كل المواقف الصادرة من طرابلس واهلها المنتفضين ضد الفقر والعوز والاهمال، ومن سياسيي المدينة والقيادات السنيّة السياسية والروحية في شكل خاص، صبت في اعقاب شغب الامس الذي ادى الى احراق مبنى البلدية الأثري العائد إلى العهد العثماني بإلقاء قنابل “مولوتوف” الحارقة في اتجاهه ثم نهبه وسرقة محتوياته، في خانة رفع التهمة عن الثوار الحقيقيين المنتفضين لكرامتهم جراء تقصير الدولة وغيابها المزمن عن المنطقة حتى تحولت الى افقر مدينة على البحر المتوسط، وتوجهت نحو مندسين من الخارج ينفذون مخططا جهنميا مستغلين الامن الاجتماعي المزري، تتراوح الشكوك في شأن من يقف خلفه بين جهات اقليمية توظف فقر طرابلس في بازار سياساتها الدنيئة واخرى محلية ترمي التهمة حينا على العهد وادواته وآخر على حزب الله وسراياه لمصلحة محور الممانعة.
وفيما ترددت معلومات نقلا عن رئيس جهاز امني ان من ارتكبوا اعمال العنف ورموا القنابل اليدوية على السراي ليسوا من ثوار طرابلس وانهم موثقون بالصور ولديهم انتماءات معينة، تضع اوساط سياسية مطلعة على الوضع الطرابلسي ما يجري راهنا في سياق صراع “الامبراطوريتين”، الفارسية والعثمانية، في غياب الثقل العربي عن الساحة اللبنانية وانتفاء الدعم الخليجي الذي لطالما امّن الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي للبنان معطوفا على انكفاء القيادات السنية وعدم توحيد كلمتها ما ادى الى شعور بالغبن والضياع في الاوساط الشعبية السنية لا سيما في طرابلس التي لطالما شكلت خزانا بشريا رافدا لها في الانتخابات النيابية، بحيث باتت طرابلس خاصرة رخوة وارضية قابلة لتوظيفها في بازار الصراعات الاقليمية والمحلية.
وافادت ان ما يجري في طرابلس يعكس بوضوح هذا الصراع المتخفي تحت عنوان ثورة الجوع والظلم وهما وقود الثورات كلها. بيد ان المبالغة في العنف امس كشف جزءا من المؤامرة اذ ان الطرابلسيين الفقراء الذي يقتاتون من عملهم اليومي لا يملكون ثمن قنبلة يدوية او غيرها ولا يحرقون مدينتهم التي يحبون والتي اظهروا في ثورة 17 تشرين انها عن استحقاق عروس الثورة اذ لم تتخللها اي اعمال عنف لا بل شكلت نموذجا للتضامن والاخوة والشعور بالمواطنية ونبذ الطائفية. وتبعا لذلك، تؤكد الاوساط لـ”المركزية” ان المستغلين من جهات محلية واقليمية لا بد سيفشلون في تنفيذ مؤامرتهم الخطيرة التي يرجح انها تهدف لاشعال، ليس فقط طرابلس، انما لبنان ككل، بعدما اوصلته ممارسات المنظومة السياسية الفاسدة الى مرحلة يسهل على اي جهة توظيفها في مشاريعها الفتنوية.
ولا تستبعد ان يندرج ما يجري في سياق اعتراض ايران على المبادرة الفرنسية الانقاذية عبر حزب الله وادواته رفضا لعودة “الامبراطورية” الفرنسية الى الساحة اللبنانية واستمرار توزعها بين الفارسية والعثمانية.