شعار ناشطون

لماذا نزع السلاح الفلسطيني أصبح ممكناً الآن؟

03/06/25 06:49 am

<span dir="ltr">03/06/25 06:49 am</span>

شارل جبّور – نداء الوطن

كان يجب أن يُنزع السلاح الفلسطيني مع نزع سلاح الميليشيات اللبنانية مع انتهاء الحرب وإقرار “وثيقة الوفاق الوطني” التي نصّت على “حل جميع الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية، وتسليم أسلحتها إلى الدولة اللبنانية خلال ستة أشهر”، ولكن نجاح حافظ الأسد بالانقلاب على “اتفاق الطائف” أدى إلى إبقاء ثلاثة جيوش غير شرعية على الأرض اللبنانية: قوات النظام السوري، “حزب الله” وهو جيش إيراني، والفصائل الفلسطينية.

وإذا كان نظام الأسد قد وجد في الانقلاب على “اتفاق الطائف” مناسبة لتحقيق أحد أهدافه العقائدية بإلحاق لبنان بسوريا، فإن تحالفه الاستراتيجي مع إيران جعله يستثني ميليشيا “حزب الله” من تسليم سلاحها، انطلاقاً من تقاسم النفوذ بينه وبين طهران، وبالتالي إذا كانت أسباب بقاء قوات الأسد وميليشيا “الحزب” معروفة، فلماذا أبقى الأسد، ومن بعده “الحزب”، على سلاح الفصائل الفلسطينية؟ ولماذا وضعا الخطوط الحمر حول هذا السلاح، والجميع يتذكّر الموقف المعلن للسيد حسن نصرالله من حرب “البارد”؟

يُمكن التوقُّف أمام ثلاثة أسباب تفسِّر خلفيات تمسُّك الأسد والخامنئي بسلاح الفصائل الفلسطينية:

السبب الأول تدخليّ في الشأن الفلسطيني، فالأسد كان يتجنّب التدخُّل المباشر، وعمل على شقّ الصفوف الفلسطينية من خلال استتباع حركات وفصائل وتنظيمات تأتمر بأوامره، والأمر نفسه استكمله “الحزب” بعد خروج الأسد من لبنان، وبالتالي إبقاء سلاح المخيمات يندرج في سياق الضغط على القيادة الفلسطينية، بدءاً من أبو عمار، وصولاً إلى أبو مازن.

السبب الثاني استخداميّ للمخيمات لأعمال أمنية، إذ بدلاً من أن تلصق المسؤولية بالممانعة يتم لصقها بالفلسطينيين، أو بهدف إطلاق الصواريخ باتجاه إسرائيل في كل مرة يريد “حزب الله” فيها توجيه رسائل ساخنة إلى تل أبيب، ولكن من البريد الفلسطيني تجنباً لأي ردّ ضده، وذلك على غرار ما حصل مؤخراً في 22 و 28 آذار، ولكنه لم يجرؤ على إطلاق دفعة ثالثة من الصواريخ بعدما قصفت إسرائيل الضاحية، والردّ الحازم للسلطة اللبنانية.

السبب الثالث حججيّ وذرائعيّ، فنظام الأسد كان يدّعي أن أحد أسباب وجود جيشه في لبنان حماية المسيحيين من السلاح الفلسطيني، وأنه لن يخرج من لبنان قبل نزع سلاح المخيمات، فيما كان يشكل الغطاء لهذا السلاح والرعاية، وبالتالي من كان يمنع المس بالمخيمات هو نظام الأسد. ومن حال دون تنفيذ البند المتعلِّق بنزع السلاح الفلسطيني، والذي أقر بسرعة وبإجماع هيئة الحوار في مطلع العام 2006 هو “حزب الله”، الذي بدوره كان يتذرّع بعدم جواز نزع سلاح “الحزب” قبل نزع السلاح الفلسطيني، وبالتالي كان يمنع نزع سلاح المخيمات لتبرير إبقاء سلاحه.

ومناسبة هذا الكلام زيارة الرئيس الفلسطيني محمود عباس إلى لبنان وكلامه الواضح والمكرّر من السلاح الفلسطيني، وعدم جواز وجود هذا السلاح لا داخل المخيمات ولا خارجها، كما عدم جواز قيام أي عمل عسكري في لبنان أو من لبنان إلا للجيش اللبناني، ولكن المختلف في هذا الكلام المكرّر للرئيس عباس يكمن في اختلاف الظروف عن كل ما سبقها، بدءاً بإلغاء “اتفاق القاهرة” وإقرار “وثيقة الوفاق الوطني” التي تنص على “نزع سلاح الميليشيات اللبنانية وغير اللبنانية” ورفض التوطين، مروراً بمقررات طاولة الحوار في العام 2006 بإنهاء السلاح الفلسطيني خارج المخيمات وداخلها، وصولاً إلى التأكيد المستمر للسلطة الفلسطينية على سيادة الدولة على جميع أراضيها.

فالاختلاف الجوهري إذاً بين زيارة الرئيس عباس الأخيرة وما سبقها من زيارات ومواقف ومحطات، يكمن في أن القرار في لبنان، للمرة الأولى منذ العام 1990، هو بيد الدولة اللبنانية، فيما في المراحل السابقة كان مصادراً من قبل نظام الأسد في مرحلة أولى بين عامي 1990 و2005، ونظام الخامنئي ممثلاً بـ “حزب الله” في مرحلة ثانية اعتباراً من العام 2005 حتى 27 تشرين الثاني 2024.

وما يجب التأكيد عليه أيضاً أنّ نوايا السلطة الفلسطينية كانت دوماً طيبة وإيجابية تجاه لبنان وسيادته واستقلاله، ولكن القرار على الأرض كان بيد الأسد والخامنئي، ولولا استسلام “حزب الله” في 27 تشرين الثاني وتوقيعه على تفكيك بنيته العسكرية وخسارته الحدود مع لبنان وإسرائيل، والبسط التدريجي لسلطة الدولة والإصرار الدولي على إنهاء سلاح “الحزب”، وبالتالي لولا ذلك كله لما اختلفت زيارة الرئيس عباس عن سابقاتها من زيارات ولقاءات ومواقف ومحطات، والاختلاف الجوهري والمهم هذه المرة أنّ الدولة تحرّرت من قبضة “الحزب”.

فمن حال دون نزع السلاح الفلسطيني من المخيمات ليس السلطة الفلسطينية التي كانت داعمة لبسط سلطة الدولة اللبنانية على جميع أراضيها، إنما نظام الأسد في المرحلة الأولى، ونظام الخامنئي في المرحلة الثانية، ولولا “طوفان الأقصى” الذي أدى إلى تبدُّل الظروف الجيواستراتيجية بانتقال الممانعة من مرحلة الصعود إلى الهبوط، ومن الربح إلى الخسارة، ومن التمدُّد إلى الانحسار، لما كان بالإمكان انطلاق مرحلة نزع السلاح الفلسطيني.

وما يجب التأكيد عليه أيضاً، أن انطلاق مرحلة نزع السلاح الفلسطيني، لا يعني إطلاقاً تعليق تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار الذي ينص على تفكيك بنية “حزب الله” العسكرية في لبنان كله، خصوصاً أن الأولوية الدولية واللبنانية هي لإنهاء المشروع المسلّح لـ “الحزب”، وبالتالي الزخم سيبقى في هذا الاتجاه، فضلاً عن أنه لو لم يستسلم “الحزب” وينهزم لما أمكن نزع السلاح الفلسطيني. ومن مؤشرات أن المشروع المسلّح لـ “الحزب” انتهى، نزع السلاح الفلسطيني.

تابعنا عبر