عماد الشدياق – اساس ميديا
من بين الخسائر الكارثية التي حلّت على إسرائيل بسب حربها على غزّة، ولم تلقَ التغطية الإعلامية الكافية حتى اليوم، تلك النفطية والغازية. فبعدما كانت تل أبيب مورّداً صاعداً يمثّل “رئة غازية” مستجدّة للقارّة الأوروبية العجوز، وبديلاً سريعاً عن الغاز الروسي الذي انقطع مع بداية الحرب الأوكرانية – الروسية، هوت صادرات إسرائيل من الغاز الطبيعي بنسبة 70%، بعد إقفال منصّاتها البحرية النفطية فور اندلاع الاشتباكات على الحدود مع لبنان.
حقل “تمار” يقلب المعادلة
هذا الانهيار مردّه الرئيسي إلى إغلاق حقل “تمار” الغازي مطلع الشهر الفائت، وهو الحقل الإسرائيلي الأقرب إلى الساحل الإسرائيلي.
في تقرير نشرته شركة “بي دي أو” للمحاسبة والاستشارات الإسرائيلية يوم الخميس الفائت، قدّرت الخسائر الاقتصادية لإغلاق حقل “تمار” بنحو 800 مليون شيكل، أي ما يعادل نحو 200 مليون دولار شهرياً (سعر الصرف نحو 4 شيكل لكل دولار أميركي).
ورد ذلك في تقرير أعدّه الشركاء الغربيون لإسرائيل في حقل “تمار” نفسه (من بينهم شركتا “شيفرون” و”إسرامكو”) وقدّموه قبل أيام إلى مجلس الأمن القومي الإسرائيلي.
يقول المتحدّث باسم شركة “شيفرون” إنّ الشركة تركّز على إمدادات آمنة وموثوقة من الغاز الطبيعي، وذلك لصالح السوق المحلية الإسرائيلية والعملاء الإقليميين، باعتبار أنّ حقل “تمار”، وهو أقرب الحقول للساحل الإسرائيلي وللمناطق الإسرائيلية المستهدفة من قطاع غزّة، توقّف العمل به، على ما يبدو.
أمّا الأرقام فتُظهر أنّ حقل “تمار”، وهو ثاني أكبر حقل بحري في إسرائيل، استطاع أن يزوّدها بقرابة 8.7 مليارات متر مكعب من الغاز ذهبت كلّها ومباشرة إلى السوق الإسرائيلية العام الماضي، بينما صُدّر من الحقل نفسه نحو 1.57 مليار متر مكعب أخرى إلى كلّ من مصر والأردن.
على غرار حقل “تمار” فإنّ “كاريش” هو الآخر مخصّص للاستهلاك الداخلي وليس للتصدير، وهو ما يعني أنّ تحرّك الجبهة الشمالية مع الحزب على نطاق أوسع ممّا هو قائم حالياً قد يدفع بإسرائيل إلى إغلاقه أيضاً
حينما علّقت إسرائيل الإنتاج في حقل “تمار” في اليوم الثاني لانطلاق معركة “طوفان الأقصى”، اضطرّت إلى توجيه إمدادات هذا الحقل عبر خط أنابيب في الأردن، بدلاً من خطّ أنابيب مباشر تحت سطح البحر إلى مصر.
“ليفياثان” يقوم بالواجب
أمّا أكبر الحقول الغازية الإسرائيلية فهو حقل “ليفياثان” الذي تخصّص إسرائيل إنتاجه للتصدير حصراً. ولتعويض الفرق وسدّ حاجات الاستهلاك الداخلي بعد إقفال حقل “تمار”، لجأت إسرائيل إلى مصادر وقود أكثر تكلفة، وحوّلت إلى السوق المحلي غاز حقل “ليفياثان” الذي يُصدّر إلى الخارج بالعادة.
أدّى كلّ ذلك إلى انخفاض إنتاج الغاز الأسبوعي بنسبة 35%، بينما انخفضت نسبة الصادرات عموماً بنحو 70%.
مصير “كاريش” بيد الحزب؟
ربطاً بحديث الأمين العام للحزب يوم الجمعة الفائت، وفي حال تصعيد الحرب أكثر من ذلك، فإنّ هذا الواقع قد يتسبّب بمزيد من خفض إنتاج الغاز الإسرائيلي ليشمل حقل “كاريش”، وهو الأقرب إلى الحدود الشمالية من الحقول الأخرى.
توقّف هذا الحقل على غرار حقل “تمار” سيزيد التكلفة الاقتصادية على تل أبيب بشكل كبير، لأنّه بذلك ستكون إسرائيل مطالبة أيضاً بـ:
1- خفض إنتاج الغاز.
2- خفض صادراتها.
3- تحويل توليد الكهرباء إلى الفحم والديزل المكلفين، بدلاً من الغاز.
على غرار حقل “تمار” فإنّ “كاريش” هو الآخر مخصّص للاستهلاك الداخلي وليس للتصدير، وهو ما يعني أنّ تحرّك الجبهة الشمالية مع الحزب على نطاق أوسع ممّا هو قائم حالياً قد يدفع بإسرائيل إلى إغلاقه أيضاً.
في هذه الحال ستكون إسرائيل قد خسرت مصدرين للغاز بضربة واحدة، وتكون قد اضطرّت إلى استخدام البدائل عن تلك المادّة الحيوية أو طلب الغاز من جهات أخرى، أي تكون قد تحوّلت من دولة مصدّرة للغاز إلى دولة مستوردة له.
أمّا الضرر الأكبر الناتج عن إيقاف الإنتاج والتصدير، فسيكون أشدّ إيلاماً لإسرائيل، وهو يتعلّق بحسب الخبراء النفطيين بـ”سمعة إسرائيل” باعتبارها “مورداً موثوقاً” للغاز. هذا الأمر المستجدّ سيدفع بعدد من الشركات إلى العزوف عن الاستثمار بالنفط والغاز في منطقة “قابلة للاشتعال في أيّ لحظة”. وربّما هذا ما دفع بمحافظ المصرف المركزي البريطاني آندرو بيلي إلى القول قبل أيام في مؤتمر صحافي بلندن إنّ الأحداث التي تشهدها منطقة الشرق الأوسط “تثير حالة من عدم اليقين الاقتصادي ومخاطر ارتفاع أسعار الطاقة”، خصوصاً أنّ الخطر على حقول الغاز الإسرائيلية في نظره “لا يزال قائماً”، وذلك في إشارة إلى احتمال استهداف الحقول الإسرائيلية، في حال توسّعت جبهات الحرب!