شعار ناشطون

لماذا لا يسلِّم سلاحه؟

10/06/25 06:49 am

<span dir="ltr">10/06/25 06:49 am</span>

شارل جبّور – نداء الوطن

يعتبر «حزب الله» أن إنهاء مشروعه المسلّح يعني انتهاء ورقته العسكرية نهائياً في لبنان، لأنه من الصعوبة بمكان أن تتوافر مناخات مشابهة للظروف التي سمحت بنشأته وعسكرته وتسلحه، وبالتالي سيماطل ويفعل المستحيل ليتجنّب تفكيك بنيته العسكرية إفساحاً في المجال أمام إعادة تشغيلها في حال تبدلّت الظروف.

والفارق كبير جداً بين إعادة تشغيلها بعد توقفها بسبب هزيمته العسكرية، وبين إعادة بناء قوته العسكرية في ظل نظام سوري معاد لإيران قطع الجغرافيا السورية أمامها، ودولة لبنانية تعيد مدّ سيطرتها وبناء وضعيتها، فيما إحياء قوته بحاجة لانهيار الدولة على غرار انهيارها في الحرب، وأن تكون الجغرافيا اللبنانية موصولة بالجغرافيا الإيرانية.

ويعتقد «حزب الله» أن القبضة الدولية الشديدة عليه لن تبقى على هذه الحال مع انشغال تل أبيب وواشنطن بقضايا أخرى لاحقاً، ومع تراخيها يعود للاستقواء بسلاحه على الدولة، ولكنه لن يتمكّن من ذلك في حال تخليه عن هذا السلاح كون إعادة بناء قوته أصبحت مستحيلة.

وانتهاء مشروعه المسلّح يعني انتهاء دوره ليس فقط بالسيطرة على لبنان، إنما بتحقيق عقيدته التي تتطلّب أن يكون مسلحاً، خصوصاً أنه ولد من رحم ثورة تتوسّل العنف للتوسُّع والتمدُّد، وبالتالي خسارته للسلاح تعني خسارته لدوره ومشروعه وعلة وجوده، وهذا ما يجعله على استعداد لتحمُّل الخسائر التي مهما كبرت، بنظره، تبقى مجرّد تفصيل أمام فقدانه ورقة السلاح.

ما زال «حزب الله» يتوسّل الأساليب القديمة حفاظاً على سلاحه وفي طليعتها سياسة شراء الوقت ظناً منه أن معطيات الحاضر ستتبدّل في المستقبل وأن بإمكانه الانتظار، وهذا خطأ كبير يضاف إلى أخطائه إن بدخوله الحرب، أو بعدم خروجه منها في الوقت المناسب، لأن شراء الوقت كان يصحّ في زمن الصراع الكلاسيكي بينه وبين إسرائيل، ولكن المختلف هذه المرة يكمن في التالي:

أولاً، شكّل «طوفان الأقصى» أوّل تهديد وجودي لإسرائيل منذ حرب العام 1967، لا بل اعتبرته «نيو هولوكوست»، وأدى إلى زعزعة ثقة الإسرائيليين بالمؤسسة العسكرية التي تشكل الضمانة لاستمراريتهم، فجاء ردّ الفعل بمستوى التهديد الوجودي، وسعت إلى تجديد ثقة شعبها بجيشها، ولن تسمح بأي تهديد مستقبلي، ولن توقف حربها قبل ان تتثبّت وتتأكّد من زوال أي تهديد داخل كيانها أو على حدودها، وبالتالي لن تسمح لـ «حزب الله» في إعادة بناء قوته.

ثانياً، ما كان سائداً قبل «الطوفان» كان كناية عن توازن رعب، ولكن «الطوفان» قلب الطاولة رأساً على عقب وأدخل تعديلاً جذرياًعلى المشهد، فبعدما تمكنت إسرائيل عسكرياً، خلافاً لحرب تموز 2006 واستخلاصها الدروس من هذه الحرب، لن توقف حربها قبل أن تحقِّق أغراضها وأهدافها كلها، ولا تجد نفسها مضطرة إلى ترسيم العلاقة مع «الحزب» على غرار ما كانت عليه منذ تسعينات القرن الماضي، خصوصاً أنها نجحت في تدمير قوته الأساسية في لبنان، وقطعت شريانه الحيوي مع إيران، وهو عاجز عن تغيير هذه المعطيات وتبديلها، وبالتالي لا أمل له بالعودة إلى لعبة «البينغ بونغ» معها بعدما قرّرت هزيمته وإنهاء دوره كلاعب.

ثالثاً، تتعامل واشنطن مع الوقائع ولا تعمد إلى تغييرها سوى في ظروف استثنائية على غرار إسقاطها نظام صدام حسين بعد أحداث 11 أيلول، ولم تكن مستعدة لإزالة تهديد أذرع إيران لولا قيام تل أبيب بهذا الدور، وهذا ما جعلها توفِّر الغطاء لها و»تطحش» على طهران لإنهاء دورها الإقليمي المزعزع للاستقرار ومنعها من التخصيب، وبالتالي وجدت الولايات المتحدة التي كانت تسعى إلى ترسيم حدود اللعبة بين إسرائيل وأخصامها في المعطيات العسكرية الفرصة للانقضاض على الدور الإيراني.

رابعاً، إن سقوط سوريا كدولة حليفة لإيران ليس تفصيلاً، إنما هو تبدل جذري في ميزان القوى، وسقوطها يعني سقوطاً حتمياً لدورها في لبنان وغزة أيضاً، والنظام الجديد في سوريا بات يحظى بغطاء دولي وخليجي، ولن يكون من السهل تغيير هذا المعطى.

خامساً، للمرة الأولى منذ الثورة الإيرانية تخرج طهران من لعبة التأثير في الصراع مع إسرائيل بعد خسارتها أوراقها في غزة ولبنان وسوريا، وتُمسك المملكة العربية السعودية بمفتاح الحلّ والربط في هذا الصراع، وبالتالي هناك صورة مغايرة في المنطقة ولن تكون طهران قادرة على تغييرها بعد اليوم.

فلهذه العوامل كلها وغيرها انتهت سياسة شراء الوقت وسقطت إلى غير رجعة، ولم يعد يفيد بشيء تمسُّك «حزب الله» بسلاح ولو كان يشكل علّة وجوده وأساس مشروعه، لأن ظروف انطلاقة هذا المشروع وتوسعه انتهت، والإصرار على الشيء نفسه يعني الإصرار على الانتحار.

تابعنا عبر