كتب صفوح منجّد في جريدة “اللواء”
تابعت الأوساط السياسية والوطنية بشكل خاص نتائج عشاء العمل الذي عُقد مساء أمس وضم كلا من الرئيس السابق للحزب التقدمي الإشتراكي وليد جنبلاط ورئيس تيار المردة الوزير السابق سليمان فرنجية في كليمنصو حيث أشارت المصادر عن توقعها بأن يكون اللقاء قد تناول في أبحاثه التطورات الراهنة ومخاطرها المحدقة بلبنان في ضوء الحرب الشاملة التي تشنها إسرائيل على غزة وعلى جنوب لبنان بشكل خاص، ومناقشة الوضع السياسي والأمني على الساحة اللبنانية ووجوب إتخاذ المبادرة لتسهيل إنعقاد جلسة المجلس النيابي لإنتخاب رئيس للجمهورية للإنتقال من ثم إلى تفعيل العمل الحكومي والوطني في مواجهة الأحداث التي تعصف بالبلد وآن للقوى السياسية أن تضع حدا لها وتنتشل البلد من أزماته.
كما لفت المراقبين ما سبق وأعلنه وزير الإعلام زياد مكاري المقرّب من الوزير فرنجية “أن الإجتماع استمرار للعلاقة والتواصل بين القوى السياسية لمناقشة كل الامور الوطنية، وبرغم التباينات السياسية، تبقى العلاقة الانسانية والشخصية “شغلة مهمة بلبنان لا تَستهونوها”.
ولا بد في هذه المناسبة من إسترجاع ما تخزنه الذاكرة الوطنية حول ذلك اللقاء الذي إنعقد في أوائل ثمانينات القرن المنصرم في قصر زغرتا وضم آنذاك رئيس الجمهورية سليمان فرنجية (الجد) ورئيس الحكومة رشيد كرامي ورئيس الحزب التقدمي الإشتراكي الوزير وليد جنبلاط حيث تركز البحث في ذلك الإجتماع حول الأوضاع التي كانت تعصف بالبلد وضرورة خروج الإجتماع الثلاثي بالإعلان عن تشكيل “جبهة الخلاص الوطني” على الساحة اللبنانية وإنشاء جبهة تعمل على تنظيم صفوف القوى الوطنية وصياغة برنامج للخروج من الوضع المأزوم الذي كان يعصف بلبنان.
وكم هو اليوم شبيه بما جرى آنذاك، حيث طرحت الحلول من مختلف جوانبها بصراحة ووضوح إمتاز بها الزعماء اللبنانيون في ذلك الإجتماع الثلاثي، الذي ضم رئيسا للجمهورية قضى متأثرا بفقدان نجله الذي سقط على درب الشهادة، ورئيس حكومة إستشهد لاحقا ورئيس حزب سياسي إستشهد والده في سبيل القضية اللبنانية، فهل تكون نتائج اللقاء الثنائي وفق ما ينتظره اللبنانيون ويكون بوابة للحل النهائي؟ ذلك هو السؤال!!
ومن هنا لا بد من إسترجاع تفاصيل ذلك الإجتماع الثلاثي في جلسته الأولى التي إنعقدت في قصر اهدن بين الزعماء الثلاثة في شهررمضان من العام 1981.
يوم ذاك كتبت في صحيفة اللواء التي كنت أقوم بمراسلتها، الخبر التالي: قام جنبلاط بزيارة إلى الشمال وكان قد تزوج حديثا من السيدة جيرفيت وهي أردنية المولد وأم أولاده الثلاثة تيمور وأصلان وداليا.
وبدأ جنبلاط زيارته بلقاء مع كوادر “الحزب التقدمي” في طرابلس بحضور النائب فؤاد الطحيني، ووكيل داخلية الحزب في الشمال عبد العزيز علاف، ومعتمد الحزب في الضنية زياد جمال ومعتمد الحزب في المنية عمر زريقة.
ومن ثم توجه موكب جنبلاط بُعيد الخامسة إلى “الضنية” لزيارة الرئيس رشيد كرامي في منزله الصيفي في بلدة “بقاعصفرين” الذي خاطب جنبلاط قائلا: ” أهلا بالعريس”.
فنبّه معتمد الحزب في الضنية زياد جمال الرئيس جنبلاط بأن يطأ على قدم كرامي ليكون ذلك “فأل خير” ليُقدم هو الآخر على الزواج” وضحك الجميع.
وإستمر الإجتماع مابين كرامي وجنبلاط إلى ما قبل الغروب بدقائق بحضور النائب الطحيني والسيد توفيق سلطان، حيث إقترح كرامي على الحضور والوفد المرافق القيام بجولة في السوق القديم للبلدة ليس بعيدا عن منزل الأفندي.
وكان كرامي وجنبلاط طوال الطريق يتبادلان التحية والترحيب مع الأهالي الذين كانوا “يطلون” من الشرفات، وصولا إلى بيت عبد الله مرحبا الذي رحّب بكرامي وجنبلاط ودعا الجميع إلى مأدبة إفطار في منزله بحضور الطحيني وسلطان، في حين إصطحب معتمدو الحزب بقية أعضاء الوفد والمرافقين إلى مطعم “فيصل رعد” في بلدة “سير” المجاورة وأمضى جنبلاط ليلته في “فندق سير الكبير” وسط تدابير أمنية من قِبل عناصرأمنية من الحزب، بينما أمضى أعضاء الوفد المرافق ليلتهم في “فندق جنة لبنان” في بخعون.
وصبيحة اليوم الثاني إلتقى في صالون الفندق كل من جنبلاط والطحيني وسلطان وكان حوار حول المسائل الإنتخابية في “الضنية”، ثم وصل كرامي قبل أن يتحرك الموكب بإتجاه إهدن للقاء فرنجية.
وركب كرامي إلى جانب جنبلاط الذي كان يقود سيارته بنفسه وبعد حوالي الساعة وصل الموكب إلى قصر الرئيس فرنجية في إهدن، حيث إنعقد على الفور إجتماع ثلاثي ضم فرنجية وكرامي وجنبلاط، في حين إنتقلت لجنة صياغة البيان الختامي إلى “فندق البلمون” المجاور وضمت اللجنة كل من النائب الطحيني وعبد العزيز علاف وتوفيق سلطان عن جنبلاط ورامز الخازن عن فرنجية، والسفير محمود مملوك عن الرئيس كرامي(إنتهى ذلك المقال).
في ضوء ما قرأناه يتأكد لنا أن الكبار مهما إختلفوا وتباعدوا فإنّ المحتّم أن يعودوا ويلتقون مجددا على طريق تأمين خلاص البلد من أزماته ومما يتخبّط فيه من مماحكات وإضطرابات، والإجتماع في ما بين هؤلاء والبحث في مواضيع الساعة لا بد أن يسهّل عملية إخراج البلد من كبوته، فكيف الحال والبلد اليوم ليس في أزمة عابرة أو أحداث طارئة؟، هو في خضمّ العاصفة الهوجاء وفي مواجهة عدو مجرم وسفّاح لا أخلاق له ولا دين.
ولبنان اليوم في أشد الحاجة إلى زعماء كما كان الحال في السابق، والطريق واضح ومعلوم من قِبل الجميع وبوابته ومساره هو عبر إنتخابات رئاسية تُسفر وبأسرع وقت عن إنتخاب رئيس للجمهورية، ودون ذلك لا يمكن أن تصطلح الأمور ويستقر الوضع في لبنان وفي الداخل بصورة خاصة لنتفرغ لجرائم الخارج.