كتبت غادة حلاوي في “نداء الوطن”:
مجدداً يجد لبنان نفسه مضطراً لخوض معركة ديبلوماسية في أروقة مجلس الأمن الدولي عشية التمديد لقوات الطوارئ العاملة في جنوب لبنان أواخر شهر آب المقبل.
منذ اليوم بدأت المحاولات لإجراء تعديلات على نص بيان التمديد غايته الإبقاء على البند المتعلق بتوسيع صلاحيات قوات الطوارئ على امتداد نقاط وجودها على الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة، والأخذ بتوصيات اسرائيلية لإجراء بعض التعديلات على الجانب اللبناني من الحدود. المطلوب وفق ما يجري العمل عليه منح «اليونيفيل» حرية في تحركها وازالة كل ما من شأنه حجب رؤية جنود الإحتلال الإسرائيلي للجانب اللبناني من الحدود وعلى وجه التحديد المستوعبات «الكونتينرات» المقامة على الحدود والأشجار المزروعة التي رفض الأهالي بمؤازرة «حزب الله» ازالتها في الأعوام الماضية.
يوم أقرَ التمديد «لليونيفيل» العام الماضي، سرّب القرار الذي وافقت عليه الدول الأعضاء في مجلس الأمن بالإجماع خلافاً للمعتاد. جرت العادة أن يصطدم أي تعديل في قرار التمديد بفيتو صيني وروسي، لكن الدولتين حجبتا حق الفيتو ووافقتا على بند التعديل الذي أصرت فرنسا وأميركا وبريطانيا على اضافته، ولم يتمكن لبنان من تطويق الأمر، وهو ما تسبب بردود فعل شاجبة وغاضبة دفعت بقوات «اليونيفيل» للتأكيد على وجود قواعد العمل ذاتها لناحية التنسيق مع الجيش اللبناني.
واستدراكاً لتكرار المشكلة يسعى لبنان من خلال وزير الخارجية عبدالله بو حبيب الى «إزالة الفقرة التي تضمّنها قرار التجديد لقوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان السنة الماضية، حول توسيع حركتها في الجنوب». من موقعه كوزير للخارجية وبالتوافق مع رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي، تحرك بو حبيب تجاه مندوبي الدول مطالباً بحذف هذه الفقرة من رسالة التمديد، مستنداً إلى توافق سبق وحصل بين لبنان وقائد «اليونيفيل» عقب التمديد العام الماضي يعتبر القرار بالممارسة كأنه لم يكن. ولكن هل يمكن لمجلس الأمن حذف بند من القرار سبق وتمت الموافقة عليه بالإجماع؟
يقول بو حبيب في اتصال مع «نداء الوطن» إنّ «الحذف ممكن انطلاقاً من كونه بلا جدوى وليس خاضعاً للتنفيذ وهو محاولة لتطويق مشكلة، فبعد التمديد العام المنصرم وخلال الإجتماع معه أبلغ قائد «اليونيفيل» العاملة في لبنان اعتبار هذا النص كأنّه لم يكن، وأكد عدم تغيير قواعد اللعبة في الجنوب».
وبعد شهر من التمديد أكد الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش لرئيس الحكومة ووزير الخارجية «أنّ قواعد اللعبة لم تتغير والطوارئ ستبقى على تنسيقها مع الجيش اللبناني».
ما يسعى إليه لبنان هو تجنب منح الموافقة على حرية حركة «اليونيفيل» جنوباً، والتعاون مع الجيش اللبناني والتنسيق معه في هذا الشأن، وسحب بند من القرار يمكن اعتباره سيفاً مصلتاً يمكن اللجوء إليه ليكون سبباً للمشكلات والمواجهات بين الأهالي وجنود «اليونيفيل».
ويسعى لبنان عشية التمديد، وبالتواصل مع الفرنسيين والروس، الى تأمين دعم قوة الجيش اللبناني الموجودة على الحدود لتتمكن من مؤازرة «اليونيفيل» في عملها، وبدل اقتطاع نسبة من ميزانية قوة الطوارئ لدفعها الى جنود الجيش فالأفضل مدهم بالفيول لإعانتهم على التحرك إلى جانب «اليونيفيل». أما الأمر الثالث الذي يسعى إليه لبنان فهو تغيير اسم المساحة اللبنانية من قرية الغجر السورية ليصبح خراج بلدة الماري اللبنانية.
واستباقاً لصدور القرار عن مجلس الأمن، تسعى اسرائيل إلى تحقيق مكتسبات تحميها جنوباً، لذلك سارعت إلى اعداد تقرير مفصل إلى الأمين العام عمل المندوب الإسرائيلي على ترويجه لدى مندوبي الدول الأعضاء يتعلق بفرض ازالة المستوعبات المخصصة للزارعة على الجانب اللبناني من الحدود، بحجة أنها قد تستخدم أو أنها في الواقع مخازن لأسلحة «حزب الله»، وفي التقرير عينه شكوى اسرائيلية إلى مجلس الأمن على المناورة التي أقامها «حزب الله» حديثاً على الحدود اللبنانية. وقد تلقى لبنان نسخة عن التقرير الإسرائيلي، وهو بصدد الرد عليه والمطالبة بوقف الخروق الإسرائيلية المتكررة بحق لبنان براً وجواً وبحراً وتحرير الأراضي التي لا تزال تحتلها اسرائيل.
تستبق اسرائيل قرار التمديد لمجلس الأمن وتقرير الأمين العام بالسعي إلى تغيير قواعد الإشتباك وفرض اجراءات جديدة على الحدود اللبنانية المشتركة، وهو المسعى ذاته الذي تصبو إلى تحقيقه مع تجدد الحديث عن التمديد «لليونيفيل» سنوياً، وعادة ما يخضع تقرير الأمين العام ويتأثر بالظروف الآنية المحيطة ويبني عليها بقوة دفع أميركية وفرنسية وبريطانية. واذا ما استمر الفراغ الرئاسي فقد تتم مقاربة قرار التمديد من وجهة مختلفة ليكون أداة للضغط، لذا فإنّ لبنان دخل في سباق خشية استمرار الفراغ الرئاسي واستفراد لبنان واستضعاف موقعه وتعزيز الإنقسام الداخلي.