.